تركيا.. الاقتصاد يسدد فاتورة أخطاء سياسية قاتلة
تحسين صورة الليرة التركية مرتبط بقبول حزب "العدالة والتنمية" ضرورة تغيير كثير من سياساته في عديد من الملفات الداخلية والخارجية.
خسائر فادحة سجلتها الليرة منذ مطلع 2018، مسجلة انهيارا قياسيا أمام الدولار الأمريكي، ما قد يجبر صناع السياسة المالية بالبلاد إلى اللجوء لأسوأ الأدوات النقدية لكبح جماح التهاوي.
- انهيار الليرة التركية.. زلزال يرج أردوغان ويعري تناقض السياسات
- بلومبرج: تركيا تستجدي المستثمرين لإنقاذ ليرتها المنهارة
وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، يردد أن تركيا تعيش حالة غير طبيعية في تسعير الليرة، وأن الحكومة تمتلك الأدوات اللازمة لإزالة الخلل في سوق الصرف الأجنبي، قبل أن يتوقف عند "لعبة محاولة تغيير نتائج الانتخابات التي ستفشل.. فالشعب كشف اللعبة ومن يديرها، وهو لن يسمح لهم بالنيل من تركيا".
تفسير بات الشعب التركي بجميع مكوناته معتادا عليه، فالسياسيون في هذا البلد يربطون جميع الأزمات الطارئة بـ"المؤامرات" التي تحيكها المعارضة أو "الأعداء" في الخارج.
تفسيرات واهمة لذر الرماد على العيون، وإبعاد الرأي العام عن مواطن الخلل الحقيقية في سياسات بلادهم، متجاهلة الخيط الرفيع الفاصل بين عالمي السياسة والاقتصاد، بل هما عملة لوجه واحد، ما يعني أن أزمة الليرة التركية ليست سوى نتاج أخطاء سياسية قاتلة.
التحليلات السياسية التي تطلقها المعارضة التركية تقول إن استمرار هبوط قيمة الليرة التركية أمام الدولار سيستمر وسط غموض في خطط السلطة السياسية حول أساليب المواجهة.
ثم هناك ما هو أهم، فوكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني تحذر من أن المالية العامة لتركيا قد تتدهور سريعًا، في حال أخفقت السلطات في تخفيف الضغوط الحالية على العملة، وتقليص تكاليف الاقتراض الحكومي.
أزمة أخرى لا بد من معالجتها وهي استردادا ثقة المواطن والمستثمر المحلي في أن صانع القرار السياسي في تركيا لا يتدخل للتضحية بمصلحة المستثمر على حساب المستهلك والمودع خصوصا.
يأتي ذلك على خلفية شائعات تحدثت عن خطط باتجاه تثبيت سعر صرف الدولار في البلاد، وفي وقت يتشبث فيه المسؤولون الأتراك بنظرية المؤامرة وباعتبار الأزمة ذات طابع سياسي خارجي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتصفية حسابات مع حكومة "العدالة والتنمية".
الأصوات المقربة من الحكومة التركية تقول إن تأثير انخفاض الليرة التركية أمام العملات الأجنبية على الاقتصاد التركي لا يزال محدودا، نظرا لوجود بنية اقتصادية قوية داعمة.
غير أن خبراء محليين وأجانب يرون أن هناك أسبابا وأخطاء اقتصادية قاتلة تسببت في إشعال فتيل الأزمة وإدارتها لاحقا، مع تجاهل كلي للخطوات السياسية والدستورية التي أقدمت عليها الحكومة في العام الحالي وسط حالة الطوارئ، والحديث عن صلاحيات أوسع لأردوغان في ظل تغيير شكل النظام وإطلاق مرحلة جديدة من الحياة السياسية التركية.
فالواضح هنا هو أن مسألة تحسين صورة الليرة التركية في الداخل والخارج مرتبط بقبول حزب "العدالة والتنمية" لحقيقة ضرورة تغيير كثير من سياساته وأسلوبه في التعامل مع عديد من الملفات الداخلية والخارجية الاقتصادية والسياسية والأمنية.
كما أن رمي الكرة في ملعب ارتدادات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة على حساب حقيقة وجود متغيرات إقليمية ودولية تنتظرها المنطقة في الأشهر المقبلة، من شأنه أن يفاقم الأزمة الراهنة، خصوصا في حال لم تحدد أنقرة سياساتها ومواقفها حيال هذه التغيرات، واتخذت التدابير والخطوات السياسية والاستراتيجية العاجلة بدلا من تقديم نظرية المؤامرة.
محللون ومراقبون كثر يرون أن فريق العمل الحكومي الذي يشرف على الاقتصاد التركي يعرف جيدا أن رفع سعر الفائدة سيؤدي إلى تفاقم عجز الحساب الجاري نتيجة زيادة التدفقات النقدية الخارجة من تركيا، فضلاً عن انخفاض رصيد الاحتياطات من العملات الأجنبية.
حيثيات ستقيد يد الحكومة في تنفيذ خططها الإنمائية، وستفرض في المقابل ثمنا لا بد أن يدفع نتيجة الحسابات والممارسات الخاطئة في إدارة الملف المالي والاقتصادي في البلاد.
فما تشهده الليرة اليوم هو في النهاية نتاج بديهي للكثير من الأخطاء، ولوضع سياسي داخلي غير مستقر، وتكاليف العمليات العسكرية في سوريا والعراق وميزانية الانتخابات التركية المقبلة.. جميعها ساهمت في إرهاق الموازنة العامة وزيادة العجز فيها.
أزمة سيكون لها ارتداداتها على نتائج الانتخابات التركية حتما، لكن الأزمة الحقيقية قد تظهر بعد هذه الانتخابات، أي في حال جاءت النتائج متقاربة، حيث ستزداد الأمور سوءا وتشابكا وتعقيدا كما حدث قبل 3 أعوام، ودفعت تركيا نحو انتخابات مبكرة.