موازنة تونس 2025 ولعبة التوازنات الكبرى.. تجميد رواتب ورفع الدعم
حمل مشروع الموازنة الجديدة في تونس لعام 2025 عنوان "التعويل على القدرات الذاتية" كذلك التركيز على البعد الاجتماعي للتونسيين.
وتخطط الحكومة التونسية من خلال موازنة العام المقبل، إلى استعادة نسق النمو التدرجي من خلال تحفيز قطاع الإنتاج والتحكم التدرجي في التوازنات المالية العمومية وذلك من خلال تعزيز استخلاص موارد الدولة من ناحية والتحكم في النفقات الجارية، خصوصاً كتلة الأجور وترشيد نفقات الدعم.
ومن المنتظر أن تبلغ موازنة تونس في عام 2025 نحو 79.8 مليار دينار ما يعادل25.7 مليار دولار مقابل 77.8 مليار دينار (25 مليار دولار) في العام الحالي، إذ ستتوزع على المداخيل (الإيرادات) للعام المقبل بـ51.7 مليار دينار (16.6 مليار دولار) منها مداخيل ضريبية بقيمة 47.3 مليار دينار (15.2 مليار دولار) وموارد الخزانة بـ28.1 مليار دينار (9 مليارات دولار).
ويشمل مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة، الصادر هذا الأسبوع عن وزارة المالية التونسية، تقديم مشاريع ميزانيات المهمات باعتماد الاهداف المضمنة بالمخطط التنموي 2025-2023 والاستراتيجيات الوطنية وتوزيعها حسب البرامج مع إعطاء الاولوية للقرارات الرئاسية والاجراءات الحكومية المعلن عنها.
ويتبنى مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة التوجهات التي تضمنها المشروع بالاساس، على مواصلة العمل على التحكم في كتلة الأجور والنزول بها إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تتضمن اعتماد سياسة التعويل على الذات للحفاظ على توازنات المالية العمومية عبر تحسين الموارد الذاتية للدولة بدعم مجهود الاستخلاص والتصدي للتهرب الضريبي وتطوير آليات عمل ّإدارة الجباية والاستخلاص والديوانة ورقمنتها .
ويرى خبراء الاقتصاد في تونس أن مشروع موازنة تونس لسنة 2025 شبيه لموازنة 2024 وسيواصل في نفس المنهج وهو التعويل على الذات وتأكيد التوجه الاجتماعي للدولة.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، بسام النيفر، إنه حسب الخطوط العريضة لمشروع الموازنة الجديد فإنها تقريبا لم تتغير عن الميزانية السابقة حيث ترتكز على ترشيد النفقات والتحكم في كتل الأجور.
وأفاد لـ"العين الإخبارية" بأن مشروع الموازنة، ينص على المحافظة على التوازنات المالية الكبرى، ودفع التنمية خاصة عن طريق القطاعات التي تتميز بقيمة مضافة عالية، والعمل على دعم العدالة الجبائية، ومواصلة إصلاح الوظيفة الحكومية.
وأكد أنه سيقع ،وفق هذا المشروع، احترام برنامج الزيادات العامة في الأجور المبرمجة منذ سبتمبر 2022، في المقابل لن تتم مناقشة أي زيادات في المنح، مع مواصلة إيقاف الانتدابات بإستثناء القطاعات ذات الأولوية على غرار الأمن والجيش والصحة والتعليم، وفي حالة الشغورات، نظرا لتزايد عدد طلبات التقاعد المُبكر.
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد التونسي علي الصنهاجي إن موازنة تونس للعام المقبل ترتكز على التحكم في المصاريف والضغط على الانتدابات ونفقات التأجير من خلال عدم إحداث منح جديدة، باستثناء التزام الحكومة تطبيق مقتضيات اتفاق مع اتحاد الشغل بتنفيذ زيادة الأجور الذي ينتهي العام المقبل.
وأكد للعين الإخبارية أن هذه الموازنة ترتكز على تنفيذ حزمة من الإجراءات أهمها ترشيد النفقات مما يعني الاعتماد على الذات وعدم اللجوء المفرط إلى التداين الخارجي.
وتابع "هذه الموازنة تؤكد التوجه الاجتماعي للحكومة والذي دعا اليه الرئيس التونسي قيس سعيد في مناسبات عدة "، مضيفا أن هذه الموازنة ترتكز على مواصلة سياسة الدعم، خصوصاً دعم المواد الأساسية الغذائية مقابل التشديد في ترشيد نفقات الدعم وخصوصاً دعم المحروقات.
وزاد "هذه الموازنة تعتمد على تحسين المداخيل الضريبية للدولة "،موضحا "ليس هناك جديد بخصوص الاستثمار كما أنه سيتم تجميد الزيادات في الأجور من أجل التحكم في نسب التضخم .
وترفض تونس تنفيذ إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار، بدأت المفاوضات بشأنه منذ عام 2022، وتعتبرها إملاءات تفرض عليها.
ويشترط صندوق النقد الدولي على تونس مقابل منحها القرض، إصلاحات تتمثل في رفع الدعم(الانفاق الحكومي) وتقليص تكلفة الأجور العامة وخصخصة المؤسسات الحكومية التي تعاني أزمات مالية.
وللإشارة فإن معدل التضخم السنوي في تونس تراجع خلال أغسطس/آب الماضي للشهر الثاني على التوالي، مسجلاً 6.7%، حسب الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وكان معدل التضخم في يوليو/تموز الماضي تراجع إلى حدود 7% على أساس سنوي، بعد أن سجل في يونيو/حزيران 7.3%.
تفاصيل الموازنة التونيسية
ويهدف مشروع قانون المالية أيضا الى مضاعفة الجهود لترشيد نفقات التسيير والتحكم فيها للابقاء على مستوى الاعتمادات المرسمة من خلال عدم تجاوز نسبة تطور بـ 4% كحد أقصى عند ضبط التقديرات، مع العمل على تخصيص هذه الزيادة أساسا لخلاص المتخلدات ولتغطية النفقات المنجرة عن عمليات توسعة استثمارات أو إحداثات جديدة، ومزيد إحكام التصرف في وسائل النقل الادارية.
كما يقوم على مزيد العمل على ترشيد استهلاك الطاقة، واستعمال الطاقات البديلة والمتجددة خاصة بالنسبة للفضاءات والمؤسسات العمومية ذات الاستهلاك المرتفع والتشجيع على تركيز تجهيزات إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة بغرض الاستهلاك الذاتي ومزيد ترشيد والتحكم في استهلاك المحروقات.
كما يهدف الى العمل على ترشيد استهلاك الماء من خلال وضع خطة للاقتصاد فيه ومزيد التحكم في نفقات الاستقبالات والاقامات والمهمات بالخارج، وحوكمة وترشيد نفقات الأجارات التي شهدت خلال السنوات الاخيرة ارتفاعا كبيرا، والسعي إلى إعادة توظيف العقارات الموضوعة على ذمة الهياكل والوزارات وإعادة تهيئتها.
ويركز المشروع كذلك على تعزيز الدور الاجتماعي للدولة عبر تدعيم نفقات التدخلات في الميدان الاجتماعي باعتبارها نفقات تهدف بالخصوص إلى إعادة توزيع عادل للدخل ومقاومة الفقر وإعادة توازن برامج التضامن الوطني والسكن الاجتماعي ومزيد دعم الصحة والتربية عبر منح الطلبة والاعانات المدرسية والجامعية.
ويتضمن مشروع ميزانية سنة 2025، الترفيع في عدد العائلات محدودة الدخل المنتفعة بالتحويلات المالية مع الترفيع في مبالغ المنحة المسندة لكل عائلة، ومواصلة حوكمة نفقات الدعم مع المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن.
ووفقا لذلك سيتم العمل على مواصلة التحكم في منحة الدعم خاصة من خلال اتخاذ إجراءات لتحسين الاداء والتقليص من تكلفة الانتاج لكل من الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) والشركة التونسية لصناعات التكرير(حكومية).
وتتمثل أهم الاجراءات التي تضمنها المشروع، في الحد من الانتفاع غير المشروع من الكهرباء والغاز وتحسين تحصيل الفواتير بهدف تقليص الخسائر عبر شبكة الكهرباء والغاز، و ترشيد النفقات للحد قدر الامكان من تكاليف إنتاج الكهرباء والمواد البترولية،
كما تتمثل في مواصلة تشجيع الاستثمار في انتاج الطاقة من الطاقات المتجددة والنظيفة والتسريع قدر الامكان في الانتقال الطاقي.
وبخصوص دعم المواد الاساسية تضمن المشرورع مواصلة العمل على تحسين كفاءة منظومة الدعم من خلال ترشيد الاستهلاك وتعزيز مراقبة مسالك التوزيع ومقاومة مظاهر الاحتكار والمضاربة والتهريب من ناحية والعمل على تحسين الانتاج الزراعي وتحقيق الامن الغذائي أساسا.
كما تضمن تعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وتشجيع المزارعين على الاستثمار في زراعات جديدة مقاومة لهذه التغيرات وإعطاء الاولوية لدعم منظومة الحبوب بما يساهم في تحسين المردودية وتأمين التزويد فضلا عن السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح الصلب.
وبخصوص تدعيم نفقات الاستثمار، تضمن المشروع ضبطا لحجم الاعتمادات المتعلقة بالمشاريع وبالبرامج المتواصلة على ضوء التنفيذ المادي والمالي المنتظر لهذه المشاريع والبرامج سواء على المستوى المركزي أو المحلي وكذلك المشاريع والبرامج التي تنفذ من قبل المؤسسات تحت الاشراف، مع إعطاء الاولوية المطلقة للمشاريع المرسمة وخاصة منها المعطلة بالجهات وكذلك مشاريع البنية التحتية والبحث عن تنويع آليات ومصادر التمويل لانجاز المشاريع الحكومية الكبرى.
يرتكز على مواصلة الاصلاح الجبائي عبر اعداد تصور جديد لارساء نظام جبائي عادل يتماشى مع أولويات وأهداف المرحلة والرؤية الاستراتيجية للبلاد التونسية ويساهم في تكريس مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال إعادة التوزيع العادل للعبء الجبائي بين مختلف الفئات الاجتماعية مع الحرص على تخفيفه على الفئات الاجتماعية متوسطة ومحدودة الدخل.
كما يرتكز على مزيد دعم الامتثال الضريبي وتحسين قدرة الدولة على استخلاص مواردها مع مواصلة التصدي للتهرب الضريبي وتوسيع قاعدة الاداء وإدماج القطاع الموازي.
يقوم مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2025، على دعم القدرة التنافسية للمؤسسات وتمويل الاستثمار وخلق الثروة من خلال إرساء مناخ أعمال ملائم ووضع آليات جديدة لتحفيز الاستثمار وإحداث المؤسسات في قطاعات الانتاج ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى التكنولوجي والقدرة التشغيلية الهامة.