إقبال أنقرة على دمشق.. دوافع قوية ومسار ضبابي
تحدث محللون عن تغيير سياسة أنقرة تجاه دمشق، موضحين عدة أسباب تدفع تركيا بعد كل هذه السنوات للحوار المباشر مرة أخرى مع سوريا.
وأكد تحليل نشره موقع موقع "المونيتور" تغيير سياسة أنقرة تجاه دمشق، موضحا عدة أسباب تدفع تركيا بعد كل هذه السنوات للحوار المباشر مرة أخرى مع سوريا.
واعتبر التحليل أن علاقات أنقرة مع موسكو، والتكلفة السياسية للاجئين السوريين، والانتخابات التي تلوح في الأفق، كلها عوامل تملي على أنقرة الحوار مع دمشق، لكن تركيا في غضون ذلك، يبدو أنها لم تتوصل بعد إلى خطة للمضي قدمًا.
وكان موضوع الإصلاح المحتمل للعلاقات مع دمشق قد أثار المشهد السياسي التركي بعد أن كشف وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي أنه تحدث لفترة وجيزة مع نظيره السوري خلال تجمع دولي في بلجراد قبل أشهر وشدد على ضرورة التوفيق بين المعارضة السورية والحكومة.
وفى حين نظمت مجموعات المعارضة المدعومة من تركيا احتجاجات في أكثر من 30 موقعًا في شمال سوريا، سعت أنقرة إلى تهدئة الغضب من خلال التعهد باستمرار "التضامن مع الشعب السوري"، معتبرة أن التسوية السياسية بين دمشق والمعارضة هي السبيل الوحيد لإنهاء الصراع.
ارتباك سياسي
بدا الارتباك واضحا حول كيفية إعادة توجيه العلاقات مع دمشق، في تصريحات عضو بارز في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا الذى سئل عما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد يجتمع مع نظيره السوري بشار الأسد، فقال النائب حياتي يازجي: "لا أستطيع أن أقول إن هذا لن يحدث أبدًا. يمكن أن يبدأ الحوار عند مستوى معين ويرفع إلى مستوى أعلى لاحقًا ".
وأشار تحليل "المونيتور" إلى أنه لطالما نصح عدد من الدبلوماسيين والضباط العسكريين المتقاعدين البارزين حكومة أنقرة بالمصالحة مع الأسد. وحتى الجهات القومية الجديدة التي تدعم موقف الحكومة العدائي ضد الأكراد تضغط من أجل السلام مع دمشق.
وأظهر بيان صدر في وقت سابق عن الحليف القومي الرئيسي لأردوغان كيف تنظر مؤسسة الدولة إلى الأمر.
وأشاد دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية الذي غالبًا ما أثر في قرارات أردوغان بصفته شريكًا فعليًا في الائتلاف، بتصريحات وزير الخارجية وقال إن "احتمال أن ترفع تركيا اتصالاتها مع سوريا إلى مستوى الحوار السياسي واجتثاث المنظمات الإرهابية بالتعاون مع دمشق ستصبح قضية على الأجندة السياسية المقبلة وتستحق النظر بجدية".
وأعرب بهجلي عن أمله في التطبيع مع "جميع الجيران" بحلول عام 2023، عام الانتخابات الحاسمة في تركيا.
ومن المتوقع أن تؤثر المشاعر الشعبية المتزايدة ضد استضافة تركيا لملايين اللاجئين السوريين وغيرهم بشكل بارز على البرامج الانتخابية للأحزاب.
وكان وزير الخارجية جاويش أوغلو قد أشار في وقت سابق الى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعى منذ فترة طويلة لإقناع أردوغان بالتحدث مع الأسد، لكن الرئيس التركي وافق فقط على الاتصالات الثنائية بين مسؤولي المخابرات. وقال: "جرت لقاءات بين أجهزة المخابرات في مرحلة واحدة. ثم كانت هناك انقطاعات، والآن بدأت مرة أخرى."
دوافع للمصالحة
ووفقا لتحليل "المونيتور"، فيمكن أن تتم المصالحة مع دمشق على أساس التعاون لإلغاء الحكم الذاتي الفعلي بقيادة الأكراد في شمال سوريا.
يتضمن ذلك أن تتجنب دمشق أي خطوات لإضفاء الشرعية على العناصر الكردية المسلحة أو دمجها في مؤسسات الدولة، والمجموعات المعنية في هذا السياق هي قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، ووحدات حماية الشعب - العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية - وحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه جماعة إرهابية منذ فترة طويلة.
تحتاج أنقرة إلى تمهيد الطريق لعودة أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، الذين يُنظر إليهم بشكل متزايد على أنهم تهديد ديمغرافي في مختلف مستويات الدولة، ومن ثم فإن الحوار مع دمشق سيكون مشروطًا أيضًا بتعاونها في تمهيد الطريق للعودة.
ويصر أردوغان على إنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا (حوالي 20 ميلًا) على طول الحدود، والتي سيتم تطهيرها من عناصر قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب لتوطين السوريين العائدين.
وعلى الجانب الاخر، تود أنقرة أن ترى تسوية سياسية من شأنها أن تسمح لعناصر المعارضة التي تضع في اعتبارها مصالح تركيا بتقاسم السلطة في دمشق. بعبارة أخرى، سيكون إدخال قوات المعارضة المدعومة من تركيا إلى دمشق أمرًا مهمًا لأردوغان.
وقال دبلوماسي تركي متقاعد يتابع القضية عن كثب لـ "المونيتور" إن تصريح بهجلي يعكس الاتجاه السائد في هيئة الأركان العامة وجهاز المخابرات الوطني ووزارة الخارجية، لكن نوايا أنقرة لا تزال غير واضحة.
وقال: "هناك اندفاع لفعل شيء ما قبل الانتخابات"، مشيرًا إلى أن رؤية أنقرة لحل القضايا المعقدة للغاية، بما في ذلك مستقبل قوات المعارضة والفصائل المسلحة، ما زالت مجهولة. وبحسب الدبلوماسي فإن مؤسسة الدولة مقتنعة بأن الحوار مع دمشق أصبح حتمياً في قضايا مثل المشكلة الأمنية في شمال سوريا وعودة اللاجئين.
في المقابل، فقد نقل التحليل عن ضابط عسكري متقاعد إنه بالنظر إلى العلاقات الجيدة التي تربط وزير الدفاع خلوصي أكار بواشنطن، على وجه الخصوص، فإن أي قرار لتغيير سياسة جذرية بشأن سوريا قد يواجه ببعض المقاومة.
لكن في كلتا الحالتين، قد يضطر أردوغان إلى الاستجابة لدعوات مراجعة السياسة من أجل بقائه السياسي.
وكانت أرقام استطلاعات الرأي الخاصة به تتراجع وسط أسوأ اضطراب اقتصادي في تركيا منذ سنوات، تميز بأزمة العملة الأجنبية والتضخم المتسارع. ومن المحتمل أن تكون تدفقات الأموال الروسية إلى تركيا منذ أواخر تموز/يوليو عاملاً وراء سعي أنقرة لمسار جديد في سوريا، حيث يبدو أن أردوغان يعتمد بشكل متزايد على بوتين قبل الانتخابات العام المقبل.
aXA6IDMuMTQ4LjEwNi40OSA=
جزيرة ام اند امز