تونس وإرث الإخوان.. تنقية الدولاب الحكومي من "بصمة الإرهاب"
خطوات متسارعة تتخذها تونس لتطهير الدولاب الحكومي من عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، التي اخترقته الجماعة خلال عشرية الحكم الأخيرة، التي كانوا يديرون فيها السلطة.
وتتجه تونس لإصدار أمر رئاسي يتعلق بمراجعة التعيينات في المؤسسات الحكومية التونسية، في خطوة جديدة للإصلاح وتطهير الدولة من أدران الإخوان الإرهابية.
وأمس الخميس، أكد الرئيس التونسي، قيس سعيد، أن الدولة ستعمل على تطهير الإدارة الحكومية "من كل من اندس داخلها وصار يمثّل عقبة لا يمكن قبول استمرارها في منظومة قضاء حاجات المواطنين".
ومنذ عام 2011، عاثت حركة النهضة الإخوانية فسادا في البلاد، وانقضت بأنيابها تنهش الدولة لتقسم أجزاءها بين أنصارها، وفق ما لاحظ مراقبون للشأن السياسي التونسي.
ولتحقيق ذلك الهدف، عمدت الحركة إلى إصدار تعليماتها بإخراج عناصرها المتورطين في قضايا إرهابية من السجون وتقديم تعويضات طائلة لهم، ما أثر على استقرار موازنة الدولة التونسية.
وفي خطوة لاحقة، جرى تعيين هؤلاء الأشخاص في مناصب مهمة في الدولة، ومن لم تكن لديه شهادات علمية، تزور الحركة له واحدة وتضمن له الوظيفة.
ومكّن مرسوم عرف بـ"العفو التشريعي العام" في 19 فبراير/شباط 2011، الحركة من انتداب نحو 7 آلاف موظف أغلبهم من الإخوان وأنصارها، في المؤسسات الحكومية.
ومنذ صدور المرسوم، استثمر الإخوان، بمن فيهم من شارك في عملية إرهابية عام 2007، "العفو التشريعي العام" ومبدأَي العودة إلى العمل أو الانتداب المباشر في الوظيفة الحكومية.
وبناء على هذه القوانين والمبادئ، منح الإخوان أعضاء التنظيم وأنصاره تعويضات مالية كبيرة، واستحدثوا صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة، منتهكين بذلك الإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام".
عطاء من لا يملك لمن لا يستحق
وجرى تمكين الإخوان في المؤسسات العامة، عبر تعيين فردين أو ثلاثة أو أكثر، إلى حدّ 11 فرداً من عائلة واحدة موالية للجماعة، بدلاً من توزيع هذه الوظائف على الأسر الفقيرة للمساهمة في تحسين أوضاعها.
وفي تصريحات سابقة، أكد وزير الوظيفة العمومية التونسي الأسبق، عبيد البريكي، أن قيمة التعويضات للمشمولين بالعفو التشريعي العام، بلغت نحو 143 مليون دينار (نحو 50 مليون دولار). كما أشار إلى أن الانتدابات بالوظائف الحكومية بعد 2011، ذهب جلها لأعضاء أو أنصار حركة النهضة.
وفي ظل أزمة اقتصادية متعددة الأوجه، تواجه تونس تضخماً في كتلة أجور الموظفين بالقطاع العام، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى مطالبة السلطات التونسية بإعادة النظر في وضع الدولاب الحكومي، قبل المصادقة على صرف قرض جديد بقيمة 1.9 مليار دولار.
أي آلية لتظهير المرافق الحكومية؟
وإثر هذه التعقيدات، يتساءل مراقبون للمشهد السياسي التونسي، عن الآليات والمعايير التي سيتم اعتمادها لتطهير الإدارات الحكومية من عناصر الإخوان الإرهابية.
وسبق أن أعلن نصر الدين النصيبي، المتحدث السابق باسم الحكومة، أن "مختلف الوزارات انطلقت في عملية جرد للشهادات العلمية لمنتسبيها بغرض التثبت من صحتها".
وأضاف -في تصريحات إعلامية- أن "كل ملف يتعلق بشهادة مزورة سيحال إلى القضاء"، مؤكدا أنه جرى اعتماد الختم الإلكتروني المرئي لجميع الشهادات العلمية منعاً لتجاوزات مستقبليه.
وفي وقت سابق، أحالت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية أكثر من 200 ملف إلى القطب القضائي المالي، بخصوص تزوير شهادات علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.
أمر رئاسي
لكن عملية تطهير الإدارة الحكومية بالكامل من الإخوان الإرهابية تقتضي توفر أمر رئاسي تسند إليه عمليه الجرد، وفق مراقبين.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر لـ"العين الإخبارية"، إن تونس تتجه لإصدار أمر رئاسي ينص على إبعاد الشخصيات التي تم تعيينها من طرف حركة النهضة منذ عام 2011، التي تعمل على تعطيل عمل الدولة لمصالح حزبية.
وتابعت ذات المصادر -التي فضلت عدم الكشف عن هويتها-، أن الأمر يقضي أيضا بالتثبت من الشهادات العلمية المزورة والعودة للسجل الأمني لكل موظف، لأنه من غير المعقول أن يتم تعيين موظف لديه شبهات إرهابية أو يؤمن بالفكر الإرهابي.
وأكدت المصادر أن التثبت من الشهادات العلمية أمر سهل، لأنه يقتضي التواصل مع وزارة التعليم العالي، أما بالنسبة للسجل الأمني فيقتضي التواصل مع وزارتي الداخلية والعدل.
وأوضحت أنه سيتم طرد الأشخاص الذين تم تعيينهم استنادا للولاءات والذين يعملون ضد مصلحة البلاد. كما ستتم محاكمة كل الأشخاص الذين تم تعيينهم بشهادات مزورة أو المتبنين للفكر المتطرف.
مطلب شعبي
من جانب آخر، قال رئيس المكتب السياسي لمسار "25 يوليو"، عبدالرزاق الخلولي، إن تطهير الإدارة هو مطلب شعبي، ويهدف لتطهير الوظائف الحكومية ممن تسللوا إليها بسبب الانتماءات السياسية خلال العشرية الماضية.
وعبر الخلولي -في حديثه لـ"العين الإخبارية"- عن "مساندته لحملة الرئيس قيس سعيد، لتطهير الإدارات والمؤسسات الحكومية ممن يقفون عثرة أمام الإصلاح ودفع التنمية في البلاد".
وأضاف الخلولي أن حركتي النهضة ونداء تونس (حزب الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي) "هما وجهان لعملة واحدة، حيث عمل كل منهما على إغراق الإدارة وضرب المؤسسات وهدمها"، وفق تعبيره.
وأكد على ضرورة مراجعة الشهادات العلمية في الإدارات من خلال تشكيل لجان في الوزارات تتكون من خبراء من أجل تنقية الوظائف الحكومية.
من جهة أخرى، كشف عبدالمجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي، عن وجود جهات تعمل على تعطيل مشروعات الدولة وتقف عقبة أمام الإصلاح وتشتغل لفائدة حركة النهضة.
وأكد -في حديث لـ"العين الإخبارية"-، أن المحسوبين على المنظومة السابقة يعملون على تكبيل عمل الدولة خدمة لمن عينهم في تلك المناصب.
وتابع أن حركة النهضة سارعت بمجرد تسلمها مقاليد السلطة في تونس، إلى تعيين عدد كبير من عناصرها وأنصارها في مختلف الإدارات والمؤسسات خاصة وزارة الداخلية.
ورأى أن "مخطط النهضة التي تؤمن بثقافة الدم والموت، كان تدمير الدولة انتقاما لسنوات المنفى والسجون التي عاشها عناصرها في الماضي، وتنفيذا لأوامر تنظيم الإخوان المسلمين".
وتغلغل إخوان تونس في وزارات عدة على رأسها الداخلية، وسبق أن أعلنت النيابة التونسية في 2019، فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا أمنيا سريا موازيا للدولة، يتهم بضلوعه في اغتيالات سياسية.
واعترف وزير الداخلية التونسي الأسبق لطفي بن جدو، بأن حركة النهضة الإخوانية "تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في البلاد، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4 آلاف مكالمة في الوقت ذاته، وعادة ما تنقل على متن سيارات مغلقة".
aXA6IDMuMTM1LjIxNC4xNzUg جزيرة ام اند امز