بلاريجيا التونسية.. مدينة ثرية بنيت "تحت الأرض" (صور)
لا تزال أعمدة "بلاريجيا" المدينة الرومانية في محافظة جندوبة التونسية، شامخة تسرد تاريخ المنطقة العريق.
تقع بلاريجيا بسفح جبل ربيعة المرتفع بنحو 649م، على منحدر ضعيف مشرف على سهل" مجردة"، وهي على الطريق العتيقة الواصلة بين قرطاج وعنّابة (هيبون) والموافقة للطريق العصرية المخترقة للموقع الأثري.
وهي أيضا قريبة جدّا من الفجّ المؤدّي إلى ميناء طبرقة عبر جبال خمير.
بلاريجيا، كانت عاصمة الملك النوميدي ماسينيسا هو موقع أثري ومدينة تاريخية تقع قرب مدينة جندوبة شمال غرب البلاد التونسية.
ترجع جذور بلاريجيا إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلا أنها لم تصبح ذات أهمية إلا بعد سيطرة القرطاجيين عليها.
ثم خضعت المدينة للرومان قبل أن تصبح عام 156 ق.م عاصمة للملك النوميدي ماسينيسا، حليف روما.
شهدت المدينة حالة من الركود أثناء العهد البيزنطي ليهجرها سكانها شيئا فشيئا وتختفي معالم الحياة فيها بداية من الألفية الثانية.
ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر أقيمت أولى الحفريات فيها، وتم الكشف عن معالم وآثار طوال القرن العشرين.
يحتوي الموقع حاليا على معالم عدة ومنها فوروم والمسرح الأثري والحمامات، وأغلبها يرجع إلى العهد الروماني.
يضم الموقع أيضا متحفا يعرض لوحات فسيفساء تمثل الحياة اليومية والاقتصاديّة والدينية في المدينة قديما مع بعض التوابيت المزخرفة.
وتستمد بلاريجيا شهرتها من المساكن الفخمة ذات الطوابق تحت الأرضية التي تُعدّ دررا في مجال العمارة السكنية لتونس في العصور القديمة.
وتحمل هذه المساكن أسماء متعددة مثل منزل وينوس، ومنزل القنص ومنزل القنص الجديد، ومنزل صيد السمك، ومنزل الفسيفساء، ومنزل الكنز، في إشارة إلى الاكتشاف الرئيسي الذي عُثر عليه بكل مسكن من هذه المساكن، والذي غالبا ما يكون موضوع أرضية الفسيفساء.
ولا شكّ في أن أهم المعالم الدّالة على خصوصيّة المعمار هي تلك المنازل ذات الطابقين، أحدهما سفلي تحت الأرض يساعد على التأقلم مع الحرارة المتفاوتة صيفا وشتاء.
ومن أروع تلك المنازل ذات الطابق الأرضي منزل الصيد البرّي والبحري نسبة إلى مشاهد اللوحات الفسيفسائية المزيّنة للأوّل والثاني، وتمتاز بتعدّد غرفها ومرافقها العجيبة، من ذلك أنها تحتوي على كنيسة خاصة يتعبّد فيها سكان المنزل.
أمّا المجموعة المعروضة بمتحف باردو بالعاصمة تونس، من آثار بلاّريجيا وهي التي تعود إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث، فهي تماثيل نحتت في بلاّريجيا وفي أماكن أخرى ثمّ جلبت إلى معابد المدينة، دلالة على انتشار الرّومنة، وعبادة أبولون بدرجة أولى وديميتير وأسكولاب وأتينا وساتورن بدرجة ثانية.
خصوصيات فريدة
وقال المدير العام لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية في تونس داودا صو، إن الموقع الأثري "بلاريجيا" يتميز بخصوصيات فريدة في الخريطة الأثرية في تونس، مضيفا أن الوكالة تعمل على دعم اللامركزية الثقافية وتحويل هذه المواقع إلى رافد في مجال التنمية الاقتصادية.
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن الوكالة تعمل على إنجاز مشروع المتحف الأثري ببلاريجيا الذي رصدت له وزارة الثقافة مبلغا يفوق 1,5 مليون دينار (500 ألف دولار) بعد أن استكملت أعمال دراسته منذ 2010.
واعتبر أستاذ البحوث التاريخية والأثرية بالمعهد الوطني للتراث محي الدين الشوالي، أن أقدم الشواهد التاريخية ببلاريجيا ترقى إلى فجر التاريخ خلال الفترة الوسيطة وبينهما تعاقبت عليها حضارات عديدة، منها النوميدية والبونية والرومانية والوندالية والبيزنطية.
وأكد لـ"العين الاخبارية"، أن أهم ما يمكن مشاهدته والاطلاع عليه بالموقع الأثري ببلاريجيا، هي المعابد والمسارح والحمامات والساحة العمومية وغيرها.
وقال إن ما يميز موقع بلاريجيا، هو وجود منازل ذات طابق تحت أرضي لا مثيل لها في العالم في تلك الفترة على غرار منزل الآلهة فينيس ومنزل الصيد ومنزل الكنز ومنزل الصيد البري والبحري وغيرها من المعالم التي لا زالت شاهدة إلى اليوم.