زيارة أردوغان إلى تونس.. الأسباب والتداعيات
زيارة أردوغان الأخيرة إلى تونس جاءت كاشفة لدور جماعة الإخوان الإرهابية في الأزمة الليبية وللتحرك التركي لتحقيق مكاسب إقليمية
توالت في الأسابيع الأخيرة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعادية لمصر، وتزامن ذلك مع إجراءات تركية متعددة تستهدف المصالح المصرية.
ولعل من أهم هذه الإجراءات، الاتفاق الأمني والعسكري وتعيين الحدود البحرية بين تركيا ورئيس ما يسمى بحكومة الوفاق فايز السراج.
وأعقب هذه الإجراءات تصريحات أطلقها حول رفض كافة الاتفاقيات الموقعة بين مصر وكل من قبرص واليونان والاستعداد للتمركز العسكري في ليبيا لمواجهة الجيش الوطني الليبي.
وكان آخر هذه التحركات الزيارة التي قام بها أردوغان لتونس في 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، والتي اصطحب معه خلالها كل من وزير الدفاع ورئيس المخابرات التركي.
وفي إطار تقييم مجمل للتحركات والمواقف التركية خاصة التي تستهدف مصر، يُشار إلى الاعتبارات التالية:
-لدى أردوغان استراتيجية للحركة الإقليمية محددة المعالم تبلورت في السنوات الأخيرة.
وأصبحت مصر محورا أساسيا لهذه الاستراتيجية منذ ثورة 30 يونيو/حزيران عام 2013 والتي أسقطت حكم تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، التي يعتبر أردوغان الراعي الرئيسي لها.
-تتخذ الحركة التركية العديد من المسارات والمستويات تستهدف جميعها في النهاية أن تصبح تركيا دولة إقليمية عظمى.
وذلك من خلال امتلاك عناصر وأدوات قوة في الملفات الرئيسية ذات الاهتمام، والقضايا والنزاعات القائمة في المنطقة لا تكفل لها تحقيق ذلك فقط، ولكن تسمح لها بالحوار مع القوى الكبرى المعنية بتطورات المنطقة.
-هناك قلق تركي من التحالف المصري مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
هذا التحالف الإقليمي الموجه للاستراتيجية التركية والرافضة لتوظيف ما يُسمى مجازاً "بالإسلام السياسي" كغطاء لمصالح تركية ضيقة تخترق الأمن القومي العربي بصفة عامة والأمن القومي لتلك الدول بصفة خاصة.
- تمثل مصر هدفًا رئيسيًا لأردوغان بصفة خاصة، لأن ثورة 30 يونيو هدمت طموح أردوغان لإنشاء إمبراطورية إقليمية تستوعب خلالها تركيا الدول الإقليمية المؤثرة، خاصة مصر، وهو الطموح الذي تبناه التنظيم الدولي للإخوان.
وبالتالي يسعى منذ ذلك الحين لحصار مصر في دوائر مختلفة ومنعها من استعادة مكانتها الإقليمية كقوة مُحركة للأحداث.
وتعددت مجالات الحركة على هذا المستوى سواء في دوائر الأمن المباشر للأمن القومي المصري سواء في البحر الأحمر وبعض دول حوض النيل.
وكان آخرها ما يجري في ليبيا، والتي تعتبر من وجهة نظر تركيا نقطة تمركز تهدد الأمن القومي المصري بصورة كبيرة. وبغض النظر عن عدم قانونية ما تم توقيعه من اتفاقيات أمنية وعسكرية وتعيين للحدود البحرية مع ليبيا.
إلا أنها تستهدف في النهاية تثبيت وفرض أمر واقع يكفل لتركيا أن تكون ليس فقط طرفا داعما لجناح ليبي ولكن أن تكون طرفا في أي تطورات قادمة، ومحاولة تشريع تمددها في ليبيا من خلال غطاء قانوني، ودعم جناح الإخوان في ليبيا للتأكيد على استمرار الحضور الإقليمي للتنظيم.
وتأتي زيارة أردوغان إلى تونس لتكشف عن محور الحركة في الأزمة الليبية وللتحرك التركي لتحقيق مكاسب إقليمية بصفة عامة.
وفي محاولة لتقييم أبعاد هذه الزيارة من الضروري الإشارة لعدد من الاعتبارات الجديرة بالاهتمام خاصة ما يلي:
- إن الرئيس التونسي قد فاز في الانتخابات بمساندة واضحة من جانب حركة النهضة الإخوانية، كما أن الحركة هي الكتلة الأكبر داخل البرلمان التونسي.
وبالتالي فإن تأثير تنظيم الإخوان لا يزال مؤثرًا داخل النظام السياسي التونسي، ويرتب مناخًا يسعى أردوغان لاستثماره لدعم تحركه في ليبيا وفي المنطقة بصفة عامة.
- لقد سبق هذه الزيارة استقبال الرئيس التونسي لرئيس مجلس الرئاسة الليبي فايز السراج، بعد توقيعه للاتفاقيات مع تركيا في دلالة واضحة على طبيعة الموقف التونسي منها.
كما سبقها كذلك استقبال الرئيس التونسي لوفد من زعماء قبائل في المنطقة الغربية الليبية يرتبطون ويؤيدون حكومة الوفاق، وكذلك أحد كبار زعماء جماعة الإخوان الليبية.
- أعقب هذه الاستقبالات، إعلان الرئيس التونسي عما يُسمى بمبادرة سلام في ليبيا من خلال مبادئ عامة غير واضحة، لم تشر إلى دور دول الجوار، مُتجاهلًا أن هناك لجنة ثلاثية مصرية تونسية جزائرية معنية بتطورات الأزمة الليبية.
ومن الملفت وصول وفد ليبي برئاسة السراج إلى تونس فور وصول أردوغان ومباركة الرئيس التونسي للاتفاقيات الموقعة بين ليبيا وتركيا.
هكذا نرى أن المناخ مناسب لعلاقات متطورة بين تركيا وتونس ولعل في تشكيل الوفد التركي ما يُشير بوضوح إلى عناصر الحركة التركية على هذا المستوى خاصة ما يلي:
- تمتلك المخابرات التركية علاقات قوية بالتنظيمات الإرهابية في سوريا، والدلائل على ذلك كبيرة ومنشورة سواء التي انتمت لداعش أو إلى تنظيم القاعدة.
ويكتسب التعاون المُرجح أن تطرحه تركيا على تونس بهذا الخصوص أهمية كبيرة بالنظر إلى أن هناك أكثر من ألف إرهابي تونسي لا يزالون ينتشرون في المناطق التي تهيمن عليها تركيا في شمال سوريا.
هناك أخبار متداولة حول قيام المخابرات التركية بتجميع عناصر إرهابية من التنظيمات في شمال سوريا الأيام الماضية معظمهم ينتمي إلى دول عربية خاصة من شمال أفريقيا وترحيلهم إلى ليبيا ليكونوا مقدمة للانخراط التركي في الأزمة.
- من الواضح أن التحركات التركية الأخيرة تكشف عن ملمحٍ جديدٍ من استراتيجية أردوغان التي تستهدف تكثيف الانتشار الإقليمي ومصر بصورة أساسية، لتكثيف النفوذ التركي غرب المتوسط وخلق مصالح مشتركة مع تلك الدول.
- كما أن أحد جوانب هذه الاستراتيجية فتح مجالات جديدة للاستثمار المشترك وفرص للشركات التركية يمكن أن تساهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تعاني منها تركيا، ويرتب كل ذلك مناخًا مواتياً للعلاقات السياسية.
- الحركة التركية طبقًا لما سبق يمكن أن ترتب تداعيات سلبية على السياسة المصرية في شمال أفريقيا ودول الجوار الليبي وتمثل عقبة، في حال تطورها، على السعي المصري للتطوير الإيجابي في العلاقات المصرية خاصة مع كل من الجزائر والمغرب.
الخلاصة، أنه من المتوقع مواصلة أردوغان تحركاته المعادية لمصر ومحاولة زيادة التوتر في مناطق تمس الأمن القومي المصري.
ومن المتوقع أيضا افتعال قضايا للمواجهة للخروج من عزلته التي فرضتها عليه مصر من خلال استبعاده من منتدى غاز شرق المتوسط، ومحاصرة نفوذه الإقليمي خاصة وأن توقيع إسرائيل واليونان وقبرص لخط نقل الغاز الإسرائيلي "إيست ميد" عبر البلدين قد أضاف لتوترات أردوغان توترًا إضافيًا.
وفي التقدير ألا يذهب أردوغان لمواجهة عسكرية مباشرة مع مصر والتمركز العسكري الفعلي في ليبيا. في المرحلة الحالية سيواصل تقديم دعم كبير للقوات التابعة للسراج.
وذلك ليمتلك مزيدا من التأثير في الأزمة ومحاولة موازنة الدور والنفوذ المصري، من خلال نسج نوع من الغطاء من دول إقليمية الأمر الذي يتطلب تحركا موازيا مع هذه الدول في سياسة استباقية للحركة التركية.
وسوف تتواصل التحركات الإقليمية لأردوغان وتتفاعل مع القضايا والأزمات في المنطقة، وذلك لتحقيق مكاسب شعبية داخلية يواجه بها الأزمة المتصاعدة خاصة داخل حزبه والتي تعدد سلطاته المطلقة في ظل الاستقطاب الإقليمي الحالي.
وتعتبر محاولة تشكيل تجمع إسلامي موازٍ لمنظمة التعاون الإسلامي بضم دول ذات الروابط الإخوانية تحركًا إضافيًا في هذا المجال لم ينتج بلورته حتى الآن.
إلا أنه يُشير إلى محور آخر في استراتيجية تجاه الإقليم والعالم الإسلامي سوف يستمر لتوفير متطلبات الدولة الإقليمية العظمى والتأثير على مجالات حركة الدول الإقليمية المختلفة مع سياساته.