ضحايا الانقلابات الفاشلة.. قنابل موقوتة بوجه أردوغان
ممارسات أردوغان ضد شعبه رفعت منسوب الحقد الكامن ضده وهذا، يعزز احتمال حدوث انقلاب آخر يهز عرشه.
بين 2008 و2016، لم يتغير المشهد كثيرا في تركيا.. إعلان محاولة انقلاب فاشلة، تتلوها ملاحقات واعتقالات وتصفيات في الزنازين وخلف الأبواب المغلقة.
رؤوس تقطع وتقطف تحت لافتة المساس بالأمن القومي، ثم ترسم بدماء أصحابها أخبار مفبركة لصنع واجهة إعلامية مظللة لقبر الحقائق، في مخططات رهيبة تختلف في تفاصيلها وتواريخها، لكنها تتقاطع في إبراز الوجه القبيح لسياسة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا.
وبغض النظر عما إن كانت محاولات الانقلاب حدثت بالفعل، أم أنها تندرج ضمن ذات "الشو" رديء الإخراج، إلا أن الثابت هو أن جميع تلك السيناريوهات راكمت طبقة سميكة من الحقد في نفوس كوادر عسكرية تركية رفيعة، وأسرهم وعائلاتهم، لتصنع قنابل موقوتة بوجه الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبالنظر إلى العدد الكبير من ضحايا "مجازر" أردوغان في الخفاء، فالمؤكد أن منسوب الحقد الكامن بنفوس شعبه طالت نسبة معتبرة منه، يعزز احتمال حدوث انقلاب آخر يهز عرش رئيس لم يستوعب بعد أن سياساته الخاطئة استنزفت ما يمكن أن يكون حظي به في يوم من أي قبول لدى البعض.
"أرغنيكون".. شبح يطارد أردوغان
في يناير/ كانون الثاني 2008، أطلقت النيابة العامة التركية حملة واسعة أسفرت عن اعتقال العشرات من الضباط والأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال، بتهمة المشاركة في تشكيل تنظيم سري يحمل اسم "أرغنيكون"، يخطط للقيام بانقلاب يطيح بالحكم.
وبعد محاكمات استمرت على مدى 5 سنوات، أصدرت محكمة مدينة "سيليفري" الشهيرة، في أغسطس/ آب 2013، أحكاماً في القضية التي عرفت في حينه باسم "أرغنيكون" بالسجن مدى الحياة بحق رئيس الأركان التركي السابق ايلر باشبوغ.
كما قضت بالسجن لفترات مختلفة بحق عدد من العسكريين والصحفيين والأكاديميين، بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آنذاك، أردوغان وحزب العدالة.
غير أن محكمة الاستئناف ألغت، 3 سنوات إثر ذلك، وتحديدا في أبريل نيسان 2016، الأحكام الصادرة، وبرأت المتهمين من التهم المنسوبة إليهم، معتبرة أن أدلة الإدانة تم الحصول عليها بصورة غير قانونية، وأنها لا تتفق مع رأي قضاتها.
250 شخصا طالتهم تلك القضية التي استغرقت سنوات، قطعت خلالها دورة غريبة من محكمة البداية التي أدانت، إلى الاستئناف التي قالت قبل عامين، إنها أعادت ملف القضية إلى محكمة البداية لمراجعته من الأساس، قبل أن يتحرك المدعي العام ليقول إنه يلتزم بقرار محكمة الاستئناف ويدعو لقبوله وتنفيذه.
أين تبخر ما قيل إنه أدلة؟
لكن الاستفهام الذي ظل مخيما على الأذهان هو أين تبخرت كل تلك الأدلة والوثائق التي عرضت على شاشات التلفزيون التركي لأسابيع طويلة، تحت عناوين رنانة من قبيل: "هكذا تآمروا على البلاد والحكومة؟".
ولماذا لم يكن لتلك الأدلة مفعولا على مستوى محكمة الاستئناف والمدعي العام الجديد؟ ومن الذي سيتحمل مسؤولية سجن هذه النخب وحرمانها حقوقها المدنية، والتسبب بعمليات انتحار ووفاة وتهميش اجتماعي وسياسي؟
أولا يصنع كل ذلك الاضطهاد الجسدي والمعنوي الذي تعرض له هؤلاء الأشخاص قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت؟
قيادات حزبية وسياسية في حزب العدالة الحاكم، والعشرات من الأقلام المحسوبة عليه، بنت جميع سيناريوهاتها، قبل عقد تقريبا، على احتجاجات وتظاهرات واعتصامات قالت إن أعضاء شبكة "أرغنيكون" يقومون بتنظيمها لزرع الفوضى في البلاد.
غير أن الادعاء العام يرد باتجاه مغاير تماما، ويسقط دراما الحزب الحاكم في الماء: «تنظيم من محض الخيال اخترعه البعض دون أدلة ومستندات تؤكد ذلك».
فيما لخص المدعي العام الجديد رأيه في ملف القضية بأن التنظيم لا وجود له، وأن عملية جمع الأدلة والمعلومات والوثائق جرت بطريقة غير قانونية لا يمكن البناء عليها في توجيه الاتهامات، وأنه طالما لا وجود لهذا التنظيم، فإن ارتكاب مجموعة من الأشخاص لتهم باسمه مسألة غير قانونية أيضا.
منصات ومواقع كثيرة ضجت، قبل عقد، بحملات الافتراء والإهانة ضد جميع هؤلاء الذين وجهت لهم باطلة من الأساس، لكن اليوم، لا أحد يتجرأ حتى على الاعتذار وتحمل المسؤولية القانونية والسياسية والإنسانية عن سجن العشرات، وتلطيخ أسمائهم والتسبب بفقدان أعمالهم، وعزلهم اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا؟
خزان بشري من الحاقدين
أردوغان كان يقول قبل سنوات إنه هو صوت الادعاء العام في القضية، لكن المدعي العام الجديد يخيب توقعاته، ويسأل: "أين المخطط الانقلابي وأبطاله والأدلة والتهم؟ أنا لم أشاهد شيئا من هذا القبيل"؟
استراتيجية التحرك بالنسبة للحزب الحاكم في تركيا، في حينها، وكما دائما، كانت ترتكز إلى إبراز وجود تنظيم سري تحت غطاء "أرغنيكون"، يتبنى لغة التهديد والقتل والمكائد السياسية بهدف عزل حكم العدالة والتنمية كما قالت الأصوات المؤيدة للحكومة يومها.
لكن بصدور أحكام محكمة الاستئناف، سقطت كل المخططات في الماء، ليرتفع منسوب الحقد في نفوس الأتراك، خصوصا عقب المحاولة الانقلابية التي جرت في يوليو تموز 2016، والتي يقول كثيرون إنها من صميم تخطيط أردوغان وحاشيته، للحصول على «كارت» أبيض لتصفية المعارضين.
خزان بشري من الحاقدين والمحبطين والمصدومين والغاضبين من نظام يعتمد سياسات الإقصاء والتهميش، بات يتعزز يوميا بأعضاء جدد من شعب مل القهر والقمع والفصول الدرامية، والإسقاطات السياسية، والأكاذيب، ممن يرون بأن البلاد باتت في حاجة فعلية إلى انقلاب جذري في المفاهيم والسياسات، وإلى انقلاب عسكري يمهد لصفحة جديدة تقطع مع القهر والديمقراطية الكاذبة المصنوعة على مقاس أردوغان وحاشيته.
aXA6IDE4LjExNi45MC41NyA=
جزيرة ام اند امز