تركة الإخوان تحاصر إصلاح قضاء تونس.. هل تنجح مساعي "التطهير"؟
تركة ثقيلة ورثتها تونس من نظام الإخوان الذي ظل قابعًا على السلطة طيلة العشرية المنصرمة، ما يجعل فاتورة الإصلاح، باهظة.
فاتورة فاقمها تغلغل حركة النهضة داخل صلب الجهاز القضائي في البلد الأفريقي، مما أفقده استقلاليته ونزاهته، وهو ما بدا واضحًا في قرار القضاء الإداري الذي قضى الأسبوع الماضي، بوقف قرار الرئيس التونسي قيس سعيد عزل 57 قاضيا مدانا في قضايا خطيرة، وتبرئة خمسين قاضيا، وإعادتهم للعمل، ضاربين بعرض الحائط كل الملفات التي تدينهم.
ذلك القرار، ردت عليه وزارة العدل التونسية مساء الأحد، ببيان مقتضب، قالت فيه إن عشرات القضاة الذين عزلهم الرئيس قيس سعيّد هم محل ملاحقات قضائية، دون أن تقدم الوزارة تفاصيل عن تلك الملاحقات، في موقف قد يعيق عودة القضاة المعنيين بحكم المحكمة الإدارية إلى وظائفهم.
ويواجه القضاة المعزولون بقرار الرئيس سعيد، اتهامات بالتستر على قضايا إرهاب وتعطيل تتبع ملفات المشتبه بارتكابهم جرائم منها قضايا ملف الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية.
من بين أولئك القضاة المدعي العام البشري العكرمي؛ المتهم في التستر أثناء التحقيق على قضية الاغتيالات السياسية، التي طالت شخصيات يسارية عام 2013.
تحد لإصلاح القضاء
وبحسب مراقبين تونسيين، فإن قرار المحكمة الإدارية بوقف تنفيذ قرار عزل 50 قاضيا من أصل 57 قاضيا، يعتبر "تحديا صارخا" لكل المحاولات الإصلاحية التي من شأنها إصلاح هذا الجهاز "الهام".
وأكد مراقبون أن "القضاء التونسي بعد 2011 متهم بتنفيذ أجندات حركة النهضة التي حكمت البلاد طيلة العشرية الماضية، وتستر عدد منهم على شخصيات إخوانية متهمة في قضايا إرهابية ولعل أبرزهم راشد الغنوشي زعيم إخوان تونس".
وتتهم هيئة الدفاع عن المعارضين الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، القضاء التونسي بالتستر على "إرهابيين" متورطين في الاغتيالات السياسية التي عصفت بالبلاد.
وتُتهم حركة النهضة بالتورط في اغتيال المعارضيْن السياسيين بلعيد والبراهمي في 2013 عندما كانت تترأس الحكومة ويشرف اثنان من أبرز قيادييها على وزارتيْ الداخلية والعدل.
انتقادات متكررة
وقال نجيب البرهومي الناشط والمحلل السياسي في حديث لـ"العين الإخبارية" إن القضاء التونسي واجه خلال السنوات الماضية انتقادات متكررة بسبب التأخير في حسم قضايا هزت الرأي العام التونسي، بينها قضية الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية، واغتيال القياديين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
ورأى المحلل السياسي، أن القضاء التونسي "اهتزت صورته" بعد 2011، بسبب "تورط" بعض القضاة مع حركة النهضة، بعد أن قدموا "خدمات مخالفة" للقانون لها في تونس.
وأشار إلى تورط القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري في "تدمير" قطاع القضاء بعد أن تقلد منصب وزارة العدل سنة 2012، وأرسى قضاءً تابعاً للنهضة من خلال فصل 82 قاضيًا دون تحقيق أو تدقيق ووضع قضاة موالين للإخوان.
المحلل التونسي لفت أيضا، إلى أن "الجهاز السري لحركة النهضة المتورط في العديد القضايا، ومنها الاغتيالات السياسية، كان يتمتع بحماية قضائية عن طريق عدد من القضاة الذين تم عزلهم."
تطهير القضاء
تصريحات البرهومي وافقها، عبدالمجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي والذي قال إن القضاء التونسي يحاول "تحدي" قرارات قيس سعيد بإعادة خمسين قاضيًا لعملهم، رغم تورطهم بالأدلة والحجج في قضايا فساد وتستر على ملفات "إرهابية" وغيرها من التهم.
وحذر في حديث لـ"العين الإخبارية" من أن التأخير في ملف تطهير القضاء من شأنه أن "يعطل مسار 25 يوليو/تموز الإصلاحي؛ لأنه لا يمكن بناء جمهورية جديدة دون إرساء كامل لمبادئ العدالة والمساواة".
وشدد على أن الإصلاح داخل الجهاز القضائي لا يمكن أن يحصل دون محاسبة أذرع النهضة المتغلغلة صلب القضاء؛ "لأن حركة النهضة تعمل حاليا على إحراج قيس سعيد وإخراجه في صورة أنه غير قادر على الإصلاح وعلى تنفيذ أي قرار يصدره".
وفي 25 يوليو/تموز 2021، كان التونسيون على موعد مع إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد سلسلة إجراءات استثنائية في مسعى لإنقاذ البلاد من تغول الجماعة الإرهابية.
وتضمنت قرارات سعيد، تعليق عمل البرلمان الذي هيمنت عليه حركة النهضة الإخوانية بزعامة راشد الغنوشي الذي كان يتولى حينها رئاسة المجلس، كما أعفى رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وفي التاريخ نفسه من العام الجاري، جرى التصويت لصالح الاستفتاء على الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس قيس سعيد، في خطوة دشنت مرحلة جديدة يأمل التونسيون أن تكون تأشيرتهم نحو "الجمهورية الجديدة" الخالية من الإخوان.
aXA6IDE4LjExOS4yNDguMjE0IA== جزيرة ام اند امز