بالهدنة مع الصين.. أمريكا تجنبت للتو الانزلاق للركود

قال تحليل نشرته صحيفة تليغراف إن اقتصادات العالم تبدو وكأنها تتراجع عن شفا حرب تجارية شاملة كانت تهدد بإشعال ركود اقتصادي عالمي.
وأعلنت الولايات المتحدة والصين أمس الإثنين عن وقف مؤقت لمدة 90 يومًا للرسوم الجمركية "المتبادلة" أثناء استمرار المفاوضات، مما أثار ارتياحًا جماعيًا بين المستثمرين والشركات بعد أن تم رفع الحظر الفعلي على التجارة.
وارتفعت مؤشرات وول ستريت الرئيسية بقوة أمس الإثنين إذ سجل المؤشر ستاندرد آند بورز 500 أعلى مستوياته منذ أوائل مارس/ آذار وسط آمال في تخفيف حدة الحرب التجارية العالمية بعد اتفاق واشنطن وبكين على خفض الرسوم الجمركية مؤقتا. ويُعد هذا التوقف المؤقت أيضًا أمرًا جيدًا للنمو الاقتصادي.
وقال جون برافين المدير الإداري لشركة باليو ليون في برينستون بولاية نيوجيرسي "يمثل هذا الارتفاع ارتياحا نظرا للقلق والتوتر الشديدين حيال الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين"، مضيفا أن أكبر اقتصادين في العالم يعملان فيما يبدو على تجنب أسوأ سيناريوهات الرسوم الجمركية.
وتجاوزت الأسهم الأمريكية خسائر فادحة وتقلبات غير معتادة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على العديد من شركاء الولايات المتحدة التجاريين في الثاني من أبريل/ نيسان.
وأمس الإثنين، سجل كل من المؤشر ستاندرد آند بورز 500 وناسداك أكبر ارتفاع يومي لهما منذ التاسع من أبريل/ نيسان وتجاوز المؤشر ستاندرد آند بورز متوسطه المتحرك لمئتي يوم لأول مرة منذ أواخر مارس/آذار.
وارتفع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 184.70 نقطة أي 3.26 بالمئة، ليغلق عند 5844.61 نقطة، بينما صعد المؤشر ناسداك المجمع 780.06 نقطة أي 4.35 بالمئة، ليصل إلى 18708.61 نقطة. وكسب المؤشر داو جونز الصناعي 1166.43 نقطة أي 2.83 بالمئة، ليصل إلى 42415.81 نقطة.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر الشهر الماضي من أن حربًا تجارية عدوانية بين الولايات المتحدة والصين ستكون أسوأ للاقتصاد العالمي من إعادة فرض أمريكا لرسوم جمركية تصل إلى 50% على بقية العالم، كما أعلن ترامب في "يوم التحرير" في 2 أبريل/نيسان.
انكماش الاقتصاد الأمريكي
وشهد الاقتصاد الأمريكي انكماشًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بعد تراجع الإنفاق الحكومي وارتفاع حاد في الواردات، نتيجة سعي الشركات لتأمين البضائع قبل تطبيق رسوم ترامب الجمركية.
كانت المخاوف شديدة لدرجة أن اقتصاديي وول ستريت بدأوا في التحذير من أن الركود في الولايات المتحدة بات مرجحًا أكثر من عدمه، مع عدم قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة لدعم الوظائف بسبب مخاطر ارتفاع الأسعار.
وجاء هذا الاختراق التجاري بعد محادثات جرت في سويسرا على مدى اليومين الماضيين، حيث صرّح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت بأن لا واشنطن ولا بكين ترغبان في حدوث "فك ارتباط" في العلاقات.
واتفق الجانبان على أن الولايات المتحدة ستخفض رسومها الجمركية البالغة 145% على الصين إلى 30%، بينما ستخفض الصين رسومها البالغة 125% على الواردات الأمريكية إلى 10%.
تراجع ظاهري في العداء
من جهته، وصف مارك ويليامز من شركة "كابيتال إيكونوميكس" هذا الاتفاق بأنه يمثل "تراجعًا كبيرًا آخر عن الموقف العدواني لإدارة ترامب"، إذ إن الاتفاق لا يتطرق إلى أي من الشكاوى الرئيسية لواشنطن.
وأضاف إن "الاتفاق لا يتضمن أي التزامات من الصين بشأن سياسة سعر الصرف أو العجز التجاري الثنائي، رغم أن هذه المواضيع يُفترض أن تكون محل نقاش خلال الأشهر الثلاثة المقبلة."
ويقول ويليامز: "إن التوترات الأساسية التي وضعت الولايات المتحدة والصين على مسار تصادمي لم تختفِ." كما ألمحت إدارة ترامب إلى أن إبعاد العالم عن الاعتماد على الصين في التجارة لا يزال أولوية.
ويضيف "في الواقع، فإن إدراج بنود في اتفاق التجارة الأمريكي البريطاني الأسبوع الماضي يبدو أنه مصمم لإجبار المملكة المتحدة على استبعاد الصين من سلاسل توريد السلع الاستراتيجية، ويؤكد أن واشنطن، رغم سعيها لتقليص الرسوم الجمركية مع الصين، تسعى في الوقت نفسه إلى حشد دول أخرى لفرض قيود خاصة بها على الصين." واعتبر ويليامز أن بكين "لن تقدم تنازلات حقيقية طالما بقي هذا هو الحال."
ومع ذلك، قال ان هذه الخطوة ستجنب الاقتصاد الأمريكي الانزلاق للركود. فانخفاض حالة عدم اليقين سيساعد على دعم النمو، بينما سيساعد ارتفاع الدولار في كبح التضخم.
وقال محللون في بنك باركليز إن المحادثات المستمرة مع الصين، إلى جانب اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الأسبوع الماضي، والتي تُظهر أن العالم قد "تجاوز نقطة الألم القصوى من الرسوم الجمركية."
وكانت أول حرب تجارية خاضها ترامب مع الصين انتهت في عام 2020 باتفاق التزمت فيه بكين بشراء صادرات أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال عامين. ووصف ترامب هذا الاتفاق بأنه "تاريخي." لكن في النهاية، اشترت الصين أقل من 60% مما وعدت به، وهو ما لم يكن كافيًا لتجاوز مستويات الاستيراد التي سبقت الحرب التجارية.
وبالطبع، طغت الجائحة العالمية وتغير الإدارة الأمريكية على هذا الاتفاق، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت بكين ستُجبر مجددًا على شراء المزيد من السلع الأمريكية في المستقبل. وحتى الآن، كانت بكين مشغولة بشراء فول الصويا والذرة وزيت النبات من البرازيل والأرجنتين.
ويقول جيم ريد من دويتشه بنك أن "عدة بيانات اقتصادية تستمر في الإشارة إلى أن الركود الأمريكي غير مرجح"، وهو ما سيعزز الأسواق المالية أكثر. فعلى سبيل المثال، يشير إلى أن استطلاعًا مراقبًا عن كثب لقطاع الخدمات الأمريكي يُظهر أن القطاع لا يزال قويًا، بينما تراجعت طلبات إعانة البطالة الأولية الأسبوعية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNDgg
جزيرة ام اند امز