حرائق تونس.. ألغام إخوانية للتعتيم على ورطة الغنوشي
مراقبون يرون أن نشوب الحرائق له صلة وثيقة بالتوقيت، خصوصا بالحملات الشعبية التي تطال الغنوشي بالكشف عن مصادر ثروته
كلما حاصرت ألسنة اللهب وكر إخوان تونس وزعيمهم، اشتعلت حرائق مجهولة المصدر في أسواق ومصانع، في محاولات متكررة ويائسة لمنح الفرع الإخواني مجالا لالتقاط النفس والمناورة من جديدة.
سلسلة حرائق مشبوهة نشبت، مؤخرا، في العديد من المحافظات التونسية، تصدرت عناوين الصحف واهتمام الرأي العام المحلي، وسط غموض يلف أسبابها.
غير أن مراقبين يرون أن نشوب الحرائق له صلة وثيقة بالتوقيت والسياق السياسي الراهن في تونس، وخصوصا بالحملات الشعبية التي تطالب زعيم الإخوان راشد الغنوشي بالكشف عن مصادر ثروته الطائلة.
النيران تندلع أيضا في ظل استياء شعبي كبير من تدخل الغنوشي في الملف الليبي، عبر دعم ميليشيات طرابلس، متجاوزا الأعراف الدبلوماسية والمقتضيات الدستورية.
ولتحديد ملابسات الملف، أذنت النيابة العامة التونسية، الاثنين الماضي، بفتح تحقيقات قضائية في الحرائق التي شملت كلاً من العاصمة تونس، حيث حرق 30 محلاً لبيع الملابس المستعملة في سوق "الحفصية".
وفي منطقة "قبلاط" بمحافظة باجة غربي البلاد، نشبت النيران في 10 هكتارات من الحبوب، وأيضاً في محافظة سوسة، حيث جرى تسجيل حرق مصنع لصناعة الورق الصحي.
كما طالت الحرائق الجنوب التونسي، حيث حرقت قاطرة لنقل الفوسفات، في سلسلة مشبوهة قد أعادت هذه الحرائق إلى الأذهان سيناريو "الأرض المحروقة" الذي ارتبط، قبل سنوات، بدعوة لإسقاط الحكومة وحل البرلمان التونسي.
الغنوشي في ورطة
قاسم السعيدي، أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بجامعة باريس، أكد أن الأمر غير مستغرب بالمرة بالنسبة للعارفين بخفايا سير الأمور لدى تنظيم الإخوان وفروعه.
وقال السعيدي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن "الحرائق المشبوهة تفرضها بالنسبة لحركة النهضة الإخوانية ضرورة الوضع المختنق الراهن الذي تشهده، في ظل الورطة المحدقة بزعيمها، وهذا ما دأبت على القيام به كلما ضاق الخناق عليها".
وأعرب الباحث التونسي عن اعتقاده الجازم بأن شبهة العمل الإجرامي التي تحدثت عنها تقارير إعلامية محلية بعيدة عن الواقع، ذلك أن مقولة ضرب بعض القطاعات المهمة وخلق فوضى واحتجاجات يبقى ضمن تكهنات لا أساس لها.
ويتابع: "الوضع حرج جدا داخل النهضة، والانشقاقات تتزايد، والخلافات تتعمق، والشق المعادي للغنوشي بدأ يتوسع بشكل مخيف بالنسبة للأخير المحاصر بالاتهامات من كل جانب".
واعتبر أن قيادات من الصف الأول بالحركة ترفض تحركات الغنوشي في الملف الليبي، ومشاركته بالمؤامرة التركية في ليبيا، ما يفسر تواتر الانشقاقات والاستقالات بالفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن أول من أثار مسألة ثروة الغنوشي كانوا من كوادر حركته.
وأشار إلى أن الحركة الإخوانية تشهد حالة تراجع مرده استقطاب داخلي حاد يهدد بانقسامات مستقبلية أكبر، ما يدفعها نحو اللجوء إلى افتعال إشكالات جانبية أو توجيه أنظار الرأي العام نحو أحداث خطيرة مثل الهجمات الإرهابية أو الحرائق.
المخطط الإخواني يحتضر
المحلل السياسي التونسي كريم بن سالم، اعتبر من جهته، أن الحرائق المشبوهة المندلعة في العديد من المناطق التونسية تشي بضراوة المعارك والخلافات داخل حركة النهضة.
وأوضح بن سالم، لـ"العين الإخبارية"، أن الغنوشي بات العنصر الأكثر إثارة للانقسامات داخل الحركة، دون استبعاد أن يكون لزعيم الإخوان دور في سلسلة الحرائق عبر تحريك اللصوص والمنحرفين، بهدف خلق مركز اهتمام جديد يبعد الرأي العام عن الجدل المتفجر بشأنه".
وخلص الخبير إلى أن الحرائق ليست سوى إحدى الحلول التي تلجأ إليها الحركة للهروب من فشلها والتعتيم على دعوات حل الحكومة والبرلمان، تماما مثلما حدث في 2017.
بن سالم أشار أيضا إلى أنه لا ينبغي فصل تحركات الحركة وزعيمها في تونس، بما في ذلك الحرائق، عن السياق الإقليمي، وعن قواعد اللعبة الإقليمية التي تتغير بشكل مستمر، وتمضي خلافا لأهداف صالح المُخطط الإخواني الذي انخرطت فيه.
وأكد أن تحركات الحركة وزعيمها تتم وفق أوامر المحور التركي القطري، وهذا ما يفسر تخبطها كلما ارتفع منسوب الاستياء الشعبي منها، وتعددت احتمالات ومعادلات المقاربة الإقليمية والدولية، بما في ذلك عزم واشنطن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وما يترتب عن ذلك من فرض قواعد تعامل جديدة تأخذ في الاعتبار ترابط العلاقة بين الإقليمي والدولي.
ورأى أن هذه التطورات تجعل من هامش المناورة يضيق أمام الحركة وغيرها من التنظيمات الإخوانية، ويدفعها نحو كشف وجهها الحقيقي عبر اللجوء إلى العنف بأنواعه، والحرائق ليست سوى مثالا على ذلك، وفي حال استمرار الحملات ضد الغنوشي، فلن نستبعد حدوث عمليات إرهابية في تونس بالفترة المقبلة.
aXA6IDE4LjIyNy40OC4yMzcg جزيرة ام اند امز