مع كل هذا نجد في محيطنا من يسوّق لـ"أردوغان" بأنّه "خليفة المسلمين" المنتظر،
ليس من المصادفة ما أتت عليه منظمة "فريدم هاوس" الأمريكية في تقريرها لهذا العام، تصنيف تركيا من بلد حر بشكل جزئي إلى غير حر تماما.
النتيجة التي كشفت عنها المنظمة التي تُعنى بمسألة مراقبة مؤشّر الحريات حول العالم تشير إلى أدنى مستوى للحريات في أي بلد حسب قوانين هذه المنظمة خلال السنوات العشر الأخيرة، وكان لتركيا هذا التصنيف.
ما تغضُّ الطرف عنه عدسات القنوات التلفزيونية والصحف والإذاعات التي ترى في نفسها مهنية تنقل الأخبار بشفافية في تركيا وتُصمّ عنه آذان "العلماء المسلمين"، بات متاحا اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومراقبا من القاصي والداني وإلّا كيف صُنفت تركيا كبلد غير حر؟!
كثيرون هم الذين كانوا يعتقدون بأنّ عملية الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016 ستكون نقطة تحول في تاريخ البلاد سيستغلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليزيد عدد مؤيّديه، ويلتصق أكثر مع شعبه الذي وقف بوجه الجيش الذي ضاق ذرعا بتصرفات أردوغان الأخيرة وتفرده بالسلطة، على حد وصف بيان الانقلاب.
على العكس تماما، مزيد من الاعتقالات والكثير من الإعفاءات والإقالات الجماعية لمسؤولين ورؤساء بلديات وأساتذة جامعيين (الأرقام تشير إلى 110 آلاف شخص أُوقفوا عن العمل و60 ألفا أُلقي القبض عليهم) هذا ما عدا آلاف الضباط والقضاة الذين تجاوز عدد المسجونين منهم 3 آلاف، وفق تقارير المعارضة التركية.
اللافت أنه ورغم أنّ المؤسسة العسكرية هي التي مَن قامت بالانقلاب من دون أن تنجح فيه، إلّا أن ردة فعل الرئيس التركي طالت بالسجن شخصيات من مختلف شرائح المجتمع التركي، حتى وصل الأمر بالسلطات إلى سجن الصحفيين وإغلاق العديد من الوسائل الإعلامية المسموعة منها والمقروءة وهو ما يفسّر وجود نية مبيتة لقمع أية احتجاجات ضد حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، والقضاء تماما على أيّ حراك يقف بوجه طموح الرئيس غير المنتهي لناحية القبض على زمام القرار التركي، ورسم سياسة البلاد الخارجية بعيدا عن المؤسسة العسكرية.
بالفعل ما حدث ونقصد "الانقلاب الفاشل" كان سببا رئيسا مكّن أردوغان من تنفيذ مشروعه في بلاد الأناضول، فما عجز عنه حزب "العدالة والتنمية" منذ تأسيسه عام 2001 من تحويل النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي تم إنجازه على الفور عقب الانقلاب الفاشل وعلى مرأى ومسمع المعارضين والعالم تحت سلطة فرض قانون الطوارئ ومكافحة الإرهاب، وبات الرئيس التركي الحاكم بأمر الله في بلاد فصل الدين عن الدولة، لدرجة ذهب فيها البعض للقول بأنّ الانقلاب ما هو إلا مسرحية لعب فيها أردوغان دور الضحية وتحوّل في ظرف ساعات إلى بطلٍ مغوارٍ.
وعلى الرغم من تعهد أردوغان وحزبه بالحفاظ على إرث النّظام الجمهوري، كما أسّس له مصطفى كمال أتاتورك، فإنّه لم يبق من جمهورية الأخير التي تدعمها وتدافع عنها القوى العسكرية إلّا الشيء القليل لصالح مشروع أردوغان التنظيمي العابر حدود أنقرة إلى دول في معظمها عربية استطاع "السلطان" الولوج إليها تارة من باب الوحدة الإسلامية وتارة أخرى من سيمفونية نصرة القدس والدفاع عن القضية الفلسطينية.
في الحقيقة لم يكن مفاجئا ما يقوم به أردوغان وفريقه في الداخل، المستغرب هو حجم التكتم على كواليس ما يحدث داخل البلاد، فمثلا الأمين العام لما يسمى بـ"الاتحاد العام لعلماء المسلمين علي القره داغي" لا يتوجه بنصحه إلى أردوغان ويخبره عن طريقة تعامل السلطات التركية غير الإنسانية مع المعتقلين في السجون، وإنّما يصب جام نقده على دول أخرى، أليس "الأقربون تنظيميا" أولى بالمعروف نسأل نحن؟!
كذلك لا بدّ هنا من استفقاد "العلّامة يوسف القرضاوي" الذي أفتى صراحة بقتل معمر القذافي، وحرّض الشباب السوري على استهداف كل مَن هو ظالم، حسب وصفه، ألم تصله نداءات المظلومين في السجون التركية؟
ما تغضُّ الطرف عنه عدسات القنوات التلفزيونية والصحف والإذاعات التي ترى في نفسها مهنية تنقل الأخبار بشفافية في تركيا وتُصمّ عنه آذان "العلماء المسلمين" بات متاحا اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبا من القاصي والداني، وإلّا كيف صُنفت تركيا كبلد غير حر وكيف انتقد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الممارسات التي تتبعها السلطات التركية ضد المسجونين؟
مع كل هذا نجد في محيطنا من يسوّق لـ"أردوغان" بأنّه "خليفة المسلمين" المنتظر، وأنّه المُخلّص الذي سيحرر القدس، ليت هؤلاء المغرّر بهم من شبابنا استمعوا أو على الأقل قرأوا ما قاله "آرون شتاين" المحلل في مركز "أتلانتيك كاونسل" من أنّ أردوغان يخوض حاليا الحملة الانتخابية للعام 2019 سعيا لرئاسة واسعة الصلاحيات مفصلة على قياسه، وأنّه بوقوفه في الصفّ الأول في قضية القدس فإنّه يطرح نفسه مدافعا عن المسلمين المحرومين في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة