أمريكا وتركيا.. مد وجزر يتقاذف الأزمة السورية
إذا كان لا ثوابت في السياسة وهي قاعدة مستقرة ونبوءة متحققة، فلا ثبات في العلاقات الدولية، فلا صداقة مطلقة ولا عداء دائم.
وفي ظل عالم اليوم الذي يتميز بمعدلات عالية من "اللايقين"، فلا يمكن إملاء من يتحالف مع من ومن يعادي من.
والمتابع لتطور العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا سيجد أنها مرت بأزمات عديدة على مدار عدة سنوات خلت، لكن التفاهم الثابت كل مرة كان في التهدئة واحتواء الأزمات.
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، احتفظت تركيا باستقلالية في سياساتها الخارجية وعلاقاتها مع الطرفين الروسي والأوكراني ولم تظهر انحيازا واضحا، بعكس ما تريده واشنطن.
فتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مدت أوكرانيا بالطائرات المسيرة التي تعتبر حاسمة في مسار القتال، لكنها احتفظت بعلاقات سياسية ودبلوماسية قوية مع موسكو التي ابتاعتها نظام الدفاع الصاروخي إس-400 فائق التطور.
وأمام تمسك تركيا باستقلاليتها تلك، اضطرت واشنطن لقبول توجهات أنقرة، لكن عدم الرضا الأمريكي كان يبدو بين وقت وآخر.
توتر في العلاقات
أحدث تلك الشواهد التي وجهت بها أنقرة ضربة للحليف الأمريكي، كان في التقارب الأخير بين تركيا وسوريا، إلى حد ورود تقارير تتحدث عن احتمال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد.
ووفقا لتقرير نشره موقع نيوزويك، فإن نجاح جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إقناع أردوغان بالتقارب مع حكومة الأسد سبب إحباطا للولايات المتحدة التي تعادي الرئيس السوري وتعمل على تسليح قوات المعارضة.
وقبل أيام قليلة، بدا التوتر متصاعدا بين الحليفين التقليدين، أنقرة وواشنطن.
والأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده على استعداد للتنازل عن طلبها بشراء مقاتلات F-16 الأمريكية إذا كانت الصفقة مشروطة.
واتهم جاويش أوغلو "لوبي يوناني" بالتسبب في مماطلة واشنطن إتمام الصفقة.
وكان الطلب التركي بشراء المقاتلات قد تعثر في السنة الأولى من رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة.
ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، بدت واشنطن في مساع لترميم العلاقات مع كل دول الناتو، ومع سعيها لإتمام انضمام كل من السويد وفنلندا للتحالف العسكري، دون عقبات، بدت بوادر تقارب مرة أخرى مع أنقرة.
وفى قمة الحلف في يونيو/حزيران الماضي، صرح بايدن عن رغبته في موافقة الكونغرس على بيع مقاتلات F-16 إلى أنقرة، وفى اللقاء ذاته، أعلن أردوغان أن بلاده سحبت تحفظاتها على انضمام السويد وفنلندا للحلف. وقال "حصلنا على ما نريد". واعتبر مراقبون أن تلك كانت صفقة سياسية.
لكن أمريكا لم تقتصر على المماطلة في إتمام بيع المقاتلات، بل وصدر تصريح قبل يومين من الخارجية الأمريكية يؤكد على حقوق قبرص في التنقيب عن الغاز وهو ملف يسبب تقليديا إزعاجا لأنقرة.
التقارب التركي السوري
وفى غضون ذلك، تعمل أنقرة بالفعل على توطيد تفاهماتها مع روسيا في عدد من الملفات الإقليمية وعلى رأسها الأزمة السورية بما يتفق مع المصالح التركية لكنه يخالف أهواء واشنطن.
فمن بين أهم أهداف التقارب مع دمشق، هو إيجاد حل شامل للقضاء على القوات الكردية، التي بالفعل تم تسليحها من جانب أمريكا ضمن قوات سوريا الديمقراطية.
وفى المقابل، قال تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى نشر قبل أسابيع، أن مكانة واشنطن في عموم الشرق الأوسط، قد تتهدد في حال قضت تركيا على قوات سوريا الديمقراطية والجماعات المعارضة التي تسلحها واشنطن وتتمركز في منطقة التنف، حيث توجد قاعدة أمريكية في دير الزور.
وسيكوّن ذلك رسالة جديدة لحلفاء واشنطن مفادها أن التحالف مع واشنطن غير مؤمّن، وسيدفع قوات سوريا الديمقراطية والجماعات المعارضة في التنف إلى التفكير في حلول بديلة عن اعتمادهم الرئيسي على التحالف على واشنطن.
وأضاف التقرير أن الكثيرين حاليا يرون أن الولايات المتحدة لم تعد تملك مفاتيح الحلول للأزمات في الشرق الأوسط أو أن واشنطن ستضحي بحلفائها الصغار مقابل تحقيق مكاسب من حلفائها الأكبر.
وبالتأكيد، سيصبّ هذا الخطاب في صالح من بدأ الترويج في الشرق الأوسط بضرورة بناء الجسور مع موسكو وبكين عوضا عن واشنطن، خاصة بعد ما يتم ترويجه من حديث عن أفول نجم واشنطن في المشهد السياسي الدولي.
وكان أردوغان، قال في تصريحات صحفية قبل أيام، إن قرار بلاده بتأسيس منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترا عند حدودها الجنوبية لا يزال قائمًا، مشيرًا إلى أن "حلقات الحزام الأمني ستتوحد قريبًا بتطهير المناطق الأخيرة التي يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني في سوريا".
الأفق القادم للتطورات
وهذا الضرر البالغ الذى سيلحقه التقارب بين تركيا وسوريا ضد مكانة أمريكا وأهدافها من التدخل في سوريا، يثير أسئلة بشأن أفق التطورات الميدانية في تلك البلد، ومدى تمكن دمشق وأنقرة سويا من القضاء على القوات المعارضة في منطقة الشمال. وكذلك ما إذا كان التقارب بين تركيا وسوريا سيتم دون تعكير أو عراقيل.
وقبل ساعات، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن استهداف قاعدتين عسكريتين لتركيا في حلب السورية، مشيرًا إلى أن الجيش التركي رد على أحدهما.
وقال البيان أن القاعدة العسكرية التركية في قرية صندف بريف مارع شمالي حلب، تعرضت لقصف مدفعي وصاروخي، بأكثر من 10 قذائف مصدرها مناطق سيطرة القوات الكردية في ريف حلب الشمالي.
كما أشار المرصد إلى أن القاعدة العسكرية التركية في قرية كفرجنة بريف عفرين شمال غربي حلب، تعرضت مساء الأحد لقصف بثلاثة قذائف صاروخية مصدرها مناطق انتشار القوات الكردية والنظام.
وردت القوات التركية بقصف قرية الشيخ عيسى الواقعة ضمن مناطق انتشار القوات الكردية بريف حلب الشمالي، بأكثر من 25 قذيفة صاروخية ومدفعية.