تبدو البلاد مجمدة عمدا خوفا من السقوط، وظن الناس في البداية أن أساس المشكل كان رأس البلاد فقطعوه،
"ظننا أننا قضينا على الإرهاب لكن في الحقيقة نتمنى أن لا يقضي هو علينا".
كانت هذه بداية التصريحات التي أدلى بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي فور وصوله إلى برلين، وعندما وصله خبر التفجير الانتحاري الذي قامت به إرهابية في قلب تونس النابض، والشارع الرئيسي لعاصمتها شارع الحبيب بورقيبة.
وأضاف الرئيس التونسي أن المناخ السياسي سيء ...وأن تشبث السياسيين فقط بـ(الكراسي) ألهاهم عن الأهم وهو أن يعيش الشعب بخير وأمن".
ولعل رسالة الرئيس التونسي لا تحمل ما يبعث الطمأنينة لشعب يهزه من حين لحين عمل إرهابي من الدخلاء على تونس بأيدولوجيات غريبة عنها، إلا أن الباجي قائد السبسي كان صادقا في كلماته وصارح شعبه بمخاوفه من أن يجرف المد الإرهابي التراب التونسي.
رسالة قاسية صعبة على شعب صدق الوهم السياسي، واختار نوابه مؤمنا أنهم من سيحققون له الأمن والعيش الكريم، ليراهم بعين اليقين يتخلون عنه وينشغلون بمناصبهم ومصالحهم، فاتحين أبواب البلاد وحرمتها لينتهكها الإرهاب العاصف من كل حد وجنب.
ومنذ المرحلة "الديموقراطية" وما بعد "ثورة الياسمين" يعيش التونسيون مرحلة من الشّك والتساؤلات التي لم يجد الشعب جوابا عليها، بين مراحل تجميد البلاد بشكل متعمد اقتصاديا وسياسيا، ثم تحريكها "إرهابيا" ليصدم الشعب.
هكذا انتهى مقالي منذ أكثر من خمس سنوات، وتونس لم تتحسن بل تسير نحو الأسوأ، الدينار تضخم، فرص العمل قلت، التعليم يتدهور نحو الأسوأ، السياسة تحولت إلى حلبة صراع بين الأيدولوجيات، فهل كان الشعب يحتاج إلى ثورة وتضحيات؟
ولم يتغير وضع تونس بل يسير نحو الأسوأ من يوم لآخر، وخير دليل أني وجدت هذه المدونة التي نشرتها في "الشرق الأوسط" شهر سبتمبر أيلول ٢٠١٣، ووجدت أن البلاد على ما هي عليه وكان هذا نصي حينها:
بين قلوب شعب تحترق حسرة، وهم يرون تونس «الخضراء» تتحول إلى قحط بلا أمل، وسياسيين يسيرون في طرقات متقاطعة بلا دليل ويتصادمون، ليكسر بعضهم البعض، ويصدمون في منجزات الدولة التي قام بها شعب متعلم تميز بالاختلاف والوعي الاجتماعي والانفتاح على ثقافات الآخرين، ليجد نفسه فجأة بعد فرحة لم تكتمل، ولم تدم غير بضعة أيام, أنه أمام عقبات لا يدري ما يفعل تجاهها.
تبدو البلاد مجمدة عمدا خوفا من السقوط، وظن الناس في البداية أن أساس المشكلة كان رأس البلاد فقطعوه، وأن إصلاح وطنهم سيتحقق بالتغيير السياسي فـ«أنجزوه» عبر انتخابات أشاد بها القريب والغريب.. لكن الإحباط والخيبة سرعان ما حلا بعدما اكتشف الناس أن الديمقراطية التي يتحدث عنها الغرب لا تناسبهم، وأنهم لبسوا ثوبا أكبر من حجمهم، فتاهوا في ظلامه وتعثروا في أطرافه، وتحول بعد فترة قصيرة إلى خيش من القماش المتسخ الذي كثرت فتوقه، بعد أن حاولوا إحداث فتحات لينظروا إلى ما حولهم.
تتحدث اليوم إلى الناس العاديين في تونس فيجيبون بأنهم لم يعد يهمهم من يحكم، هم يريدون فقط حل همومهم.. توفير القوت والعيش الكريم لعائلاتهم.
والسياسيون همّهم على كراسيهم التي باتوا يخشون التحرك منها، وتجمدوا فيها خاصة بعد انتكاسة الإخوان في مصر، والصعوبات الاقتصادية، ودوامة الديون، ولا يبدو في الأفق مخرج للوضع التونسي.
وحتى الإعلام ولأسباب تعدّدت قابليته للتوظيف السياسي، وبين قلة الاحترافية، وخلط بين مفاهيم الحرية والفوضى، خسر فرصته التاريخية منذ الجولة الأولى، وقام بأخطاء سمحت بتضييق الخناق عليه من جديد.
العجلة واقفة، وما يعبر عنه التونسي البسيط بعبارة شعبية تقول إن «البلاد دخلت في حيط (حائط)» للأسف هو ما نراه.
هكذا انتهى مقالي منذ أكثر من خمس سنوات، وتونس لم تتحسن بل تسير نحو الأسوأ، الدينار تضخم، فرص العمل قلت، التعليم يتدهور نحو الأسوأ، السياسة تحولت إلى حلبة صراع بين الأيديولوجيات، فهل كان الشعب يحتاج إلى ثورة وتضحيات؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة