أوكرانيا بين الحرب والديون.. هل تنجو من «كماشة» ترامب؟

بالتزامن مع الذكرى الثالثة للعملية العسكرية في أوكرانيا، وجدت كييف نفسها في «كماشة» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يضغط من أجل التوصل إلى صفقة بشأن المعادن واتفاقية سلام بـ«شروط يريد إملاءها».
سياسة الرئيس الأمريكي التي تتناقض «بشكل صارخ» مع نهج سلفه الرئيس السابق جو بايدن الذي يدعي ترامب أنه «تم التلاعب به مثل الكمان» من قبل زيلينسكي، تعمل بموجبها واشنطن على تحويل ضغوطها من موسكو إلى كييف، كخطوة على طريق إنهاء الحرب.
ذلك التغيير الجذري الذي أجراه الرئيس ترامب في السياسة الأمريكية تجاه روسيا «صدم» نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وزاد من المخاوف بين حلفاء الولايات المتحدة من أن إدارة ترامب سوف تقف إلى جانب موسكو في محاولتها التفاوض لإنهاء الصراع.
«كماشة» ترامب
وكان ترامب يضغط على زيلينسكي في الأيام الأخيرة لتوقيع اتفاق من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة وأوكرانيا حصصًا متساوية من عائدات استخراج المعادن والموارد الطبيعية الأخرى في أوكرانيا. وكان الاتفاق فكرة زيلينسكي، وقد طرحها أولاً مع ترامب في سبتمبر/أيلول.
وبينما ينظر الرئيس الأوكراني إلى الاتفاق باعتباره شراكة اقتصادية، ينظر ترامب إلى الاتفاق باعتباره وسيلة لاستعادة مئات المليارات من الدولارات التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا كمساعدات على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وقال ترامب إنه يتوقع أن تحصل الولايات المتحدة على ما بين 400 مليار إلى 500 مليار دولار من خلال الاتفاق الذي لم «يتضمن ضمانات أمنية أمريكية محددة من شأنها حماية كييف»، وهو ما رفضه الرئيس الأوكراني، الذي قال إنه لن يوقع على شيء «سيضطر عشرة أجيال من الأوكرانيين إلى سداده»، مشيرا إلى أنه من خلال الاعتماد على عائدات أوكرانيا من الموارد الطبيعية، قد يستغرق الأمر 250 عاما لسداد 500 مليار دولار، وهو مبلغ وصفه بأنه غير واقعي.
ويوم الجمعة، اقترحت الولايات المتحدة مسودة اتفاق جديدة، حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»، تفتقر إلى الضمانات الأمنية لأوكرانيا وتتضمن شروطًا مالية أكثر صرامة. وكررت المسودة الجديدة مطلب الولايات المتحدة بأن تتخلى أوكرانيا عن نصف عائداتها من استخراج الموارد الطبيعية، بما في ذلك المعادن والغاز والنفط، فضلاً عن الأرباح من الموانئ والبنية الأساسية الأخرى.
وبموجب الشروط المقترحة، سيتم توجيه هذه العائدات إلى صندوق تمتلك فيه الولايات المتحدة حصة مالية بنسبة 100%، ويتعين على أوكرانيا المساهمة في الصندوق حتى يصل إلى 500 مليار دولار. وهذا المبلغ يزيد على ضعف قيمة الناتج الاقتصادي لأوكرانيا في عام 2021، قبل الحرب.
وقال زيلينسكي إن المبلغ غير متناسب مع قيمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا حتى الآن - حوالي 120 مليار دولار، وفقًا لمعهد كيل، وهو معهد أبحاث ألماني - وأنه لن «يعترف» بأن أوكرانيا مدينة بمبلغ 500 مليار دولار أمريكي، «بغض النظر عما يقوله أي شخص».
كما سلط زيلينسكي الضوء على نقطة خلاف أخرى في الاتفاق المقترح: وهي أن أوكرانيا ستكون مطالبة بسداد مبلغ مضاعف من قيمة المساعدات الأمريكية المستقبلية للولايات المتحدة.
وقال زيلينسكي يوم الأحد: «ينص الاتفاق على أنه مقابل كل دولار من المساعدات، يتعين على أوكرانيا إعادة دولارين. ببساطة، إنه قرض بنسبة 100%. يجب أن أسدد أصل القرض بالإضافة إلى 100% أخرى».
لكن الاتفاق لا يلزم الولايات المتحدة بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، ولا يعد بتقديم المزيد من الدعم العسكري لكييف. بل إن كلمة «الأمن» حُذفت من صياغة وردت في نسخة سابقة من الاتفاق، مؤرخة 14 فبراير/شباط، والتي ذكرت أن البلدين يهدفان إلى تحقيق «السلام والأمن الدائمين في أوكرانيا».
وبدلاً من ذلك، ينص الاتفاق على إعادة استثمار جزء من العائدات التي يجمعها الصندوق في إعادة إعمار أوكرانيا. كما ينص الاتفاق على أن الولايات المتحدة تعتزم تقديم دعم مالي طويل الأجل للتنمية الاقتصادية في أوكرانيا، رغم عدم تحديد رقم محدد.
رد ترامب المتوقع؟
بحسب «نيويورك تايمز»، فإن تصريحات زيلينسكي، قد تؤدي إلى إثارة غضب ترامب، الذي يضغط من أجل التوصل إلى صفقة بشأن المعادن واتفاقية سلام بشروط يريد إملاءها.
وكثف ترامب الضغوط على أوكرانيا لحملها على التوقيع على صفقة المعادن، التي كانت الآن قيد التفاوض لأكثر من عشرة أيام، قائلا: «إما أن نوقع على اتفاق أو ستكون هناك الكثير من المشاكل معهم».
ويوم السبت، قال ترامب إن الطرفين اقتربا من التوصل إلى اتفاق. مضيفا: «نحن نطلب العناصر الأرضية النادرة والنفط - أي شيء يمكننا الحصول عليه.. من الأفضل أن نكون قريبين من التوصل إلى اتفاق».
وأكد مسؤول أمريكي مشارك في المفاوضات إمكانية التوصل إلى اتفاق في وقت قريب، مضيفًا: «يواصل الجانبان الانخراط بشكل بناء في العملية. ويركز كبار المسؤولين في الجانبين على إنجاز ذلك».
ولا ترتبط الصفقة المعدنية بشكل مباشر بالمفاوضات لإنهاء الحرب، لكنها أدت إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وسط محاولات ترامب التواصل مع روسيا بشأن المفاوضات لإنهاء الصراع.
وبحسب «أكسيوس»، فإن الموقف الأمريكي يمارس أيضًا ضغوطًا دبلوماسية على أوكرانيا وحلفائها الغربيين في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية الأخرى.
هل من حلول للفرار من كماشة ترامب؟
يحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حشد الدعم الأوروبي، للرد على مطالب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالحصول على مليارات الدولارات من الموارد الطبيعية الأوكرانية وعقد محادثات سلام تستبعد أوكرانيا، عبر عقد قمة كبرى للزعماء الأوروبيين يوم الإثنين في كييف.
وقال الزعيم الأوكراني إن أكثر من 30 دولة ستشارك في اجتماعات يوم الإثنين، إما شخصيًا في كييف أو افتراضيًا، كنوع من التحالف لدعم المجهود الحربي لأوكرانيا. وأضاف أن الاجتماع سيركز على المساعدات العسكرية والضمانات الأمنية لفرض أي وقف محتمل لإطلاق النار.
إلا أن الحلفاء الأوروبيين نصحوا زيلينسكي بتخفيف حدة مواجهته مع الرئيس الأمريكي، وهو ما لم يستجب له الرئيس الأوكراني الذي كرر تأكيده على أن ترمب يعيش في فقاعة من التضليل.
وأشار زيلينسكي إلى أن ترامب اختار الخصم الخطأ عندما هاجم أوكرانيا، ملوحًا في الوقت نفسه بأنه مستعد للتنحي إذا كان ذلك يعني السلام في أوكرانيا. وجاءت تصريحاته بعد أيام من تشكيك ترامب في شرعيته ووصفه بأنه «ديكتاتور بلا انتخابات».
ولم يتضح على الفور ما إذا كان زيلينسكي يفكر بجدية في خيار التنحي أم أنه كان يستجيب فقط للطعنات الأخيرة من واشنطن وموسكو. وأضاف أنه سيستبدل رحيله بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
زيلينسكي أضاف أنه لن يقبل أي اتفاق يتم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة وروسيا دون مشاركة أوكرانيا، مضيفًا: هذه هي الطريقة التي نرى بها طاولة المفاوضات: أوكرانيا كجزء من أوروبا، وأوروبا، والولايات المتحدة، وروسيا. هذا هو تصورنا تقريبًا.