عودة الثقة في الولايات المتحدة في المنطقة عامل مهم في هذا التوقيت، فما يحدث في سورية قضية تتطلب القوة الرادعة.
قبل الضربات الصاروخية التي شاركت فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا بساعات، وتحديداً عند الساعات الأولى من صباح السبت الماضي قمت بنشر استفتاء على حسابي في تويتر في محاولة هدفت منها إلى معرفة مدى ثقة من سوف يجيبون على هذا الاستفتاء حول جدية أميركا وحلفائها في تنفيذ ضربات عسكرية ضد النظام السوري، الذي يستخدم الغازات المميتة ضد شعب أعزل، والغريب في الأمر أن النتائج التي حصلت عليها أكدت أن فقط (29 %) قالوا إن هناك ضربة محتملة ضد نظام الأسد بينما أكد (62 %) من المشاركين في هذا الاستفتاء السريع أن ما يحدث هو مجرد مناورة سياسية فقط، واكتفى (9 %) من المشاركين بأن قرار الضربات يصعب تنفيذه حالياً.
السؤال الذي تطرحه إجابات هذا الاستفتاء التويتري السريع تعكس بعمق أن مجتمعاتنا دون استثناء تحاول دائماً فهم السياسات الغربية من خلال اتجاه معاكس لمعطياتها، أو من خلال تجارب فعلية في قضايا مماثلة، الحقيقة أن مؤشر الثقة في أميركا وخاصة في القضية السورية عانى من انخفاض شديد في عهد أوباما، فالقضية السورية وخلال سبعة أعوام مضت لم تكن دائماً تُعامل بجدية من قبل الإدارة الأميركية السابقة.
لابد أن نفهم أن النظام السوري لم يعد سوى عنوان قابل للزوال، أو بمعنى دقيق لم يعد نظام الأسد يشكل معادلة يمكن أن يكون لها الأثر البارز في تغيير مسار الأزمة السورية أو حتى التأثير فيها..
القضية السورية قضية تزاد تعقيداتها منذ انطلاقتها، وتصل إلى درجة كبيرة من الأهمية الدولية وخاصة أنها مسرح عسكري وسياسي سوف تكون منتجاته مقلقة للمنطقة والعالم، وهي بالدرجة الأولى منطقة نزاع غربي - روسي، ومنطقة نزاع إيراني - عربي، ومنطقة نزاع كردي - تركي، ومنطقة نزاع إيراني - إسرائيلي، ومنطقة نزاع شعب ضد نظامه، ومنطقة نزاع أيديولوجي بين فصائل إرهابية، ومنطقة نزاع عربي - عربي، ومنطقة يدفع فيها الشعب السوري الثمن باهظاً وحده، وهذه الحقائق ليست كل شيء ولكنها العناوين الرئيسة لهذا الصراع ومنتجاته.
السؤال هنا: ما الذي تعنيه هذه الضربات الجوية على معاقل النظام السوري؟، هنا لابد أن نفهم أن النظام السوري لم يعد سوى عنوان قابل للزوال، أو بمعنى دقيق لم يعد نظام الأسد يشكل معادلة يمكن أن يكون لها الأثر البارز في تغيير مسار الأزمة السورية أو حتى التأثير فيها، وأعتقد أن دولاً عربية كثيرة قد فهمت هذا الأمر من خلال تراجعها عن مطالبات متعددة حول مصير النظام، ما يجري في سورية صورة كبرى يجب التخفيف من آثارها قدر الإمكان.
ما قاله الرئيس الأميركي قبل أيام، وتحديداً في التاسع من إبريل بعد اجتماع مع أعضاء الحكومة «لا يمكننا السماح بفظائع كهذه، لا يمكن أن نسمح بها.. ليس هناك شيء مستبعد». ثم حذّر من أنّه بغضّ النظر عن مسؤولية روسيا أو نظام الأسد أو إيران، سيكون رد الولايات المتحدة «قاسياً جداً»، مكرّراً أن جميع الأطراف المعنية «ستدفع الثمن».
هذه الضربة أكدت أن أميركا والغرب عليهما التدخل لوقف إنتاج المزيد من التعقيدات في سورية، وخاصة أن إيران وروسيا والنظام السوري يصنفون أنفسهم طرفاً في القضية، بينما يمكن للعالم أن يتخلص من هذه المعطيات بهدف منح السوريين ورقة إدارة سورية، هذا الأمر ليس بهذه البساطة، ولكن المهم أن تدخل أميركا وحلفائها في هذا التوقيت يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. التاريخ الغربي في المنطقة من خلال تحرير الأهداف المرجوة حتى لا تتحول سورية كذلك إلى لعبة لتبادل اللوم حول من كان على حق ومن كان على خطأ.
عودة الثقة في الولايات المتحدة في المنطقة عامل مهم في هذا التوقيت، فما يحدث في سورية قضية تتطلب القوة الرادعة ووقوف قوة دولية بحجم أميركا وحلفائها ليس رغبة في وجود هذه القوى، ولكن اتجاهات القضية السورية سوف يترتب عليها أخطار كبرى في المنطقة، وخاصة التدخل الإيراني الذي يسعى إلى ترسيخ تدخله بمساعدة مؤسفة من الجانب الروسي. الشرق الأوسط اليوم يرى أهمية في ازدياد اعتماده على قوة دولية مثل أميركا وحلفائها من أجل إصلاح مصائب المنطقة والقيام بمهام كبرى عبر تولي دور الوسيط في النزاعات الإقليمية.
الحقيقة التاريخية القائمة هذه الأيام تقول إن المنطقة لم تعد قادرة على الخروج من أزماتها دون القوى الدولية القادرة على تغيير الاتجاهات بقوتها، فالأزمة السورية تقع تحت قناعات نظام سياسي يعتمد على حلفاء وقعوا أسرى لما أقنعوا به أنفسهم أن القضية يمكن تغليفها ببساطة بفكرة محاربة الإرهاب، ولن يحقق هذ الاعتقاد توقعات سريعة النتائج بل أدى إلى فشل ذريع، ففشل الأهداف ساهم في غياب خطة الخروج من الأزمة غير الموجودة لدى محتلي سورية، النظام وإيران وروسيا، وهذا ما يقف خلف التعقيدات المتراكمة في الأزمة السورية التي تتطلب الوقوف بجانب القوى الدولية القادرة على تخفيف الأعباء في نتائج هذه الأزمة.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة