تركيا تواجه اليوم تحديات جسيمة وصعوبات جمة تكمن في إخلاء مناطق وريف إدلب من الإرهابيين الأجانب، وتحديداً في المناطق المنزوعة السلاح.
تواجه تركيا اليوم تحديات جسيمة وصعوبات جمة تكمن في إخلاء مناطق وريف إدلب من الإرهابيين الأجانب، وتحديداً في المناطق المنزوعة السلاح، لكن دون أية نوايا للإرهابيين بمغادرة مواقعهم ونقاط تمركزهم في ظل إخفاق الاستخبارات التركية بإقناعهم؛ لأن ذلك يستلزم توافقات دولية ليتسنى للدول المصدرة أخذ هؤلاء وملاحقتهم قضائيا على أرضها، ودون أن تثبت أنقرة أنها متعاونة في مكافحة الإرهاب، وتلك فرصتها الأخيرة بأن تضمن تنفيذ الاشتراطات المتعلقة بالفصائل الإرهابية في إدلب.
في قمة إسطنبول تحدثت ميركل: "إننا اتفقنا على جعل الهدنة في إدلب مستقرة ومستدامة"، وهذا الأمر خطير، فهو بداية خروج عن اتفاق 17 سبتمبر الثنائي بين روسيا وتركيا باعتباره إجراءً مؤقتاً، والوقائع أثبتت أن الهدنة الدائمة مع الإرهاب غير مقبولة ولا بأية ذريعة حماية الإرهاب
وإذا كانت تركيا لا تستطيع نزع سلاح الجماعات الإرهابية، فإن مواجهتها تغدو حتمية، وفي حال تم نزع أسلحتها فإن أعداداً هائلة من الإرهابيين يتجهون إلى داخل تركيا وقد يتعرضون إلى مشاكل؛ إذ لا يمكنهم العودة إلى بلادهم، وإذا انضموا إلى المعارضة، فالأمر يبدو حينئذ أن تركيا تتعاون مع الإرهابيين، وسيتم توجيههم إلى مواقع أخرى لإحداث اضطرابات ونزاعات مع القوات السورية.
المصالح التركية واضحة في مناطق سيطرتها وسيطرة الجماعات الموالية لها في مواقع انتشارها، وما عادت تخفى على أحد، وليست دعماً للسوريين بما تحدثه من متغيرات ديموغرافية ومدنية بهدف التأثير على اتجاهات الناس في أية تسوية سياسية مقبلة، وصولاً إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو خلق واقع اجتماعي وثقافي وسياسي يتوافق مع أطماعها الجغرافية الكيانية في شمال سوريا، وفي ذلك على ما يبدو استعادة لتجربتها السابقة في سلخ لواء إسكندرون.
لقد مُنحت تركيا الفرصة ولو بشكل غير مباشر، والجميع ينتظر أن يرى السلوك التركي وبما يؤكد مواقف روسيا الضامن لمجريات التفاهمات السياسية، فتركيا هذه الأيام تستغل موضوع الهجرة والمهجرين وتضخمها وسائل الإعلام الغربية.
ترجيح سعي الرئيس الروسي في سوتشي لشراء بعض الوقت؛ لإثبات أن نزع السلاح مهمة مستحيلة، وأن الطريقة الوحيدة هي الحرب فالاتفاق تضمن تواريخ ومواعيد قريبة وقصيرة الأجل، مع تكليف تركيا بمهمة تجريد الإرهابيين من السلاح وفي مقدمتهم أسلحة هيئة تحرير الشام، وأن تطبيق الاتفاق سيكون حافلا بالمخاطر، وللطرف التركي أكثر من غيره، كونه تحمل مسؤولية التعامل مع تلك التنظيمات المتطرفة.
إدلب الساحة الجغرافية الأخيرة للمقاتلين الأجانب، ولا وجهة بعدها في الداخل السوري وحتى المنافذ المتاحة خارج سوريا أصبحت تضيق في وجه هؤلاء، والوجهة التقليدية كانت وزيرستان بين أفغانستان وباكستان، وهي المنطقة التي تسيطر عليها عملياً القاعدة، وهناك خشية من أن يتحول المسار الجديد إلى ليبيا مع وجود تقارير استخباراتية تؤكد انتقال هذه العناصر إلى ليبيا، خاصة أولئك الذين رفضوا التعاون مع أنقرة فانضموا إلى تنظيم أنصار الشريعة.
أردوغان يريد أن يسهم بإدارة السياسة الإقليمية الشرق أوسطية لحل مختلف أزماته السياسية والاقتصادية، ومهما تنوعت الطرق سلمية أو عسكرية، وإلا ما كان له التحرك ونشر آلياته العسكرية في الشمال السوري وإقامة قاعدة عسكرية في قطر، ومهما كانت الإدارة الأمريكية منزعجة من تركيا فإن أنقرة لو خيرت ما بين روسيا وأمريكا لاختارت أمريكا مباشرة.
أردوغان لا يريد دخول الجيش السوري إلى إدلب معتمداً على الدور الروسي، وإذا اصطدم مع الجيش السوري فإن موسكو ستتخذ موقفاً صارماً منه، والروس يفهمونه جيداً يدركون مناوراته وتمثيلياته منذ مسرحية دافوس ومرمرة، ومؤخراً بدأت تدريبات أمريكية تركية في منبج بهدف القيام بدوريات أمنية في محيط المدينة، وقد يعمل أردوغان على حفظ ماء الوجه باتخاذ موقف في ظل اختراقات الإرهابيين لقراراته التي بعضها قد تكون خارجة عن الطاعة الأردوغانية، وكل اهتمامه ينصب نحو إحاطة الحدود التركية بسياج من الضمانات الروسية والأمريكية.
التعقيدات التي تقف أمام تركيا في سوريا تبدو جلية كونها غير قادرة على تحقيق رؤيتها إلا عبر بوابتي اللاعبين العملاقين أمريكا وروســيا، سواء كان ذلك بالصراع أو بالاتفاق، ولم يعد يخفى على أحد الاختلافات الكثيرة بين أنقرة من جهة وموسكو وواشنطن من جهة أخرى، وأيضاً من ناحية طريقة التعاطي مع الأزمة السورية عدا عن واقع المصالح وتناقضات الاتفاقات.
تركيا عودتنا في الاتفاقات السابقة على أنها لا تلتزم ولا تنفذها إلا عنوة ومرغمة وبالهيمنة الروسية عليها، وباستخدام القوة المسلحة بشكل معين في إدلب يتم إخراج الإرهابيين منها، وبالمقابل فالدول الأوروبية تشعر بالارتياح لتجنب حدوث أزمة إنسانية، لكن هذا يبدو ارتياحاً مؤقتاً وهي مع القضاء على الإرهابيين فلا دول أوروبا ولا روسيا ولا أمريكا تود أن ترى الإرهابيين يعبرون الحدود صوب تركيا، ومن ثم إعتاقهم إلى جهات مختلفة، وأنقرة دائما تثير هذه المشكلة بنفسها من خلال ما تروجه من مواقف متباينة، وترامب أمام أعضاء مجلس الأمن قال: "أَخرجوا الإرهابيين ولكني آمل أن يستمر ضبط النفس فالعالم يراقب".
في قمة إسطنبول تحدثت ميركل: "إننا اتفقنا على جعل الهدنة في إدلب مستقرة ومستدامة"، وهذا الأمر خطير فهو بداية خروج عن اتفاق 17 سبتمبر الثنائي بين روسيا وتركيا باعتباره إجراءً مؤقتاً، والوقائع أثبتت أن الهدنة الدائمة مع الإرهاب غير مقبولة ولا بأية ذريعة حماية الإرهاب كـالنصرة وبقايا تنظيم داعش الإرهابي، وتحت ستار الأبعاد الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة