أنقرة تغازل القاهرة.. محاولة يائسة لكسر الحصار
بمحاولة تودد جديدة للقاهرة، تحاول أنقرة كسر الحصار المفروض عليها وصولا للتقارب مع قبرص واليونان في ملف شرق المتوسط.
ويرى خبراء سياسة وقانون أن مغازلة أنقرة للقاهرة تعتبر اعترافا منها بدور مصر المركزي في شرق البحر المتوسط، ورغبة في كسر حالة الحصار الذي تعانيه.
وربط الخبراء في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" إمكانية الاستجابة لهذه المغازلة بأمرين؛ أولهما تغيير أنقرة لموقفها الرافض للاتفاقية العامة لقانون البحار، وثانيها مواقفها تجاه قضايا عدة في المنطقة في مقدمتها دعم الإرهاب.
وفي وقت سابق الأربعاء، قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي في أنقرة إن "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة".
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها أنقرة مغازلة القاهرة، بل سبقتها محاولات عدة، كان آخرها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عندما أبدى المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن رغبة بلاده في إعادة العلاقات مع مصر.
مدخل للتقارب
واعتبر مساعد عبدالعاطي، أستاذ القانون الدولي العام بمصر، أن "المغازلة التركية هي محاولة للاستفادة من الدور المصري، واتخاذ القاهرة كبوابة للتقارب مع قبرص واليونان".
وقال "عبدالعاطي" في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه : "بعد النجاح المصري في البحر المتوسط، وجدت تركيا نفسها مجبرة على مد يد التفاوض للدولة المصرية"، مضيفا: "هذا نجاح يحسب لمصر في إدارة ملف تعيين الحدود البحرية في شرق المتوسط بكل إخلاص ووطنية ورؤية استشرافية وبعيدة المدى".
وأوضح الخبير المصري أن بلاده "أدارت ملف تعيين الحدود البحرية سواء مع قبرص أو اليونان في إطار قواعد الشرعية الدولية، وإطار محكم ومهني راعت فيه الدفاع عن مصالحها وحقوقها في البحر المتوسط، دون الاقتراب من المزاعم الخلافية بين تركيا واليونان أو تركيا وقبرص".
وأضاف: "لذلك جاءت الاتفاقية المصرية القبرصية مؤخرا كاتفاق جزئي يحدد معالم المنطقة الاقتصادية تاركا الأمور الأخرى المتداخلة مع تركيا واليونان إلى مرحلة لاحقة، بما يعكس إدارة الدولة المصرية للملف بكل وعي وخطة مدروسة على كافة الأبعاد سواء القانونية أو الدبلوماسية أو الاستراتيجية".
ولفت عبدالعاطي إلى أن المغازلة التركية تأتي من منطلق أن مصر لديها قوة في هذا البحر المتوسط، ومن صالح تركيا التعاون وتقريب المسائل مع الدولة المصرية.
وتابع: "مصر أصبحت حاليا مركز إقليمي لتداول الطاقة وأصبحت مقرا لمنظمة شرق المتوسط للغاز والمهيمنة على هذا التنظيم، بالإضافة للعلاقات الاستراتيجية التي تجمعها مع قبرص أو اليونان، لذا من الجائز أن تكون تركيا أدركت أن مصر هي البوابة لأي تقارب مع هذه الدول تحت مظلة وإرادة الدولة المصرية".
تحت الحصار
بدوره، قال بشير عبدالفتاح، الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إن "المغازلة التركية هذه المرة ليست مفاجأة ولكنها تأتي في إطار سلسلة من التصريحات المشابهة التي تطلقها أنقرة من حين إلى أخر".
ومفسرا سبب المغازلة، قال عبدالفتاح، إن "تركيا محاصرة من جميع الجهات؛ فالإدارة الأمريكية تغيرت وترغب في محاسباتها، وعلاقاتها مع أوروبا سيئة ومع اسرائيل مرتبكة، أما علاقاتها مع الدول العربية ففي تدهور، وبالتالي ترغب في عمل اختراق عن طريق دولة مركزية بحجم مصر".
وأضاف: "تركيا ترغب في كسر العقوبات المفروضة عليها، وبالتالي القاهرة هي أقرب دولة يمكنها التفاهم معها لأنها أقل الأطراف توترا وخلافا مع تركيا فيما يتعلق بترسيم الحدود".
وحول الموقف المصري من هذه المغازلة، يرى الخبير المصري أن "القاهرة ليست في حاجة ماسة لتعيين الحدود البحرية مع تركيا لأن حدود مصر البحرية معروفة مع اليونان وقبرص وإسرائيل، فضلا عن أن أكبر حقل غاز في منطقة الشرق المتوسط معروف ملكيته لمصر ولا يستطيع أحد منازعتها عليه".
وتابع: "صحيح نرغب في التنقيب في بقية الحدود وبقية مناطق شرق المتوسط لكن الخطوات التي اتخذت حتى الآن وأدت إلى اكتفاء مصر ذاتيا من النفط والغاز كافية، كما أن تركيا ليست في مواجهة مباشرة مع مصر في حدودها البحرية، وبالتالي فترسيم الحدود بين القاهرة وأنقرة يستحيل أن يتم دون الرجوع للدولتين قبرص واليونان".
ومضى قائلا: "تركيا ليست معترفة باتفاقية البخار لعام 1982 والتي بموجبها رسمت القاهرة حدودها مع قبرص واليونان، وبالتالي فعلى أي أساس سيكون الترسيم بين تركيا ومصر".
وأكد الخبير المصري أن القاهرة ليست مضطرة لمثل هذا الاتفاق لكن انقرة لم تعثر في حدودها البحرية على أي غاز، واتفاقية ترسيم الحدود مع ليبيا غير شرعية ورفضتها بقية الدول.
ومتفقا مع عبدالعاطي، يرى عبدالفتاح أن تركيا تحتاج الاتفاق مع مصر أكثر من احتياج مصر إليه، لأنها تريد أن تكون القاهرة وسيطا مع قبرص واليونان كمدخل لفتح مجال مع الدولتين.
وذكر عبد الفتاح أن القاهرة تتابع كل ما يصدر، وليست متفاجئة من هذه المغازلة، ولكن يجب متابعة موقف النظام التركي من قضايا عدة كالإخوان والمنابر الإخوانية، وكذلك الاتفاقية العامة لقانون البحار.
والشهر الماضي، أعلنت مصر طرح مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز في 24 منطقة بعضها بالبحر المتوسط، وهو ما علق عليه وزير الخارجية التركي اليوم قائلا إن "عروض التنقيب التي طرحتها مصر احترمت الجرف القاري لبلاده"، مضيفا أن "أنقرة نظرت إلى هذا الأمر نظرة إيجابية".
ويمتد البحر الأبيض المتوسط على مساحات واسعة من حقول الغاز الطبيعي، خاصة في منطقته الشرقية (مصر، وإسرائيل، وفلسطين، وقبرص، واليونان)، بينما تركيا التي تدعي أنها مظلومة، لعدم وجود اكتشافات في مياهها الإقليمية، تحاول السطو على حقول دول الجوار.
ومنذ 2019، اشتد الصراع التركي مع دول الجوار خاصة اليونان وقبرص، للسيطرة على مياه إقليمية موضع خلاف دولي، بهدف تحويلها إلى مناطق امتياز تركية، يرجح أنها تحوي كميات من الغاز الطبيعي، الذي تحتاجه تركيا.
وتشير بيانات هيئة الإحصاءات التركية في 2019 إلى أن عجز الطاقة في تركيا بلغ أكثر من 41 مليار دولار، وهو رقم ترى أنقرة أنه يمكن توفيره حال السيطرة بشكل غير مباشر على صناعة النفط الحالية والمتوقعة لليبيا.
aXA6IDMuMjEuMTIuODgg جزيرة ام اند امز