بعد انتخابات تونس.. ما وراء محاولات الإخوان لتشويه خارطة الإصلاح؟
بعد عشرية سوداء، لفظ التونسيون عبر صناديق الانتخابات إرهاب تنظيم الإخوان والمتعاطفين معهم، من أجل استعادة وطنهم حرا مستقلا، رغم المحاولات المستميتة من عناصر التنظيم والتابعين له في مفاصل الدولة في إفشال العرس الانتخابي وتشويه كل عمليات الإصلاح.
وتعد انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول أول استحقاق انتخابي تشريعي والخطوة الثانية في خارطة الإصلاح التي دعا إليها الرئيس التونسي، قيس سعيد، حيث جاءت بعد الاستفتاء على الدستور والذي حاز موافقة الشعب التونسي بإقبال فاق 30% من إجمالي عدد الناخبين.
وبهذا الاستحقاق، انتهت سيطرة الإخوان على الحياة السياسية والفكرية لعشر سنوات مضت، تسببوا فيها بانسداد سياسي بإقصائهم كل ألوان الطيف السياسي وفرض رؤيتهم على المؤسسة التشريعية، مما ورط بلادهم في أزمات اقتصادية أرهقت المواطن التونسي، فقد بلغ معدل التضخم 10%، بالإضافة إلى غياب بعض السلع الضرورية وزيادة معدل البطالة، وهجرة الآلاف من الشباب التونسي إلى الدول الأوروبية.
حملة إخوانية ممنهجة
بعد التصويت على الدستور ونجاح مسار 25 يوليو/تموز، أدرك الإخوان نهايتهم، فاستعدوا قبلها بأسابيع وشنوا حملة ممنهجة لتزييف وعي الناخب التونسي، واستهدفوا مكونات العملية الانتخابية (فكرة الانتخابات وتوقيتها والمرشحين والداعم لها الرئيس قيس سعيد).
وحاولت الجماعة هدم العملية الانتخابية من أساسها، وعمدوا إلى ابتزاز المرشحين وتهديدهم، لدفعهم للانسحاب والمقاطعة، وإلا سيتم تشويههم، كما شنت اللجان الإلكترونية حملات مغرضة ضد الرئيس قيس سعيد وصلت حد المطالبة بإقالته، في محاولات لهدم البلاد ومستقبلها وعرقلة خطواتها نحو دولة المؤسسات.
الإخوان والانسداد السياسي
يتكئ الإخوان على أرقام العملية التصويتية لإثبات عزوف الناخب التونسي عن الاستحقاق الانتخابي الأخير، رغم أنهم أول المتهمين المتسببين برعونتهم في فقدان الناخب الثقة في البرلمان وفي الحياة السياسية، فسيطرتهم على الحكومة والبرلمان منذ عام 2011 حتى نهاية 2019، تسببت في انهيار اقتصادي وانسداد سياسي لم يتحمل الشارع التونسي تأثيراتهما، ودخلوا في صراع متصل بدأ منذ عام 2016 بين مؤسسة الرئاسة "الرئيس السابق الباجي قايد السبسي" من جهة والحكومة "يوسف الشاهد" من جهة أخرى.
ودخل البرلمان بأغلبيته الإخوانية طرفًا فاعلًا، وأصبحت إدارة البلاد مقسمة بين ثلاث جهات متنازعة، مما أدخل تونس في أزمة سياسية وكانت ذروتها ما حدث بين الرئيس قيس سعيد وأزمته مع حركة النهضة، ومحاولة تمرير لحكومتها برئاسة الحبيب الجملي، واستقطابها لحكومة إلياس الفخفاخ، ومحاولة سيطرتها على جميع المؤسسات، مما أفقد البرلمان دوره الرقابي والتشريعي، ولعل هذا العبث والرغبة في السيطرة مع الانسداد السياسي أفقد الناخبين الشغف بالعملية الانتخابية، وثقتهم في البرلمان والسياسيين، ونقلوا إيمانهم وثقتهم إلى مؤسسة الرئاسة الجادة والتي لا تعرف الهزل والعبث، ولا الترضيات والمحاصصات ولا التحولات السياسية الحادة، مؤسسة لا تعرف إلا الوطن والمواطن وتعمل لصالحهم فقط.
محاولات فاشلة
حملات تشويه سبقت العملية الانتخابية ضمن محاولات مستميتة لإفشالها، فقاموا في البداية بإطلاق دعوات للمقاطعة، لتكون ورقة ضغط على الرئيس ومؤيديه ليقبلوا بعودة الإخوان للمشهد ثانية، فقاطع حزب النهضة و"قلب تونس" والائتلاف الوطني وائتلاف الكرامة ذي الميول الإخوانية على أمل إحداث فراغ سياسي، فلما فشلوا، قاموا بحملة تشويه لقانون الانتخابات، فزعموا أن ترشيد عدد المقاعد من 217 مقعدًا في السابق، إلى من 161 نائبا، "حجر" على المرشحين، في حين أنها الخطوة الأولى في طريق إصلاح الحياة السياسية التونسية.
إضافة إلى خطوة تحول الانتخاب حسب نظام "القوائم النسبية المطلقة" إلى نظام "الانتخاب الفردي"، وهي عملية تصحيح لازمة للتخلص من السيطرة الحزبية على المرشحين، والتي كانت أحد أبواب سيطرة المال السياسي الفاسد على العملية الانتخابية والحياة السياسية والاجتماعية العقد الماضي.
ورغم أكاذيبهم؛ فأرقام من أدلوا بأصواتهم وهم زيادة عن مليون صوت، تعد طبيعية بالنسبة لأعداد المرشحين البالغ عددهم 1058 مرشحا، فيكون نصيب المرشح قرابة 10 آلاف صوت، إلا أن أبرز ما يميزهم أن 58% من المصوتين أعمارهم تتراوح ما بين 25 سنة وأقل من 60، أي من الفئة العمرية الواعية بالتحديات التي تواجه تونس.
ويمكن تفسير انخفاض الحضور التصويتي عن آخر استحقاق انتخابي، أنها المرة الأولى التي تتم فيها انتخابات بشكل "فردي" فضلا عن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، وهي أحوال لم يعتدها الناخبون، ولا تسمح بالوجود الكثيف للناخبين، فقدرة المرشح على الحشد لا شك أقل بكثير من قدرات الأحزاب على الحشد، على وجه الخصوص تلك المعروفة بتمويلها الخارجي التي تنفق على عمليات نقل الناخبين إلى مقرات الاقتراع، حيث إنهم عندما فشلوا في التشكيك في القانون لجأوا الى حيلة أخرى وهي تشويه المرشحين.
تشويه المرشحين
لاحق الإخوان المرشحين بالتشكيك والتشويه والشائعات والأكاذيب، فقد رصدت الهيئة العليا المستقلة تحركات عبر الفضاء السيبراني وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تضمنت عدداً من الشعارات ومقاطع الفيديو والتي يسعى بعضها لعكس صورة سلبية عن المرشحين، بهدف التقليل من إقبال الناخبين على التصويت، وهو ما جعل الهيئة تُصدر بيانًا في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري توضح فيه للناخبين ولوسائل الإعلام ملامح تلك الحملة والغرض منها صرف الناخبين عن المشاركة، وتشويه المرشحين ليتم عرقلة البرلمان القادم عن القيام بمهامه.
ثم بدأت صفحاتهم باتهام المرشحين بأنهم موالون للسلطة، في حين أن إحصائيات الهيئة العليا التي نشرتها على موقعها بشبكة الإنترنت، تؤكد أن نسبة المستقلين المرشحين في حدود 50% نصفهم من المعلمين بالتربية والتعليم، ونسبة الأكاديميين والجامعيين المرشحين للانتخابات تُقدر بحوالي 2.8%، كما أن القانون المنظم للعملية الانتخابية منع ترشح فئات بعينها لضمان نزاهة الانتخابات، قبل انقضاء عام على الأقل من انتهاء وظيفته وهم: ( أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين/ القضاة/ رؤساء البعثات والمراكز الدبلوماسية والقنصلية/ الكتاب العامون للولايات/ العمد/ رؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية/ الأئمة/ الولاة/ المعتمدون/ المعتمدون الأولون).
هذه القواعد من المحتمل أن تجعل من البرلمان القادم منضبطا ومتوازنا وخاليا من أمراض برلمان الإخوان، الذي شهد استقطابا حزبيا، وظاهرة "التجوال السياسي" وتقلبات سياسية وبرلمانية تكاد تكون يومية، وتغيرات مستمرة في تركيبة البرلمان، أثرت بشكل سلبي على أدائه التشريعي والرقابي منذ عام 2011، حتى أن البرلمان وهو تحت سيطرة الإخوان لم يعقد خلال 32 شهرًا -ما يقرب من نصف عمره، جلسة حوار واحدة مع الحكومة، كما لم يستخدم خلال السنوات العشر السابقة لائحة اللوم التي تسحب الثقة من الحكومة، بل ظلّت معطلة في عهد هيمنتهم على البرلمان.
محاولات إسقاط الرئيس
غير أن أهداف الإخوان انكشفت بشكل جلي مع ارتفاع أصواتهم عقب الانتهاء من التصويت وقبل إعلان النتائج تطالب الرئيس التونسي بالاستقالة لا لخطأ ارتكبه أو فساد اتهم به بل لأن نسبة التصويت لم تكن مرتفعة، وهو ما يعكس مخاوفهم من مؤسسة الرئاسة في الوقت الراهن كونها هي النقطة الأقوى والمتماسكة والتي يتشبث بها المواطن لحل المشكلات المتراكمة منذ عهد الإخوان.