أوكرانيا أفضل مثال.. ترامب ينسف قرنا من السياسة الأمريكية

يعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقارب الساعة إلى الوراء، بعد أن نسف في شهره الأول بالبيت الأبيض نهج السياسة الخارجية المستمر منذ قرن.
ووفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، يبدو أن ترامب يريد العودة إلى مرحلة من تاريخ العالم قامت خلالها الدول ذات الجيوش الأكبر ببناء الإمبراطوريات، وطالبت بالجزية من الدول الأضعف، ووسعت أراضيها بالإكراه، وهو ما يدمر نهج الولايات المتحدة تجاه الشؤون العالمية.
والقضية التي كشفت بشكل أكثر وضوحا عن تحركات الرئيس لإعادة صياغة دور الولايات المتحدة في العالم، هي نهجه في حرب أوكرانيا، إذ اصطف في جانب روسيا وانتقد الطرف الأضعف كييف، وهو ما اعتبره حلفاء واشنطن في أوروبا، "إهانة لهم"، على حد قول الصحيفة.
سياسة كلاسيكية
ويرى دبلوماسيون ومحللون أن نتيجة هذا النهج هي التنازل عن النفوذ لموسكو، لكن هذا قد يكون مجرد البداية؛ ففي أسوأ الأحوال، قد تشجع استراتيجية ترامب القوى العالمية الأخرى على تبني سياسات أكثر عدوانية تجاه جيرانها، وهو ما يتناقض مع السياسة الخارجية الأمريكية.
وحتى الآن، ذهب الرئيس الأمريكي إلى أبعد مما فعله في ولايته الأولى مما أثار دهشة زعماء العالم الآخرين الذين اعتقدوا أنهم يملكون دليل التعامل معه، وكانوا يعملون لإرضائه.
لكن زعيم النظام الدولي، أصبح يتبنى أفكارًا قديمة تسمح للقوى العسكرية ببناء مجالات نفوذ إقليمية وممارسة الهيمنة على جيرانها، وفق "واشنطن بوست".
في هذا السياق، قالت روزا بالفور، مديرة مكتب بروكسل لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "هذه هي الجغرافيا السياسية الكلاسيكية: التأثير على المناطق الأقرب إليك جغرافيًا".
ويرى حلفاء الولايات المتحدة، أن اندفاع ترامب لإبرام صفقة مع روسيا حول أوكرانيا، قد يقلل من نفوذ واشنطن في العالم بدلاً من توسيعه.
عصر جديد
والأسبوع الماضي، قال أليكس يانغر، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني السابق (MI6) لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "نحن في عصر جديد، حيث لن يتم تحديد العلاقات الدولية بشكل عام من خلال القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف. بل من خلال الرجال الأقوياء والصفقات".
والأسبوع الماضي، قال ترامب إن الحرب في أوكرانيا "ليس لها تأثير كبير علينا لأن لدينا محيطا كبيرا جميلا بينهما"، رافضاً بذلك أجيالا من العقيدة الأمريكية التي تقول إن مصالح واشنطن تتأثر عندما يبدأ منافس حربا للسيطرة على الأراضي.
وبعدما تحول إلى منتقد، كتب مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون في مجلة "ناشيونال ريفيو" الأسبوع الماضي، "لا يتبنى ترامب فلسفة شاملة للأمن القومي فهو لا يطبق استراتيجية كبرى.. إن قراراته معاملاتية، وارتجالية، وقصصية، ومتقطعة".
ويرى ترامب وأنصاره أنهم يعيدون تأكيد أولوية المصالح الأمريكية بعد عقود فقد فيها الديمقراطيون والجمهوريون اهتمامهم بالأمريكيين العاديين عند اتخاذ القرارات بشأن وضع واشنطن في العالم.
ويقول هؤلاء إن الرؤية الأضيق للمصالح الأمريكية ستساعد في الحفاظ على الموارد ومكافأة المواطنين الأمريكيين والشركات بشروط تجارية أفضل على المستوى الدولي.
هزة مبررة
واهتز صناع السياسات خارج الولايات المتحدة من السرعة التي ترجمت بها مواقف ترامب إلى سياسة ملموسة، فبعدما انتقد أوكرانيا الأسبوع الماضي، رفضت الإدارة الأمريكية السماح باستخدام لغة تصف روسيا بـ"المعتدي" في بيان من مجموعة السبع، وذلك حسبما قال دبلوماسيان أوروبيان كبيران.
وعلى نحو مماثل، ضغطت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي لسحب قرار يخلد الذكرى الثالثة للحرب ويشير إليها باعتبارها "عدوانًا" وذلك وفقا لما قاله ثلاثة دبلوماسيين كبار آخرين.
وبدلاً من ذلك، وزعت إدارة ترامب قرارًا يدين خسارة الأرواح في "الصراع الروسي الأوكراني"، وهو ما اعتبر أحد الدبلوماسيين، يضع البلدين على قدم المساواة.
ويرى عدد من الأوروبيين أن رفض ترامب المبكر لانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو اعتبار استعادة كييف لكامل أراضيها هدفا غير واقعي، قضى على أكثر أوراق التفاوض قيمة لدى كييف وداعميها.
لكن بعض المحللين يقولون إن نهج ترامب ربما لا يزال قيد التطوير، إذ قال كليفورد ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية "إنه ليس شخصًا يقول، هذه هي سياستي الخارجية.. هذه هي عقيدتي.. علينا أن نرى ما سيحدث، ومن يؤثر عليه وبأي طرق. لا أعتقد أن جميع مستشاريه على نفس التوجه تمامًا".
وأضاف "إذا كان الهدف هو جعل أمريكا عظيمة مجددا فعليك أن تحدد ما يعنيه العظمة؟ وكيف تبدو أمريكا العظيمة؟ من حيث القوة والقيادة والنفوذ في العالم وشكل النظام العالمي.. هذه أسئلة خطيرة، وأعتقد أنها لم تحل بعد".
aXA6IDE4LjIyMi40Ny4zMSA= جزيرة ام اند امز