لقد كانت تجربة حكم الإخوان خلال سنوات "العشرية السوداء" قاسية على تونس الخضراء، وتركت إرثًا اقتصاديًا تراجع به النمو إلى 1.6% في 2023.
ما أعطى اللقاء الأخير بين الرئيس التونسي قيس سعيد ومعالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان وزير دولة أهمية بالغة، وإشارة إماراتية واضحة لدعم تونس في موقفها الصعب.
العلاقة بين أبوظبي وقرطاج متنامية، وتؤكده اللقاءات المستمرة بين مسؤولي البلدين، كان آخرها لقاء رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بوزير الخارجية التونسي نبيل عمار، ما يعكس توافقا في الرؤى حول محاربة الإرهاب والتطرف، وخلق بيئة عربية آمنة ومستقرة، ومستعدة لتحقيق مشاريع التنمية والازدهار، كما تتفق سياسة البلدين على أهمية تنوع العلاقات الدولية، وهو ما يحسب للرئيس قيس سعيد الذي أخرج تونس من دائرة التحالفات الضيقة، والتي تسببت في توتر علاقاتها مع الدول العربية المحورية.
سيلعب الثقل الإماراتي بعلاقاته الفاعلة مع مختلف التكتلات والمؤسسات المالية، دورًا مؤثرًا في تسهيل تفاهمات مع صندوق النقد الدولي، تراعي وضعية تونس بمدد كافية، وعلى الصعيد الداخلي ستفتح أبواب الشراكة الاقتصادية الشاملة، وإحياء المشاريع الاستثمارية في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية وغيرها، فالأسباب التي أدت إلى ابتعاد المستثمرين خلال سنوات الفوضى الإخوانية، تراجعت بشكل كبير، بعد تحجيم حركة النهضة التي ضيعت على تونس سنوات من الاستثمارات بسبب خطابها العدائي.
طريق تونس الإصلاحي مستمر ويتمدد، بمطالبات برلمانية تطالب بتصنيف حركة النهضة منظمة إرهابية، فالقضاء على بؤر الإرهاب سيمهد طريق البناء والتنمية، وبعد دخول الحركة الإخوانية نطاق المحاسبة، وإحالة غالبية قيادات التنظيم إلى المحاكمة والسجون بتهم مرتبطة بتلقي أموال من جهات خارجية، والاغتيالات السياسية وقضايا الفساد، بما فيها إدانة زعيم التنظيم الإرهابي راشد الغنوشي، لم يتبق من الحركة إلا واجهة ضعيفة.
تمر تونس بأزمة اقتصادية صعبة مع تعثر مفاوضات الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد، فخزينة الدولة تحتاج إلى نحو ملياري دولار لتسديد ديون مستحقة واستيراد الحبوب، ولاشك عندما نضع المواد الأساسية الأخرى مثل الغذاء والأدوية والطاقة وغيرها، ستصل الفجوة إلى خمسة مليارات دولار في موازنة 2023، حاولت الحكومة سدها من خلال تمويلات صندوق النقد والبنك الدولي، ما جعل الرئيس قيس سعيد يقيل حكومة نجلاء بودن، ويعين الاقتصادي أحمد الحشاني سعيًا لتحسين الظروف الاقتصادية.
وهو ما يفسر التوجه التونسي نحو الانضمام لمجموعة بريكس، كبديل اقتصادي ومالي مناسب، يدفع بعجلة التنمية، ما قد يتيح لتونس الاستفادة من قروض البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد، وفي نفس الوقت التعاون مع صندوق النقد.
ولكن هل تستطيع تونس الاستفادة من بريكس التي تعتمد على الاقتصادات النامية، ومديونية تونس تصل الى 80% من ناتجها الإجمالي؟ وهل تقبل عضويتها في بريكس برغم وضعها الاقتصادي الصعب؟ هي تساؤلات سنعرف إجابتها في قمم بريكس المقبلة، والتي ستعطي أجوبة واضحة حول طلبات الدول الرسمية للانضمام للتكتل الشرقي.
تدرك الإمارات العبء الكبير الذي تمر به تونس منذ سنوات، بعد سقوط المشروع الإخواني الذي تسبب في فتور العلاقة بين البلدين، ولهذا باتت الفرصة مواتية للبناء على تنامي العلاقات الحالية، منذ تولي الرئيس قيس سعيد السلطة، وفي الوفد الإماراتي الذي زار قرطاج مؤخرا، دلالة كبيرة على استعداد إماراتي لحلحلة التحديات التي تواجه تونس، ودعمها في جميع الميادين، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان يملك خبرة كبيرة في إدارة الملفات الحساسة، بحكم خبرته حين كان سفيرًا، ثم انتقاله لملفات أكثر شمولية، مثل الملف الأفريقي.
لقد وقفت دولة الإمارات بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في وجه مخططات الإرهاب والتطرف التي جاءت بغطاء الإسلام السياسي، وتونس إحدى تلك الدول التي نالها مد المخططات المشبوهة، فدفعت الثمن باهظًا، حتى أزاحت حركة النهضة الإخوانية، ومن الطبيعي ألا تتردد الإمارات في تقديم العون للشعب التونسي، والمستقبل القريب سيجلب الخير والرخاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة