خبراء يؤكدون أن رفض الرئيس التونسي الإقامة بقصر قرطاج والتنقل يوميا لمنزله عبء كبير على موازنة الدولة، وتناقض مع وعوده بالتقشف
أثارت تكاليف إقامة الرئيس التونسي قيس سعيد وتنقلاته جدلا كبيرا لدى الرأي العام، لإصراره على رفضه المبيت في قصر قرطاج كما دأب على ذلك الرؤساء منذ استقلال البلاد عام 1956.
- تجاهل قيس سعيّد للإعلام التونسي يثير الغضب
- أسبوع على رئاسة قيس سعيد.. إقالات وزارية ومساعٍ لحكومة ائتلافية
ولم يعلل سعيد، الذي تم انتخابه في 13 أكتوبر/تشرين الثاني، بشكل رسمي الأسباب الكامنة التي تدفعه إلى البقاء في منزله الخاص بمنطقة "المنيهلة"، في أحد ضواحي العاصمة تونس.
وتتسبب حركة تنقله يوميا في إغلاق الطرقات وتوقف كبير لحركة السير، فضلا عن تكاليف التنقل.
وقدرت مصادر من الأمن الرئاسي، في تصريحات إعلامية سابقة، أن "تكلفة التنقل تزيد عن 60 ألف دولار شهريا، وهو رقم ضخم حسب عديد المراقبين.
ويتناقض هذا المبلغ الكبير مع خطاب الرئيس المعلن أثناء حملته الانتخابية ورسائله المتعددة، بأنه "سيتبع سياسة من التقشف والزهد في مصروفاته".
ويتوقف الطريق الرابط بين منزل سعيد والقصر الرئاسي بقرطاج يوميا لمدة 3 ساعات بشكل كامل، مما يحدث شللا في جزء من محافظة "أريانة"، وهي المحافظة المحاذية لتونس العاصمة.
إهدار للمال العام
ويؤكد الخبير الأمني المتقاعد من الحرس التونسي عبدالإله الزمرلي، لـ"العين الإخبارية"، أن "التكلفة الإجمالية لتنقل الرئيس قد تتجاوز 60 ألف دولار شهريا، لأن عملية تنقله تحتاج إلى تحضيرات لوجستية يومية، وإلى استنفار أمني من خلال تكثيف المراقبة الكاملة لحركة تنقله تفاديا لأي خطر إرهابي".
وأضاف أن "عملية تنقله تحتاج إلى مراقبة جوية استعمال ثلاث مروحيات، إضافة إلى أكثر من 10 دراجات نارية، وفي ذلك كلفة إضافية لعملية حراسة الرئيس".
وبين أن "المسافة التي تفصل منزل الرئيس عن قصر قرطاج تتجاوز 20 كيلومترا، وهو ما يتسبب بشلل في الحركية الاقتصادية اليومية للمدينة، وفي ذلك أضرار أيضا بمصالح التجار والأهالي".
وتابع الزمرلي بأنه "لا يوجد تفسير يبرر هذا الإهدار للمال العام من قبل رئاسة الجمهورية، للإصرار على البقاء في منزله الخاص"، معتبرا أن "رئيس الجمهورية من واجبه الانضباط لنواميس الدولة والإذعان لمؤسساتها، كما جرت عليه المراسم المنظمة لإقامة الرؤساء".
قصر قرطاج.. مسكن الرؤساء
وأوضح أن "قصر قرطاج مسلح بالمعدات الأمنية اللازمة لحماية الرجل الأول في الدولة التونسية، وقد كان مقرا للرؤساء الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي والمنصف المرزوقي والباجي قايد السبسي، لأنه يمثل المركز التاريخي للرئاسة وهيبة الدولة".
وذكر الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أنه طلب في بداية فترته الرئاسية البقاء في منزله، في ضاحية "سكرة"، قبل أن يعدل عن طلبه بمجرد معرفة تكاليف التنقل العالية.
وتقدر ميزانية الرئاسة التونسية من خلال الموازنة العامة للدولة لسنة 2019 بـ123 مليون دينار (قرابة 40 مليون دولار).
وقد أطلقت مجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" نداء إلى رئيس الجمهورية بملازمة الإقامة في قصر قرطاج، حتى لا يتسبب موكبه في إغلاق الطرقات وإدخال المدينة في حال من الاختناق المروري الدائم.
شعبوية أم سوء تقدير؟
ويقول منجي العبدلي، القيادي في الحزب الدستوري الحر، إن "إصرار قيس سعيد على التنقل يوميا من قصر قرطاج إلى منزله لا يمكن أن فهمه إلا من باب الشعبوية السياسية (محاولة كسب ود الطبقات الشعبية)، دون أي مضمون فعلي يفيد المجتمع والناس".
وأوضح، في حديث لـ"لعين الإخبارية"، أن "قرابة مليون ساكن في الضاحية الشمالية للعاصمة يتذمرون يوميا من موكب رئيس الجمهورية والتوقف الشامل لحركة السير صباحا ومساء"، معتبرا أن "على قيس سعيد احترام شعبه فعلا، وليس مجرد خطاب سياسي".
وأشار العبدلي إلى أن "التكلفة العالية للتنقل ستخلق له صورة المبذر للمال العام لدى الشعب، داعيا مستشاريه إلى نصحه بالإقامة في قصر قرطاج، لأن في ذلك فائدة كبرى له وللشعب.
وتفيد مصادر من الكتل البرلمانية المعارضة أنه سيتم طرح موضوع إقامة الرئيس خلال مناقشات الموازنة العامة للدولة في الأيام المقبلة، والدعوة له بالامتثال لما يقره البروتوكول الرئاسي، حتى لا ترتفع تكلفة إقامة الرئيس في بلد يعيش أزمة اقتصادية حادة.