الانتخابات الرئاسية بتونس.. روح الثورة وأطماع النهضة
الانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة 2019 هي الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة في تونس، والثانية بعد الثورة التونسية.
حسمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الرئاسية التونسية، أمر القائمة النهائية لعدد المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، وممن تتوافر فيهم الشروط والضوابط المقررة قانوناً فيمن يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية؛ حيث أعلنت الهيئة أن العدد النهائي للمرشحين بلغ نحو 26 مرشحاً فيما أقصي 71 من المرشحين الآخرين.
وجاءت هذه التصفية النهائية بعد أن نظرت المحكمة الإدارية التونسية في الطعون المقدمة من قبل ممن رفضت ملفات ترشحهم للانتخابات الرئاسية.
والجدير بالذكر أن الانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة 2019 هي الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة في تونس، والثانية بعد الثورة التونسية، والتي سينتخب فيها رئيس الجمهورية التونسية، وقد قدم موعدها إلى 15 سبتمبر/أيلول 2019، بعد وفاة الرئيس السبسي في يوليو/تموز الماضي.
وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات، فإن انتخابات الإعادة لن تتجاوز 3 نوفمبر/تشرين الثاني، من أجل ضمان تولي رئيس جديد منصبه في غضون 90 يوماً، وفقاً لما يقتضيه الدستور التونسي.
فتم فتح باب الترشحات للانتخابات الرئاسية يوم 2 أغسطس/آب 2019 وأغلق يوم 9 أغسطس، وقدّم خلال هذه المدة 97 شخصاً ملفات ترشحهم للهيئة.
وفى 14 أغسطس/آب، نشرت الهيئة القائمة الأولية للمترشحين المقبولين وهي مكونة من 26 مترشحاً، بينما أعلنت القائمة النهائية يوم 31 أغسطس/آب بعد انتهاء فترة الطعون، ثم أعلنت عن انطلق الحملة الدعائية للأحزاب، السبت الماضي، في خارج البلاد وفي دول أوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا.
البيئة السياسية للانتخابات:
تحظى الانتخابات الرئاسيه التونسية المرتقبة بأهمية قصوى لدى الفاعلين السياسيين المحليين والشركاء الدوليين لتونس في آن واحد، وذلك بالنظر لمركزية منصب رئيس الجمهورية في المعادلة الوطنية، رغم أن طبيعة النظام السياسي في صيغته الدستورية الحالية، تعطي صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة على حساب منصب رئيس الجمهورية.
فتمر تونس بأزمة سياسية عميقة ترتبط بها أوضاع اقتصادية ومعدلات تنمية ضعيفة، تنعكس على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، فضلاً عن ذلك التحديات الأمنية ومحاربة الإرهاب، فتونس تجاورها ليبيا من ناحية الغرب وما تمثله تلك المنطقة من مخاطر على أمن تونس، فالمنطقة الغربية فى ليبيا تعج بالمليشيات والإرهابيين وهو ما يفرض تحدياً لتونس، كما أن تونس ليست بعيدة عما يحدث فى منطقة الساحل والصحراء، التى توصف الآن بأنها من أخطر المناطق في أفريقيا، وأن نمو الحركات والمليشيات المتطرفة فى هذه المنطقة هو الأعلى في العالم، يضاف لما سبق ما يحدث في الجزائر من فاعليات سياسية خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية.
وبالتالي، فالأزمة السياسية والتحديات الأمنية الراهنة، هي في عمقها مرتبطة بأجندات حزبية وسياسية وشخصية محلية، ليست بمنأى عن حسابات متعلقة بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تونس، بشكل عام نستطيع القول إن وفاة السبسي فتحت الباب لصراع أشد على رأس السلطة.
في ظل وضع سياسي متأزم، ومن المنتظر أن يشهد المزيد من الغموض خلال المرحلة المقبلة، بسبب ضعف أداء النخبة السياسية، واتساع دائرة الصراع على السلطة التي أضحى البعض ينظر إليها كغنيمة في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب، بين فكي كماشة وواقع إقليمي متقلب.
القوى المشاركة:
يبلغ عدد الأحزاب السياسية التونسية نحو 217 حزباً، وفقاً لبيانات رسمية، من بينها نحو 8 أحزاب قديمة أي تم تشكيلها وترخيصها قبل ثورة 2011، بينما تم تشكيل باقي هذه الأحزاب خلال الفترة الممتدة من "2011- 2019"، وعلى الرغم من كثرة الأحزاب السياسية إلا أنه في حقيقة الأمر لم يلاحظ فاعلية لها إلا لأقل من 50 حزباً تلعب دوراً سياسياً.
بل إن أقل من عشرين منها تشارك في الحياة السياسية والشأن العام بزعامة شخصيات أعلنت أنها ستشارك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة. وتضم القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية منهم نوعين من المرشحين: الأول: مرشحون ممثلون عن الأحزاب وذلك وفقاً للقائمة النهائية 16 مرشحاً يمثلون نحو 16 حزباً سياسياً يختلفون أيدلوجياً ما بين اليسار والليبرالي والإسلامي؛ حيث بلغ عدد الأحزاب اليسارية المقدمة مرشحاً لخوض تلك الانتخابات نحو 7 أحزاب، و5 أحزاب ليبرالية اجتماعية، و3 أحزاب وسط، وحزب واحد إسلامي.
المرشحون المستقلون:
حملت القائمة النهائية نحو 10 من المرشحين المستقلين المختلفين أيدولوجياً أيضاً فهم: حمادي الجبالي (القيادي السابق في حركة النهضة)، وحاتم بولبيار (القيادي المستقيل من حركة النهضة الإخوانية)، وعبدالكريم زبيدي (وزير الدفاع التونسي المستقيل)، وقيس سعيد (أستاذ القانون الدستوري)، والصافي سعيد (إعلامي)، وعمر منصور (والي تونس السابق)، وناجي جلول (وزير التربية السابق)، ومحمد الصغير نوري (مستقل)، وسيف الدين مخلوف (مستقل وصاحب ميول نهضاوية).
أبرز المرشحين:
تأتي أسماء 4 مرشحين على رأس القائمة النهائية لخوض سباق الرئاسة التونسية المبنية على عدد من الاعتبارات السياسية والشعبية مثل: رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي، ومرشح حركة النهضة الإخوانية لأول مرة للرئاسية عبدالفتاح مورو، ورجل الإعلام الموقوف منذ أسبوعين نبيل القروي.
وتكمن حساسية وحرج الانتخابات المبكرة في كونها الأولى التي تقرر فيها حركة النهضة الإخوانية الدفع بمرشحها إلى منصب الرئاسة، والتخوف من مدى قدرة، بل أهلية إخوان تونس على الالتزام الحقيقي والصادق بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة التونسية.
وعلى ذلك تشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة مفصلاً خطيراً في التاريخ التونسي الحديث، ومن خلاله سيؤكد الشعب حقيقة تمدنه. فهزيمة مورو هي هزيمة للمشروع الإخواني.
المشهد الانتخابي:
قررت حركة النهضة الإخوانية ترشيح عبدالفتاح مورو لرئاسة الجمهورية في الانتخابات بشكل أساسي ومعلن، وذلك بعد حسم الخلاف بين أعضاء مجلس الشورى وبأغلبية كبيرة داخل المجلس.
وقامت النهضة بالدفع وتزكية عدد آخر من المرشحين لخوض تلك الانتخابات بجانب عبدالفتاح مور وهم: حمادي الجبالي مرشح (إسلامي مستقل)؛ حيث حصل على 11 تزكية من نواب النهضة بمجلس النواب، والمنصف المرزوقي الرئيس السابق والمرشح عن حزب تونس الإرادة، الذي حصل على 7 تزكيات من أعضاء النهضة أيضاً بمجلس النواب، والمرشح حاتم بولبيار (إسلامي مستقل) على 9 تزكيات من إخوان تونس أيضاً بمجلس النواب، والمرشح إلياس الفخفاخ مرشح عن التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي حصل على 7 تزكيات من أعضاء حركة النهضة بمجلس النواب.
بالتالى يمكن القول إن عدد المرشحين الإسلاميين لانتخابات الرئاسة التونسية يبلغ 3 مرشحين بجانب عبدالفتاح مور، نائب رئيس حركة النهضة الإخوانية، فضلاً عن المنصف المرزوقي، المرشح الحزبي المتحالف مع الإسلاميين، لخوض تلك الانتخابات.
وهى الحيلة التى تهدف بها حركة النهضة لتفتيت أصوات الناخبين من أجل الحفاظ على الكتلة التصويتية الضامنة للمرشح الأساسي عبدالفتاح مور، للدفع به نحو الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أقل تقدير.
ولكن هل يمكن لعبدالفتاح مورو أن يكون رئيس تونس القادم؟
واقعياً الأمر ليس بهذه البساطة ففي النهاية حركة النهضة وفي أقصى الحالات ستتحصل على ثلث أصوات الناخبين، وفقاً لتجربة الانتخابات التشريعية 2014، التي حصلت فيها على ثاني الأغلبية بواقع 69 مقعداً، لتحتل المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس الذي حصل على 86 مقعداً وما ضمه فى حينه من تكتلات ليبرالية وعلمانية وحداثية.
ويدعم هذا الاتجاه أيضاً عدد التزكيات الى حصل عليها عبدالفتاح مور مرشح النهضة الإخوانية، من أعضاء مجلس النواب التونسي، لاستكمال أدوات قبول ترشحه، والتي بلغت نحو 17 تزكية برلمانية جميعها من إخوان تونس، مما يعني أن باقي أعضاء مجلس النواب غير النهضويين لم يقوموا بتزكية نائب رئيس الحركة عبدالفتاح مورو.
وأغلب تزكيتهم ذهبت لمرشحي التيارات الأخرى على رئيسهم المرشح عبدالكريم الزبيدي المرشح المستقل؛ حيث حصل على نحو 30 تزكية برلمانية لا توجد بينها تزكية واحدة من أعضاء حركة النهضة بمجلس النواب.
وهذا يعني أن ثلثي أعضاء مجلس النواب ضد حركة النهضة ومرشحها أيضاً، وبالتالي فهي بحاجة لتحالفات حتى تتمكن من إيصال مرشحها لقصر قرطاج، وهو ما يبرر قيام الحركة بدعم وتقديم أربعة من المرشحين من بينهم مستقلان اثنان لخوض السباق الرئاسي.
وهو أمر غير ممكن واقعياً على الأقل في مرحلة الانتخابات، فكل المرشحين المتقدمين سواء حزبيين أو مستقلين، على الرغم من اختلافهم الأيدولوجي، إلا أنهم في الواقع متفقين على ورقة إخراج حركة النهضة الإخوانية من السلطة.
كما أن ترشيح إخوان تونس لأحد أعضائها سيدفع القوى السياسية القديمة وحلفاءها من اليمين الليبرالي والسلفي ومن اليسار، للتوافق على مرشح وحيد، إن لم يكن في الجولة الأولى للانتخابات حتماً سيكون في الجولة الثانية لدحر مرشحي حركة النهضة.
فمن المتوقع أن يمر مرشح النهضة– للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، ولكنه حتماً سيجد في وجهه مرشح القوى الفاعلة في تونس والمسيطرة على كل دواليب الدولة في الاقتصاد والسياسة والمتحكمة في الإعلام وترسانة المفكرين والمثقفين ودورهم الفاعل في ترجيح كفة مرشح قوى قد تتفق عليه كل التيارات اليمينية واليسارية والقومية والإسلامية التي تتخذ من عداء النهضة وسيلة حياة في المجتمع السياسي.
وأعتقد أن هؤلاء جميعاً قادرون على توجيه الرأي العام التونسي، وذلك لسيطرتهم على كل وسائل الإعلام التونسية، فضلاً عن علاقاتهم الواسعة مع الإعلام في الداخل وخارج تونس، سيكون لها دور في دعم مرشحهم ضد مرشح حركة النهضة.
aXA6IDMuMTQxLjMyLjUzIA== جزيرة ام اند امز