ترامب القائد الأعلى للسياسة الخارجية.. مبادرات في الميزان
تُظهر تسريبات خطة الرئيس دونالد ترامب التي تضمنت 28 بندا للسلام في أوكرانيا، مدى اعتماده على رؤيته الشخصية في السياسة الخارجية.
وكشفت هذه الوثائق، بحسب مجلة "فورين بوليسي"، عن مقاربة ترامب غير التقليدية، التي تركز على حدسه الشخصي وميوله الفردية بدلًا من استراتيجيات الدبلوماسية المتدرجة والمتوازنة، ما يثير تساؤلات عميقة حول قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على نفوذها ومصداقيتها الدولية في ولايته الثانية.
وتضمنت خطة ترامب بنودًا مثيرة للجدل، من بينها إجبار أوكرانيا على التنازل عن أراضٍ استراتيجية في شرق البلاد لم تستطع روسيا احتلالها رغم الخسائر الفادحة في الأرواح، إضافة إلى تقليص حجم القوات المسلحة الأوكرانية بشكل كبير ومنعها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" بشكل دائم.
كما تضمنت إعادة مليارات الدولارات من الأصول المصادرة من روسيا، ما يسمح لموسكو بإعادة تسليح نفسها بسرعة، وفق المجلة الأمريكية.
وقد أدى هذا المزيج من البنود إلى اعتقاد واسع بمدى "كارثة" الخطة لأوكرانيا، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضًا على مستوى الاستقلال السياسي والقدرة على الدفاع عن نفسها في المستقبل، على حد قول فورين بوليسي.
ولكن الأبعاد الأوسع لهذه الخطة تتجاوز أوكرانيا وحدها، لتسلط الضوء على هشاشة مكانة الولايات المتحدة لدى حلفائها الأوروبيين، إذ أدهشت المقترحات القارة الأوروبية، التي لم يتم استشارتها أو أخذ مخاوفها بعين الاعتبار، ما أدى إلى تعميق الفجوة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين.
وبعد عقود من الاعتماد المتبادل الوثيق، أصبح عدم الثقة سمة رئيسية للعلاقات عبر الأطلسي، وسيكون من الصعب استعادة الثقة المتبادلة بغض النظر عن تطورات الأزمة الأوكرانية.
على صعيد العمليات الداخلية لإدارة ترامب، يلاحظ أن الإدارة تتسم بالارتجالية والاعتماد المفرط على حدس الرئيس، إذ يقول منتقدون إن الرئيس "دمّر ترامب إلى حد كبير الهيكل الدبلوماسي التقليدي من خلال قرارات مثل تعيين ماركو روبيو وزيرًا للخارجية ومستشارًا للأمن القومي في الوقت نفسه، ما أدى إلى تداخل الأدوار التي يفترض أن تضمن إدارة دبلوماسية متكاملة وتنسيق المعلومات الاستخباراتية والدفاعية".
ويظهر هذا النمط في قرارات الإدارة الخارجية، التي غالبًا "ما تفتقر إلى التنسيق بين الوكالات، ما يؤدي إلى أخطاء فادحة ويترك انطباعًا بالارتجالية وقلة الاحترافية، كما تجلى من عدم التشاور مع جيران أوكرانيا قبل الإعلان عن خطة السلام".
وعلى الرغم من هيمنة النهج الشخصي على السياسة الخارجية لإدارة ترامب، يبدو الرئيس ترامب مرتاحًا في دوره كـ"قائد الأعلى للسياسة الخارجية"، حيث يعتمد على فهمه الشخصي للقضايا والمصالح، حتى عندما يكون هذا الفهم "مبسطًا أو خاطئًا"، وفق فورين بوليسي.
ويثق ترامب بحدسه كمصدر أساسي للتوجيه السياسي، ما يجعل قراراته متقلبة وتعتمد على حساباته الشخصية أكثر من الاستشارات المتخصصة أو الخبرة الدبلوماسية.
وقد ساهم هذا النهج المركزي والعفوي في صعود المبعوثين الخاصين والمستشارين غير التقليديين في دائرة السياسة الخارجية، وأبرز مثال على ذلك ستيف ويتكوف، وهو ملياردير تطوير عقاري بلا خبرة سياسية، الذي وكلّه ترامب كمفاوض رئيسي في النزاع الروسي-الأوكراني.
وقالت المجلة عن ويتكوف: "أظهرت مشاركته غير المؤهلة، سواء في محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو في قمة ألاسكا، مدى عدم كفاءته لهذه المهمة، ما أثار انتقادات واسعة وأظهر مخاطر الاعتماد على المستشارين غير المؤهلين".
ولا تقتصر المخاطر على قلة الخبرة، فقد كشف الأسبوع الماضي عن أن ويتكوف قدم نصائح لروس قريبين من بوتين حول كيفية استخدام الإطراء للتأثير على ترامب لتبني المواقف الروسية، بما في ذلك التخلي عن فكرة تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك ودمج المطالب الإقليمية الروسية في استراتيجية واشنطن لإنهاء الحرب.
وقد أثارت هذه التطورات مخاوف من أن السياسة الخارجية الأمريكية، التي يُفترض أن تكون موجهة بالمصالح الوطنية، قد تتأثر بالمصالح الشخصية والعلاقات الخاصة.
وفي النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة، كشفت أيضًا ميل ترامب لفرض مبادئ القوة المباشرة، مستندًا إلى قاعدة بسيطة مستوحاة من مقولة ثوسيديدس: "القوي يفعل ما يستطيع، والضعيف يتحمل ما يجب." فقد تم نقل هذا النهج إلى الحرب الروسية-الأوكرانية، متجاهلًا مصالح أوروبا وقيود القيادة الأوكرانية، وهو نهج يفتقر إلى الاعتبارات الدبلوماسية الضرورية لتحقيق حل مستدام.
ووفق "فورين بوليسي"، إذا تحقق سيناريو السلام وفق خطة ترامب، فإن الإدارة ستلحق أضرارًا جسيمة بالدبلوماسية الأمريكية من خلال التخلي عن مبدأ عدم تغيير الحدود الدولية بالقوة، وتجاهل الحلفاء الأساسيين، ما قد يؤدي إلى تدهور كبير في مكانة واشنطن على الساحة العالمية.