"الساحل الأفريقي" كلمة مشتقة من الأصل العربي "سهل أفريقيا"، ويبدأ شريط الساحل متصلا من السودان شرقا على البحر الأحمر مرورا بتشاد ثم النيجر ومالي وأخيرا السنغال على المحيط الأطلسي.
وهي الدول الفاصلة بين السافانا الأفريقية جنوبا، وبين دول الصحراء الكبرى شمال القارة.
وكانت المنطقة تحت الأضواء منذ عصر الإمبراطورية الرومانية التي احتلت شواطئ المتوسط وأرادت التوغل نحو السهول الأفريقية لاستكشاف مستعمرات جديدة.
بين القرن الأول، والرابع الميلادي توغلت الوحدات العسكرية الرومانية إلى الساحل، ووصلت إلى بحيرة تشاد، وتحركت أيضا عبر مسارات أخرى صوب الصحراء الغربية والوسطى بحثا عن الثروات بالخصوص الذهب والتوابل.
عبر 20 قرنا توالى الاهتمام بالساحل الأفريقي من شتى القوى الداخلية والخارجية، بعد اعتباره منبع ثروات نادرة، وحاولت أوروبا غزوه في وقت مبكر منذ القرن 14، ووضعت أول خارطة للوصول إلى مهد الذهب تيمبكتو، من شارل الخامس ملك فرنسا.
وكان الحزام الأفريقي ملتقى مثاليا بين الشمال والجنوب تداخلت فيه الأعراق واختلطت بل وانصهرت في بعضها، وخلق نماذج وأنماطا حضارية استثنائية منها بدء تبلور جزء مهم من التاريخ الأفريقي، كما شهد جوزيف زيربو، حين سادته ممالك وسلطنات كانت شاهدة على ذلك، مثل مملكة غانا القديمة، ومالي وحاضرة تيمبكتو غربا، وممالك برنو وسنار ودافور شرقا.
تواصل الاهتمام الغربي بأفريقيا الساحل في فترة تجلياته بعد ظهور ممالك الذهب فيه، أشهرها مملكة منسى موسى في مالي وعاصمتها تيمبكتو، والذي عد أغنى رجل عبر التاريخ.
ولم يتوقف الاهتمام الغربي مذاك بالمنطقة، فصب الغرب في القرون التالية اهتمامه عليها حتى بلغها أخيرا لتتمخض عن ذلك الإمبريالية الجديدة ما بين (1884-1914)، لتتقاسم المنطقة خمسة قوى عالمية بعد ذلك (بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وإيطاليا).
بعد عقود الاستعمار تركت هذه القوى أفريقيا ومنطقة حزام الساحل، مخلفة وراءها حدودا جغرافية وعرقية حبست سكان المناطق المفتوحة وحدت من تحركاتهم وعزلتهم عن المراعي ومنابع المياه والهجرات الجماعية والتنقل الذي تعودوا عليه في تغير ديمغرافي وجيوسياسي ندر حدوثه في مكان آخر.
نشأت بعد الاستعمار احتكاكات كثيرة، بين المزارعين والرعاة، وأججت حروبا بينهم بسبب الحركة الدائمة بحثا عن مصادر المياه والمراعي وأراض خصبة، وأعاقت الحدود الجديدة بين الدول الحديثة هذه الحركة، وقطعت الصلات بين قبائل الساحل، بعد أن وجدت بعض القبائل نفسها في عزلة عن شقيقتها، (مثل الفلان والطوارق والهوسا).
خلق الاستعمار حدودا يستحيل العيش فيها بالنسبة لكثير من هذه الشعوب، بعد أن ألحق بعض شعوب السافانا بالصحراء، وأيضا العكس، ليجد من كان امتداده التاريخي وعماد حياته شمال القارة، قد أصبح من أهل الجنوب، أو من كان من أهل الجنوب قد ألحق بالشمال.
وأبقى الاستعمار ما هو أسوأ في شكل حكومات حديثة ورثت كل المشاكل السابقة، دون أي استعداد لتولي المسؤولية أو ممارسة سلطة نزيهة، وزاد عليها "حراسة مصالحه".
أنتج كل ما سبق مشكلات مستعصية حالت دون نهوض دول هذا الحزام الذي ظهرت فيه حركات مقاومة وتحرر فاض بها الكيل، اتخذت شعارات وطنية تارة وأيديولوجية تارة أخرى، في طريق بحثها عن الخلاص، دون جدوى.
ومن خلال هذا الكفاح تسلل الطامعون إلى السلطة والتقفوا شعارات مختلفة تعد الحالمين بالفردوس المفقود، فتسنموا السلطة، تارة بالانقلابات وأخرى عبر تزوير الانتخابات وتارة أخرى باسم الدين أو العرق.
واليوم بعد أن تكشفت كل الأوراق، بدأت المنطقة تتعرف على أعدائها (…) الذين تسببوا في مأساتها، فتعرفت منهم على تجار الدين وأمراء الحرب شرقا، فيما المتهم غربا هو المستعمر الذي أدخلها في سبات عميق ليستنزف ثرواتها.
المشكلة أن الحزام الأفريقي الممتد بين السافانا الأفريقية جنوبا، وبين الصحراء الكبرى شمالا، لا يتخلص سكانه من نظام فاسد، أو مستغل أو مستبد أو استعمار غير مباشر حتى يتسنم الأمر فيه سيد آخر كما يحدث اليوم إذ نرى زغاريد الهزيمة التي تودع بها فرنسا في المنطقة تطلق لقدوم روسيا لتكون السيد الجديد!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة