ساعات على قمة باريس.. تونس في محاولة أخيرة لكسر إملاءات "الصندوق"
شبّه الرئيس التونسي قيس سعيد ما تشهده بلاده بفترة قبيل الاستعمار الفرنسي محذرا من "حنين البعض الى الكومسيون المالي الذي مهد لاحقا لاحتلال البلاد".
وتأتي هذه التحذيرات، قبيل ساعات من سفره لفرنسا للمشاركة في "قمة باريس من أجل عقد مالي جديد"، والتي اعتبرها مراقبون، مواصلة رفضه للتعامل مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
وقد استحث قيس سعيد ليلة الثلاثاء، أعضاء لجنة الصلح الجزائي على مزيد العمل لاسترجاع الأموال المنهوبة الكثيرة، قائلا إن 'استرجاعها يمكن البلاد من الاستغناء عن أي طرف خارجي."
وفي 22 مارس/آذار 2022، أعلنت تونس إقرار صلح جزائي (تسوية) يتعلق بـ"الجرائم الاقتصادية والمالية" في قضايا فساد مقابل استرداد أموال، والمصالحة مع رجال الأعمال المتورطين بقضايا فساد.
وبالرغم من إعداد الحكومة التونسية لاقتراح بديل لطرحه على صندوق النقد الدولي، بعد رفض قيس سعيد الاقتراح الأول، ووصفه للشروط بـ"إملاءات الصندوق"، يواصل قيس سعيد رفضه لهذا القرض.
ومنذ أسبوع، دعا الرئيس التونسي على هامش لقاء الجانب الأوروبي إلى "العمل سوياً من أجل قلب الساعة الرملية فلا تسقط علينا شروط أو إملاءات بل يصغي إلينا من سيمنحنا قرضاً لن يجني منه التونسيون سوى مزيد من الفقر"، مضيفاً أن" على الصندوق مراجعة وصفاته وبعدها يمكن التوصل إلى حل."واقترح الرئيس قيس سعيد إلغاء الديون وتحويلها إلى مشاريع تنموية.
وللإشارة فإن الكومسيون المالي هو لجنة مالية دولية تشكلت بتونس عام 1869، تحت ضغط بعض الدول الأوربية، في ظرفية اشتدت فيها الأزمة المالية التونسية واستحال على الدولة تسديد ديونها الخارجية التي بلغت آنذاك 125 مليون فرنك. وقد وضعت هذه اللجنة تحت رئاسة الوزير المصلح خير الدين باشا، وآلت في فترة لاحقة إلى مصطفى بن إسماعيل، كما كانت تضم ممثلي أهم الدول الدائنة، وهي إيطاليا وإنجلترا وفرنسا.
فكان الكومسيون المالي أحد مظاهر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد التونسية من خلال إخضاع ماليتها للرقابة الدولية. وقسمت مداخيل البلاد إلى قسمين خصص أحدهما لنفقات الدولة والآخر لتسديد ديونها، ووقع تقييد الباي فلم يعد بإمكانه أن يمنح أي امتياز أو يعقد أي اتفاقية قرض إلا بموافقة الكومسيون المالي الذي اشتغل وكأنه وزارة للمالية. ولم يقع إلغاؤه إلا سنة 1884 أي بعد دخول الاستعمار الفرنسي إلى تونس.
و"قمة باريس من أجل عقد مالي جديد"، هي بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتستضيف خلالها فرنسا نحو 300 رئيس دولة وحكومة ومنظمات دولية، إضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني، ستنعقد يومي 22 و23 يونيو/حزيران الجاري.
وتهدف القمة إلى وضع أسس للنظام المالي الجديد بصورة تمكن العالم من التصدي لتحديات القرن الـ 21، التي تعد مكافحة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيولوجي أبرزها.
وأمس الثلاثاء، اتفقت روما وباريس على مساعدة تونس "بشكل عملي وجاد"، وفق ما أعلنت غورغيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية الثلاثاء إثر لقاء جمعها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. بدوره قال ماكرون إنه يشارك إيطاليا وجهة نظرها بشأن الحاجة الماسة لتقديم مساعدة اقتصادية لتونس في ضوء مشاكل الديون التي تواجهها.
وقد تعثرت المحادثات بين تونس والصندوق منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، وبعد أن تم التوصل لاتفاق - بعد شهور من المفاوضات - على مستوى الخبراء، فيما أعلن الرئيس سعيد لاحقاً عن رفضه القاطع لمسألة خفض الدعم التي يقترحها الصندوق؛ خشية أن يتسبب ذلك في توترات اجتماعية كبرى من شأنها أن تمس بالسلم الأهلي في البلد.
في الوقت نفسه لم تتمكن الحكومة من تدبير موارد خارجية بعد تعثر الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي للحصول على 1.9 مليار دولار مع رفض الرئيس التونسي قيس سعيد ما أطلق عليها شروط الصندوق.
يأتي ذلك في الوقت الذي يشترط فيه شركاء تونس بما فيهم الاتحاد الأوروبي الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الحصول على تمويلات.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ناجمة عن ارتفاع مستوى المديونية ليصل إلى 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل صعوبة الوصول إلى السوق المالية العالمية للاقتراض مع تراجع التصنيف الائتماني للبلاد حتى هبط إلى "c c c –" من قبل وكالة "فيتش" و"caa1" من قبل مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني.
إلى ذلك دفعت تلك الأسباب الحكومة التونسية إلى الاقتراض من السوق المحلية، وهو الأمر الذي دفع البنك المركزي التونسي إلى التنبيه من مخاطر الاقتراض الداخلي على السيولة.
في غضون ذلك تسعى تونس إلى تدبير نحو 14.9 مليار دينار (4.8 مليار دولار) من الاقتراض الخارجي مقابل 9.5 مليار دينار (ثلاثة مليارات دولار) من الاقتراض الداخلي لتغطية عجز الموازنة وسداد ديون سابقة وفق ما أفصحت عنه موازنة 2023.
وفي بداية شهر يونيو/حزيران الجاري، حذرت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري من أن حدوث أي خلل في سداد القروض الخارجية سيؤدي إلى "إفلاس الدولة"، مؤكدة في الوقت نفسه أنه "في علاقتنا مع صندوق النقد الدولي أو أي مانح آخر، الدولة لا يمكن لها أن تتخلى عن دورها الاجتماعي وليس لها أي حل بل وينبغي تنمية هذا الدور".
ويوم الجمعة، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا إن الصندوق يعمل عن كثب مع السلطات التونسية منذ فترة وأحرزنا تقدمًا كبيرًا في الاتفاق على برنامج”، في إشارة إلى المفاوضات المتعثرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 حول قرض تبلغ قيمته الإجمالية 1.9 مليار دولار أمريكي يدفع على دفعات لتونس.
ولفتت غورغيفا، في تصريح للصحفيين الجمعة على هامش مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية الأوروبي (إيكوفين) في لوكسمبورغ إلى أن تونس الآن في وضع أفضل، لأن السياحة تتعافى.
كما ثمنت المديرة العامة لصندوق النقد ما وصفتها بـالتقاليد الأوروبية القوية في التفاعل مع تونس، وقالت 'نرحب بحقيقة أن القادة الأوروبيين اتخذوا موقفًا استباقيًا بشأن تونس ونحن متفقون جدًا على أنه يتعين على تونس إجراء إصلاحات لتعزيز اقتصادها وتحسين آفاق المواطنين'.
الحلول
وأكد أستاذ الاقتصاد التونسي رابح البوراوي أن الرئيس التونسي قيس سعيد يرفض رفضا قاطعا أي إملاءات أو ضغوط على بلاده ما يعني أنه لن يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على هذا القرض الذي لا يكفي رواتب الموظفين التونسيين لمدة 3 أشهر فقط .
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الحل هو وضع برنامج إنقاذ مالي عاجل مؤكدا أن، قيس سعيد "له سلطة المراسيم وبإمكانه إصدار مراسيم معينة قادرة على توفير تمويلات".
واقترح أن يقوم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بضمان تونس لدى صندوق النقد الدولي على غرار ما تم مع أوكرانيا التي حصلت على قروض بقيمة 15 مليار دولار.
واعتبر أن تونس مطالبة هذا العام بتحصيل نحو 5 مليارات دولار في شكل تمويلات وقروض لتمويل موازنتها لهذه السنة، مؤكدا أنه بإمكان الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصاد الأول لتونس مساعدتها على تعبئة هذه التمويلات.
وأكد أن تشبيه الرئيس التونسي قيس سعيد لما تعيشه تونس بفترة قبيل الاحتلال الفرنسي هو تأكيد منه بعدم قبوله بأي شروط من شأنها أن تمس بالسيادة الوطنية.
وتابع أن المساعدات أيضا التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لوقف نزيف الهجرة غير النظامية مقابل توطين المهاجرين بتونس مرفوضة بالنسبة لقيس سعيد، ما يؤكد ذلك أن الرئيس سعيد يحاول إيجاد حلول داخلية لتعبئة موارد الدولة .
مس بالسيادة الوطنية
من جهة أخرى، قال البرلماني التونسي عبد الرزاق عويدات إن صندوق النقد الدولي بصدد الضغط على تونس للتخلي عن القطاع العام، مُشدّدا على أنّ "الإملاءات والشروط التي وضعها تُعتبر مسًّا بالسيادة الوطنية".
وبالنسبة له، فإن "صندوق النقد الدولي يريد من تونس أن تلتزم بالخيار الرأسمالي المتوحش، في حين أن الرئيس قيس سعيد يرى أن أي تحول لهذا المسار مرفوض، وهو متشبث بخيار الاقتصاد التضامني والاجتماعي".
ولفت إلى أنّ "صندوق النقد لم يُوافق على القرض، لأنّه لم يجد الضمانات التي يرغب بها على غرار بيع المؤسسات الحكومية ورفع الدعم"، معتبرا أنّ "هذه الشروط تُمثّل تدخّلاً في الشأن الداخلي لتونس".
وتابع قائلا إن "حكومة يوسف الشاهد أخلّت سابقا بالتزاماتها مع صندوق النقد ومع ذلك واصل الصندوق التعامل مع تونس، إلاّ أنّه لم يعد يقبل بسياستنا اليوم لأنه متأكد من أن مسار قيس سعيد يلتزم بخيار الاقتصاد التضامني والاجتماعي".
وأكد أن الرئيس سعيّد يرفض رفضاً قاطعاً الموافقة على بيع القطاع العام.
aXA6IDMuMTYuNDcuODkg جزيرة ام اند امز