مصر وتركيا.. ورقة ليبيا وتجميد مسار التطبيع
بعد خطوات ملموسة باتجاه التطبيع بين مصر وتركيا في محاولة لإعادة العلاقات المتوترة منذ 2013 بسبب دعم أنقرة جماعة الإخوان، عادت الأمور خطوة للوراء بعد إعلان القاهرة توقف مسار المباحثات مع تركيا لعدم وجود تغيير في ممارساتها.
وفي تصريحات لوزير الخارجية المصري سامح شكري، قال إنه لم يتم استئناف مسار المباحثات مع تركيا لأنه لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة.
وزير الخارجية المصري أوضح في تصريحاته أنه من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف.
ودعا شكري إلى ضرورة الالتزام بالمعايير والقواعد الدولية، في إشارة إلى الضغوط الدولية باتجاه حل الأزمة الليبية ضمن مسار سياسي يتضمن خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
ويعد الملف الليبي ضمن أبرز الملفات الشائكة في مسار إعادة الدفء للعلاقات بين مصر وتركيا، حيث تنخرط مصر وفق دوافع الأمن القومي ضمن مسار التسوية الليبية والدفع باتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة عبر الحوار بين مختلف الأطراف.
في المقابل اتخذت تركيا خلال الشهور الماضية خطوات اعتبرها مراقبون بوادر لحسن النية تجاه تحسين العلاقات مع مصر وعلى رأسها إغلاق قنوات يديرها تنظيم الإخوان من تركيا تمارس التحريض وإثارة الفتن ضد مصر وقيادتها السياسية، وقرارات مماثلة بإبعاد قيادات وإعلاميين ينتمون للجماعة الإرهابية.
لكن وفي الملف الليبي تمسكت أنقرة بمصالحها، خاصة ما يتعلق منها بالتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية، واستمرت في دعم طرف على حساب طرف آخر، وبشكل أوضح دعمت تركيا بالسلاح والمرتزقة من سوريا والمستشارين العسكريين جماعة الإخوان وحلفائها المسيطرين على العاصمة الليبية طرابلس.
تركيا وغاز المتوسط
تعنت تركيا في الملف الليبي ظهر جليا عندما أعلن وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مطلع أكتوبر/تشرين الاول الجاري مع نظيرته الليبية بالحكومة منتهية الولاية نجلاء المنقوش من طرابلس، عن تفعيل مذكرة تفاهم بين الجانبين للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية وعلى الأراضي الليبية.
سريعا رد البرلمان الليبي على تلك الخطوة الاستفزازية التركية التي تجاوزت البرلمان والحكومة المنتخبة برئاسة فتحي باشاغا برسالة للأمم المتحدة لتدويل الموقف من اتفاقية وقعتها الحكومة السابقة مع تركيا.
وخاطب رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بشأن بطلان أي مذكرات تفاهم تبرمها حكومة الوحدة الوطنية الليبية منتهية الولاية.
ودعا صالح الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعميم خطابه على "الدول الأعضاء في الجامعة العربية وإحالته إلى مجلس الأمن والمنظمات والهيئات الدولية للتنبيه إلى فقدان حكومة عبدالحميد الدبيبة الشرعية بانتهاء ولايتها ومخالفتها بنود خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي".
تصعيد من المؤسسة التشريعية يأتي عقب سلسلة من الانتقادات ضد توقيع مذكرة تفاهم للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية وعلى الأراضي الليبية.
والتقطت مصر طرف الخيط، حين أكد وزيرا خارجية مصر واليونان أن حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم"، وذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس.
خطوة تركية مرفوضة دوليا
على الصعيد الدولي، قال الناطق باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو إن الاتفاقية الموقعة بين ليبيا وتركيا تتطلب مزيدا من التوضيحات، معتبرا أنها تستند إلى "مذكرة تفاهم تتعارض مع قانون البحار وتنتهك حقوق الدول الأخرى" في إشارة لاتفاقية 2019.
كما أعربت قبرص عبر بيان لوزارة خارجيتها "عن قلقها من توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية وتركيا في مجال المحروقات على أساس المذكرة التركية الليبية غير القانونية لعام 2019".
البيان القبرصي أوضح سبب قلق نيقوسيا الذي "ينبع من الدور المتفاقم والمتصاعد والمزعزع للاستقرار لمثل هذه الاتفاقيات".
وتشهد ليبيا صراعا بين حكومتين على السلطة والشرعية، الأولى كلفها مجلس النواب مؤخرا برئاسة فتحي باشاغا، وسابقة يترأسها عبدالحميد الدبيبة، انتهت مدتها إلا أنها ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد يأتي عبر انتخابات مقبلة.
كما أصدرت الخارجية اليونانية بيانا أكدت فيه أن "لديها حقوقا سيادية في الجرف القاري ستدافع عنها بكل الوسائل القانونية"، مذكرة "ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين حكومة الوفاق (الليبية السابقة) وتركيا في 2019، متوعدة بالرد على أي خطوة لتنفيذها عبر الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي (الناتو).
استقرار ليبيا والتحرك المصري
تعقيبا على التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصرية بشأن وقف مسار التطبيع مع تركيا أكد مصدر بوزارة الخارجية المصرية أن سياسة مصر إزاء الملف الليبي ثابتة، وتقوم على الدفع باتجاه استقرار الأوضاع واستمرار مسارات الحوار السياسية والعسكرية في سبيل الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تحقق الاستقرار والأمن لليبيين في إطار وحدة التراب الوطني الليبي.
وأضاف المصدر لـ"العين الإخبارية" أن المسار السياسي يتطلب خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وحل المليشيات التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وهي خطوات يتم بحثها في إطار لجنة "5+5" المخولة ببحث المسار العسكري للأزمة الليبية.
وأوضح المصدر، مفضلا عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن الإصرار التركي على المضي في اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع حكومة منتهية الولاية متجاوزة البرلمان الشرعي والحكومة المنتخبة هو إصرار على التدخل في الشأن الليبي، وهو ما ترفضه مصر فكان من الطبيعي أن يؤثر على مسار محاولة إعادة العلاقات بين الجانبين.
استمرار وجود مرتزقة ومستشارين عسكريين أتراك هو أحد المعوقات الرئيسية أمام الحل السياسي في ليبيا، وعدم تحرك أنقرة في هذا الاتجاه يعني أنها، حسب المصدر نفسه، غير معنية بإيجاد حلول للملفات الشائكة مع مصر وكذلك تجاوزها المساعي والقرارات الدولية التي تطالب بخروج القوات الأجنبية، كما تعد مخالفة صريحة لقرار الأمم المتحدة بحظر توريد السلاح إلى ليبيا.
aXA6IDMuMTQ1LjgxLjI1MiA= جزيرة ام اند امز