حكومة الفخفاخ المعدلة.. شوكة بحلق إخوان تونس خوفا من حل البرلمان
تشكيلة لم تكن الحركة الإخوانية لتقبل بها أبدا لولا هلعها من انتخابات مبكرة
بعد مخاض عسير ومفاوضات شاقة، وُلدت الحكومة التونسية في نسخة نهائية ومعدلة، حرمت فيها حركة النهضة الإخوانية من وزارات السيادة، وأجبرت على القبول بتشكيلة تعتبرها حبل النجاة الوحيد من الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وليل الأربعاء، أعلن رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ عن حكومة معدلة منح فيها وزارات السيادة لشخصيات مستقلة، فيما جرى توزيع بقية الوزارات بين التكنوقراط والأحزاب.
تشكيلة لم تكن الحركة الإخوانية لتقبل بها أبدا لولا هلعها من أن يقود عدم نيل الحكومة الجديدة ثقة البرلمان إلى حل الأخير وإجراء انتخابات مبكرة، أو أن يستأثر الرئيس قيس سعيد بإدارة البلاد عبر المراسيم الرئاسية، بموجب الدستور، فتضيع على نفسها فرصة تحقيق مآربها.
حكومة "الضرورة" وبأضلاع متنافرة، بالنسبة للإخوان، كما وصفها خبراء ومراقبون، ولدت قبل ساعات قبل انتهاء المهلة الدستورية لتشكيلها، فكان من البديهي أن تكون مشحونة بالتناقضات الحزبية والسياسية.
تركيبة الحكومة
توزعت الحقائب السيادية على شخصيات مستقلة، فترأس أستاذ العلوم السياسية والمستشار القانوني لرئاسة الجمهورية هشام المشيشي وزارة الداخلية، وتقلدت القاضية ثريا الجريبي وزارة العدل.
فيما مُنحت الخارجية إلى السفير السابق نور الدين الري، ووزارة الدفاع إلى القاضي عماد الحزقي.
وإلى جانب المستقلين تشارك في هذه الحكومة حركة النهضة الإخوانية بـ7 وزراء، وحزب التيار الديمقراطي ذو التوجه الاجتماعي بثلاثة حقائب، وحركة "الشعب" القومية بحقيبتين، ومثلها لحركة "تحيا تونس" بقيادة يوسف الشاهد.
الحكومة سجلت أيضا حضورا لحزب "البديل" برئاسة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، وحركة "نداء تونس".
الإخوان يتخلون عن "قلب تونس"
النهضة التي ولطالما هددت بعدم التصويت للحكومة الجديدة في حال عدم مشاركة حزب "قلب تونس" فيها، رضخ أخيرا لإملاءات الواقع، وقبل باللعبة كما هي خالية من الحزب الليبرالي بقيادة نبيل القروي.
المحامي والناشط الحقوقي زيدان بن نصر قال إنه "أمام عجز النهضة عن تأويل الدستور التونسي، وعدم قدرتها على سحب الثقة من يوسف الشاهد، وترددها بخصوص الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، خيرت في خطوة جديدة منح الثقة لحكومة الفخفاخ".
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "دخول النهضة للحكومة هو من باب إغلاق الطريق أمام سعيد في فرضية حل البرلمان"، معتبرًا أن "الأضلاع المكونة للحكومة لا تنبئ بانسجام حكومي وتوافقات قادرة على الاستمرار".
مناورة للحفاظ على الغنوشي
واعتبر بن نصر أن "الحركة الإخوانية التي عربدت خطابيًا وسياسيًا وهددت بضرب استقرار البلاد طيلة فترة المشاورات، تجد نفسها مكرهة على قبول هذه الحكومة بتناقضاتها الحادة ودون الحصول على شروطها (مشاركة حزب تونس والوزارات السيادية)، للحفاظ على مكانة رئيسها الغنوشي على رأس البرلمان".
ولفت إلى أن منسوب الثقة ضعيف بين الأحزاب المشكلة للحكومة، وخاصة بين "التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب" و"تحيا تونس" من جهة، والنهضة الإخوانية من جهة أخرى".
واتهم الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو حركة النهضة طيلة المشاورات الحكومية، بالفساد السياسي، واستعمال كل أدوات الابتزاز للحصول على حقائب وزارية.
حكومة التناقضات
المعطيات التي تحوم حول حكومة الفخفاخ والمناخ الذي نشأت داخله، تشي بأن نسيج التضامن الحكومي سيكون ضعيفا، بل سيكون متنافرا حد التصادم.
واعتبرت حركة الشعب بدورها أن "الالتقاء مع حركة النهضة في حكومة واحدة لا يعني التحالف السياسي والالتقاء على أرضية فكرية واحدة"، مؤكدة أن "الخيارات الكبرى لخارطة الحكومة منبثقة من إرادة رئيس الدولة واختيارات الفخفاخ".
وأكد الأمين العام للحركة زهير المغزاوي، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "التواجد ضمن الفريق الحكومي تحتمه ضرورة الذهاب إلى حكومة تجابه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية".
وشدد على أن "حركة الشعب المنضوية بالكتلة الديمقراطية النيابية (41 مقعدا من أصل 217) ستمنح الثقة لحكومة الفخفاخ.
تحالفات جديدة
ويرى متابعون بأن غياب حزب "قلب تونس" (38 مقعدًا) والدستوري الحر (17 مقعدا) قد يعجل في الأشهر المقبلة بإمكانية التقارب بينهما وتشكيل تحالف نيابي جديد يتسع إلى كتلة الإصلاح (15 مقعدا).
ويرجح الناشط السياسي منذر العلمي (القريب من حزب قلب تونس) تغيرات جديدة في خارطة المعارضة، وولادة انسجام سياسي بين "الدستوري الحر" و"قلب تونس»، قد يضعف من وزن راشد الغنوشي على رأس البرلمان.
ويفسر في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "تغييب قلب تونس من الحكومة سيدفعه إلى تزعم المعارضة في المشهد السياسي باعتباره يمثل القوة البرلمانية الثانية، والبحث عن خارطة تحالفات جديدة".
من جانبه، يضع الحزب الدستوري الحر شرطًا أساسيًا لدخوله في أي تحالف، وهو عدم تواجد حركة النهضة وتوابعها، على حد قول رئيسة الحزب عبير موسي.
ووجهت موسي رسالة على ما سمتها "القوى المدنية بالبرلمان" جاء فيها: "بدلا من المقابلات مع شيخ الإخوان وانتظار تقرير المصير من مجلس الشورى الذي يضم الأمين العام المساعد لاتحاد القرضاوي الإرهابي، هلموا لإمضاء عريضة سحب الثقة من الغنوشي واذهبوا لتكوين حكومة دون تمثيل الإسلام السياسي".
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA= جزيرة ام اند امز