"التوك توك" يغزو لبنان.. استثمار في الزحام
اقتحم التوك توك شوارع لبنان، سالكا طريق الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، ويراه البعض وسيلة استثمار "رخيصة" في بلد بلا عمل ولا فرص.
منذ زمن ليس ببعيد كان مشهد هذه الآلية ينحصر بالصور والمشاهد عبر الإنترنت والتلفاز، ولم يكن أحد يتوقع أن يراها في الشوارع اللبنانية، ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار الليرة أمام الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى شح الوقود من الأسواق فقد دخلت هذه العربة إلى البلاد كوسيلة نقل مستحدثة منخفضة التكلفة، مقارنة بوسائل النقل التقليدية.
فسعر " التوك توك" يتراوح بين 2400 دولار بجاج "RI4S"، و3500 دولار "ماكسيما باترول" ويمكن بـ3 دولارات فقط بحسب سعر الصرف في السوق الموازية ملء خزانها بالوقود.
وعمليا، يتيح صغر حجم التوك توك لسائقيها الدخول إلى أحياء لا يمكن للسيارات دخولها، كما أن أسعارها كوسيلة للنقل العام تجلب زبائن أنهكتهم الأوضاع الاقتصادية.
يشرح مدير المبيعات في إحدى الشركات المستوردة لهذه العربة (ANB أبو خاطر) نقولا دهني أن عام 2020 شهد زيادة بنسبة 100% بالنسبة لبيع التوك توك، وتم فتح فروع جديدة في محافظة البقاع وفي محافظة الشمال لبيعها بسبب كثرة الطلب عليها.
ويوضح لـ"العين الإخبارية": "تصل هذه الآلية مفككة ويتم تجميعها وتركيب هيكلها الخارجي لها في لبنان"، مشيراً إلى أن الشركة تؤمن قطع الغيار والصيانة بأسعار مقبولة كون القطع هندية الصنع كما أنها متوافرة بكثرة".
ويكشف أنه في الوقت الحاضر تتركز المبيعات بالدرجة الأولى في منطقة البقاع، تليها في منطقة الشمال، لافتاً إلى أن المبيعات بدأت تتحرك في بيروت لكنها لا تزال بطيئة بالنسبة للمحافظات الأخرى.
وخلال جولة في البقاع حيث زحام التوك توك، لوحظ أن اقتناء هذه الآلية لم يقتصر على الاستعمال الشخصي أو دراجة نارية إنما أضحت وسيلة عمل وباب رزق بالنسبة للكثيرين، وهذا ما كشقه بلال هاجر وهو شاب من بلدة بقاعية لـ"العين الإخبارية"، وقال إنه اشترى عربة توك توك، بهدف العمل عليها كسيارة أجرة، ينقل فيها الأفراد والطلاب داخل القرى بأسعار زهيدة.
وأشار إلى أن هذه الوسيلة "أوفر من التاكسي أو الحافلة، وأكثر أمانًا للطلاب"، وعمله يشهد رواجًا في الآونة الأخيرة بسبب زهد التكلفة المترتبة على المستخدمين.
وكشف أنها تؤمن له دخلا بين 50 ألف ليرة و70 ألف ليرة يومياً، وهذا الرقم مقبولاً لإعالة عائلته، مشيراً إلى أن تكلفتها بين بنزين وزيوت لا تتجاوز الـ10 آلاف ليرة يومياً فهي تسير حوالي 750 كيلومتر بـ20 لترا من البنزين.
ويضيف: أصبحت "التكاتك" رائجة في القرى، لتعدد استعمالاتها من النقل إلى توصيل البضائع بكلفة قليلة، كما أنها أصبحت باباً للاستثمار عبر تأجيرها والتعاقد مع مؤسسات عديدة لنقل موظفيها وبضائعها وتوصيلهم".
أزمة قانونية
قانونياً تسجل آلية التوك التوك في مصلحة تسجيل السيارات كدراجة نارية، فلا قوانين ترعى عملها على الأراضي اللبنانية بسبب ندرتها، وحالياً يتم التعامل معها كدراجة، وبالتالي لا يحق لها أن تستعمل في نقل الركاب، كما بالنقل بشكل عام، وطبعاً العمل عليها بهذه المجالات يعتبر غير قانوني، وهو ما أدى إلى اعتراض أصحاب الحافلات وسيارة الأجرة الذين رأوا فيها منافسة غير شريفة، وتقدموا بشكوى قانونية لدى وزارة الداخلية، مؤكدين أن انتشارها بهذا الشكل ساهم بقطع أرزاقهم، خصوصاً انه في لبنان إعطاء إجازة سيارة عمومية هو مرتفع الثمن ويتجاوز الـ25 مليون ليرة، بينما تسجيل التوك توك في مصلحة السير يكلف 600 ألف ليرة.
ومع ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات، لأنّها مستوردة بالدولار، ومع الاتجاه لرفع الدعم عن المحروقات، حيث من المتوقع أن يصل سعر "صفيحة" البنزين إلى أكثر من 150 ألف ليرة، فإنّ "الحفاظ" على السيارات سيكون صعباً،. ولذا قد يكون الـ"توك توك"، الذي يتّسع لثلاثة ركّاب أو أربعة، هو البديل في السنوات المقبلة.
التغيير قد لا يكون سهلاً على اللبناني الذي اعتاد الـ"PRESTIGE"، لكن أنماط الحياة التي اعتادها لم تعد مجدية، ولا بد أن تتغير لتواكب مرحلة الانحدار الاقتصادي السريع، الذي قد تعجز حتى مكابح التوك التوك عن فرملته.
ويعاني لبنان منذ أكثر من سنة ونصف من أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، تترافق مع شلل سياسي تام يعيق تشكيل حكومة ويحدّ من قدرة السلطة على تقديم حد أدنى من الخدمات للمواطنين بعدما بات الحد الأدنى للأجور يقارب الـ50 دولارا أمريكيا.
والنزيف مرشح للاستمرار. فمن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي بالدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، وهو ما جعل الحكومة تعمل على خطة لرفع الدعم مقابل منح بطاقات تمويلية للعائلات الفقيرة.
aXA6IDMuMjM2LjExMi4xMDEg جزيرة ام اند امز