عامان على اجتثاث الإخوان.. تونس تتنفس "سياسة نظيفة"
مساء 25 يوليو/تموز من عام 2021، ألقى الرئيس التونسي قيس سعيّد، حجرا في مياه راكدة، وغير وجه تونس 180 درجة، بقرار جريء.
إذ دشن قرار سعيد، تجميد برلمان الإخوان، قبل حله في وقت لاحق، وإنهاء عشرية الاضطراب تحت حكم الجماعة الإرهابية، مسيرة خلاص تٌوجت بسجن زعيم الجماعة، راشد الغنوشي في أبريل/نيسان ماضي، وفتح ملف المحاسبة.
عامان مرا على إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 الاستثنائية واختيار قيس سعيد قيادة السفينة بنفسه والدخول في صراع مع التنظيم الذي لا يزال يحاول يائسا العودة للحكم.
ففي مساء 25 يوليو/تموز 2021، قرر سعيد تجميد عمل البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة وإعفاء رئيس الحكومة، مستخدما في ذلك فقرات قانونية بعينها، وما يسمح به الفصل 80 من الدستور، فضلا عن دعم شعبي كبير.
وجاءت هذه القرارات إثر احتجاجات عارمة وصلت لجميع المحافظات التونسية، وتم خلالها حرق مقار حركة النهضة الإخوانية، وطالب خلالها المتظاهرون بوضع حد لجماعة الإخوان التي عاثت فسادا في البلاد.
كما جاءت القرارات التاريخية بعد حوالي عامين من وصول الرئيس قيس سعيد للحكم، حيث وجه عدة رسائل لكافة الأطراف السياسية وتحذيرات لحزب النهضة الإخواني والكتل البرلمانية الموالية له والتي اتهمها بمحاولة تفجير الدولة من الداخل ونهب المال العام والعمل على تقسيم التونسيين وإفقارهم.
ووصل سعيّد أستاذ القانون الدستوري المستقل، إلى الحكم في 2019 بعد فوزه في انتخابات رئاسية مبكرة بنسبة 72,71 %، ليصبح ثاني رئيس لتونس ينتخب بالاقتراع المباشر منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 2011.
ومنذ إعلانه إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد عدة إجراءات وأصدر عددا من القوانين الاستثنائية التي أدت إلى تغيير المشهد السياسي.
أبرز الإجراءات
ففي شهر سبتمبر/أيلول 2021، علق الرئيس سعيد العمل بدستور الإخوان الصادر عام 2014، من خلال إصدار مرسوم رئاسي منظم للسلطات، وهو المرسوم الذي حمل رقم 117.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، عين سعيد، نجلاء بودن رئيسة للحكومة، وشكل حكومة جديدة كما شرع في محاسبة عدد من البرلمانيين والسياسيين المتورطين في قضايا الفساد المالي والإرهاب، ومنع رجال أعمال ورؤساء أحزاب ومنظمات وقضاة وإعلاميين ومحامين من السفر.
وفي منتصف يناير/كانون ثاني 2022، أطلق الرئيس سعيد، الاستشارة الوطنية الإلكترونية حول الدستور والنظام السياسي والاقتصادي.
وفي الشهر التالي مباشرة، قرر سعيد، حل المجلس الأعلى للقضاء عبر مرسوم رئاسي، وأقر استبداله بمجلس قضائي مؤقت معين، وذلك لإبعاد قضاة الإخوان المتسترين على القضايا الخطيرة المتورط فيها قيادات الجماعة، وأبرزها الاغتيالات السياسية وقضايا التسفير إلى بؤر الإرهاب والتخابر على أمن الدولة.
وفي مارس/آذار 2022، قرر سعيّد حل البرلمان بشكل نهائي، وذلك على خلفية عقد جلسة عامة للبرلماني برئاسة رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، أقرت إبطال العمل بالتدابير الاستثنائية التي وضعها سعيد، قبل أن يقرر بعدها حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتعديل قانونها وتعويضها بـ 7 أعضاء معينين من قبل الرئيس.
وفي 25 يوليو/تموز 2022، تم تنظيم استفتاء على مسودة الدستور، ليتم اعتماده بأغلبية شعبية، ويترتب على ذلك صدور مرسوم في 15 سبتمبر/أيلول 2022، بتعديل القانون الانتخابي، من خلال فرض نظام الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، مع خفض عدد مقاعد البرلمان إلى 161 نائباً.
وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، نظمت تونس الانتخابات التشريعية التي أسفرت عن برلمان خال من ممثلين لجماعة الإخوان الإرهابية.
ومنذ 11 فبراير/ شباط الماضي، نفذت السلطات التونسية حملة توقيفات شملت قادة حزبيين وقاضيين ورجل أعمال ومحامين ونشطاء، بتهمة ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار والتخطيط للانقلاب عن الحكم".
وفي 13 مارس/آذار الماضي، فتح مجلس نواب الشعب أبوابه مجددا لاستقبال نوابه المنتخبين حديثا في أول جلسة، دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيد وفق أمر رئاسي نشرته الجريدة الرسمية للدولة.
وفي 17 أبريل/نيسان 2023،ألقت السلطات التونسية القبض على زعيم إخوان تونس، راشد الغنوشي، بتهمة التآمر على أمن الدولة.
الذكرى الثانية
في 25 يوليو/تموز الجاري ستحتفل تونس بمرور عامين على تأسيس الجمهورية الجديدة بعد سقوط حركة النهضة الإخوانية.
وقال زهير حمدي أمين عام حزب التيار الشعبي إن حزبه سيكشف في يوم الذكرى الثانية للقرارات الاستثنائية ونهاية عشرية الإخوان، عن الأسماء المتورّطة في اغتيال مؤسس حزب التيار الشعبي الراحل محمد البراهمي.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنه يمتلك جميع الأجوبة عن هوية قتلة البراهمي، وتابع قائلا "نحن نملك جميع الحيثيات والأسماء وكله بالوثائق والحجج والبراهين".
وعبر عن رضاه عن مسار المحاسبة الذي انطلق في 25 يوليو/تموز 2021، والذي تم من خلاله تطهير القضاء وفتح الملفات القضائية التي تم التستر عليها من أجل إخفائها والإفلات من العقاب، خلال حكم الإخوان.
من جهة أخرى، قال نجيب البرهومي المحلل السياسي التونسي، إن مسار 25 يوليو/تموز كان في أغلبه فرصة للتونسيين الذين تضرروا من حكم الإخوان.
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أنه "مر عامان منذ تأسيس مسار قيس سعيد الإصلاحي تم خلالهما إصلاح القضاء وتغيير دستور الإخوان الذي وضع على المقاس خدمة لمصالح التنظيم، كما تمت محاسبة رموز الفساد".
وتابع قائلا: إن "مسار 25 يوليو/تموز 2021، يحمل الكثير من الإيجابيات حيث تم تنظيم الحياة السياسية لكن إلى حد الآن لم يتم إيجاد حلول اقتصادية لإخراج البلاد من حالة الوهن الاقتصادي".
من هو قيس سعيد؟
ولد الرئيس قيس سعيد في 22 فبراير/شباط 1958 لعائلة من الطبقة الوسطى من أب موظف وأم ربة منزل، درس بالجامعة التونسية وتخرج فيها ليدرّس فيها لاحقا مادة القانون الدستوري، قبل التقاعد في 2018.
بدأ سعيد حياته بمسار تعليمي ناجح في أبرز الجامعات التونسية، إذ حصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية سنة 1985 وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري سنة 1986 ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بإيطاليا سنة 2001، ليصبح واحدا من أهم الأسماء البارزة في المجال القانوني والدستوري بتونس.
وكرّس سعيّد حياته في مهنة التدريس، حيث باشر تدريس القانون في جامعة الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمحافظة سوسة وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام بين 1994 و1999، لينتقل لاحقا إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة حيث عمل هناك حتى عام 2018، وكان ضمن فريق الخبراء للأمانة العامة لجامعة الدول العربية الذي أعد ميثاق الجامعة العربية.
وبعد 2011، كان هذا الرجل من الأسماء التي اكتشفها التونسيون بسبب ظهوره المتكرر على وسائل الإعلام لشرح وتحليل المسائل القانونية والدستورية المرتبطة بالقضايا السياسية، وقد تلمّسوا فيه شخصية مختلفة ليصبح هذا الرجل قائد مسار إصلاحي يخرج البلاد من مآسي الإخوان.
وأظهر آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ”امرود كونسولتينغ”، تقدّم رئيس تونس، قيس سعيّد لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية، بنسبة 68.7 %.
وحلّ سعيّد في المرتبة الأولى بفارق كبير جدّا عن عبير موسي التي حلّت ثانية بـ 8 %، ويليها الصافي سعيد بـ 7.6 %وحلّ رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي في المرتبة الرابعة بنسبة 4.8 %.
aXA6IDMuMTI4LjE5OC45MCA= جزيرة ام اند امز