تونس وأوروبا.. "خط أحمر" يعيد صياغة العلاقات
خط أحمر ترسمه تونس للاتحاد الأوروبي في التعامل معها ضمن سياسة جديدة تتمسك بالتعاون وترفض أي مساس بسيادتها.
نبرة حادة تعتمدها السلطات التونسية إزاء كل من يحاول المس بسيادتها والتدخل في شؤونها، في أسلوب يتبناه الرئيس قيس سعيد في التعامل مع جميع شركائه، في إطار مسار تصحيحي يشمل الداخل والخارج.
- قيس سعيد يهاجم "حلف الأعداء".. غطاء "الجوع" يخفي أهدافا سياسية
- "لا نقبل صدقات".. قيس سعيد يرفض مساعدة مالية أوروبية لتونس
سعيد الذي وصل للرئاسة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 يسعى لبناء مشروع سيادي وطني، ويرفض أي تدخلات أجنبية في طريقة حكمه وفي البلاد.
وتعرب السلطات التونسية عن انزعاجها من الاتحاد الأوروبي الذي يعد شريكها الاقتصادي الأول، حيث تعتبر أنه أخل بالالتزامات الواردة في مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين بتاريخ 16 يوليو/تموز بخصوص الهجرة غير النظامية.
كما تعتبر تونس أن الاتحاد الأوروبي لم يف بمخرجات القمة المنعقدة بإيطاليا للبحث في معالجة جماعية لجذور هذه المشكلة بما يراعي مصالح كل الأطراف.
توتر
والأربعاء، دفع قيس سعيد بالتصعيد مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى جديد بإعلانه عن إرجاع أموال منحها الاتحاد الأوروبي لتونس بعنوان مقاومة جائحة كورونا.
وأكد سعيد، في بيان أصدرته الرئاسة التونسية، أن "هذه الطريقة فيها مساس بكرامتنا وفرض أمر واقع لم تقع حتى استشارتنا فيه، فشعبنا يرفض المنة تحت أي عنوان ولا يقبل إلا بالتعامل في إطار روح شراكة استراتيجية تقوم على الندية والاحترام".
والمبلغ موضوع التوتر الجديد بقيمة 60 مليون يورو، ويتعلق ببرنامج مساندة لجهود الحكومة التونسية للتخفيف من تداعيات الوباء وتحقيق الانتعاش الاقتصادي بعنوان سنة 2021.
وفي 22 سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت المفوضية الأوروبية مباشرتها الفورية "بصرف 127 مليون يورو (نحو 135 مليون دولار)، لصالح تونس، بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا.
وقبل أيام، أعلنت المتحدثة باسم المفوضية آنا بيزونيرو أنّه تم ارسال أموال بقيمة 60 مليون يورو إلى تونس على شكل مساعدة مالية لدعم موازنتها، إلى جانب حزمة مساعدات تم الاتفاق عليها في مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في يوليو/تموز الماضي بخصوص مكافحة الهجرة غير النظامية.
لكن قيس سعيد رد قبل أسبوع بأن تونس تقبل بالتعاون ولكنها لا تقبل ما يشبه المنّة أو الصدقة"، مؤكدا رفض بلاده لما تمّ الإعلان عنه في الأيام القليلة الماضية من قبل الاتحاد الأوروبي، ويقصد الـ60 مليون يورو.
وعلى الرغم من ذلك صرّحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية آنا بيزونيرو، الإثنين، أن الاتحاد لم يسترد الأموال الممنوحة لتونس والتي رفضتها الحكومة التونسية.
تعامل بندية
قيس سعيد، الذي يملك ورقة هامة في التفاوض وهي ملف الهجرة غير النظامية، يريد التعامل بندية مع الجانب الأوروبي لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى شمال البحر المتوسط.
ويرى مراقبون أن سعيد يرفض جميع الضغوط الأوروبية بأن تكون بلاده حارسا حدوديا في البحر لمنع تدفق المهاجرين، ما جعل الاتحاد الأوروبي يناور بخصوص اتفاقية الشراكة المبرمة بين الجانبين.
وفي يوليو/تموز الماضي وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية.
ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية.
وقال حسن التميمي، الناشط السياسي التونسي، إن تونس كانت واضحة من خلال إبرام اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لمنع تدفق المهاجرين إلى إيطاليا.
وأضاف التميمي، في حديث لـ"العين الإخبارية" "لكن مناورات الاتحاد الأوروبي من أجل ابتزاز تونس باعتبارها تمر بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة هو ما أثار غضب قيس سعيد، لذلك رفض تلك الأموال التي اعتبرها زهيدة وبمثابة المنة والصدقة وهو ما يتعارض مع الاتفاقيات السابقة".
وأوضح أن "رفض قيس سعيد لهذه الأموال ليقول إن بلاده ليست في موقف ضعف، وأن الأزمة المالية التي تعيشها البلاد لا تعني التنازل والخنوع وطأطأة الرؤوس، لكن دون التخلي عن اتفاق الشراكة الشاملة، أو التراجع عن التزامات تونس في مواجهة مهربي البشر".
وبحسب الخبير فإن حالة التوتر بين الجانبين الأوروبي والتونسي ليست فقط في علاقة بالأزمة المرتبطة بملف الهجرة وإنما على خلفية الانتقادات الأوروبية في المشهد السياسي التي تعتبرها تونس تدخلا مرفوضا في شؤونها الداخلية.
وتابع أن "الاتحاد الأوروبي سبق أن انتقد السلطات التونسية بخصوص سجنها لقيادات إخوانية لارتكابهم جرائم بحق الشعب، إلا أنها تعبرهم ضحايا سياسيين".
حرب تصريحات
لم يتوقف التصعيد عند هذا الحد، حيث أعلن وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، الأربعاء، أن تونس أعادت الدعم المالي الذي حصلت عليه من الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، قائلا إن تونس "لا تستجدي أحدا".
وأضاف عمار "الأموال التي دخلت البنك المركزي من الاتحاد الأوروبي تمت إعادتها يوم الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول (الجاري)".
ولفت إلى أن "الاتحاد الأوروبي تعامل بمواربة وأنباء خاطئة ومموهة للرأي العام فهي أموال من فترة جائحة كورونا واليوم يبعثون بها بعنوان 2023، فرددنا لهم الأموال وقلنا لهم حذاري من مواصلة التمويه".
وتابع محذرا "رددنا عليهم أموالهم وقلنا لهم حذاري من مواصلة التمويه ونشر الوثائق المسربة فإننا إذا عدتم عدنا لكم بكشف مزيد من الحقائق ليست في مصلحتكم".
ومشددا "نحن لا نستجدي أحدا.. العالم لا يقتصر على هذا الشريك أو ذاك".
فتور
منذ أسبوعين، أعلن خلال اجتماع مجلس الأمن القومي تكليف وزارة الخارجية بإبلاغ الجانب الأوروبي بقرار تأجيل وفد من المفوضية الأوروبية لتونس إلى موعد لاحق يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، وفق بيان أصدرته الرئاسة التونسية.
وكان قيس سعيد قد عبّر عن رفضه التام استقبال بلاده وفودا أجنبية، وصفها "بتفقديات الاستعمار".
وقال في كلمة مصورة إن "على هذه الجهات أن تكف عن لعب دور الوصاية وإرسال موفديها للرقابة وكأننا مستعمرون".
وأضاف: "سنعاملهم بالمثل، ولن نقبل أن يتطاولوا على سيادتنا، لأننا نعمل في إطار الشفافية أكثر من هذه الدول التي نعرف جيدا محطات من تاريخها عندما احتلوا دولا أفريقية".
وأكد سعيد أن "تونس لا تقبل بالتدخل في شؤونها الداخلية"، متسائلا: "هل توجد دولة في العالم تقبل بأن يكون على أرضها أشخاص خارج الأطر القانونية؟.. نحن شعب له سيادته وكرامته".
وبعد إعلان تونس تأجيلها زيارة الوفد الأوروبي، أكّدت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، في تصريحات لوكالة نوفا الإيطالية للأنباء، وجود اتصالات منتظمة على المستويين السياسي والتقني بين المفوضية والحكومة التونسية لدراسة أنسب وقت للزيارة.
ومؤخرا.. رفضت تونس أيضا زيارة وفد يتكون من 5 برلمانيين من لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي كان من المقرر أن تمتد زيارتهم من 14 إلى 16 سبتمبر/أيلول الحالي، للاطلاع على الوضع السياسي الراهن والاتصال بمكونات من الإخوان والمجتمع المدني، بحسب مصادر تونسية مطلعة.
aXA6IDE4LjIxOC4zMS45MSA= جزيرة ام اند امز