فهل تدرك قطر حجمها المحدود وصفحات تاريخها البائس وقدراتها الواهية والزائلة؟!
اتبعت قطر أسلوب الصراع مع أشقائها العرب، وفي خلق مشاحنات واهية وخوض اشتباكات سياسية ودبلوماسية مع أشقائها العرب الخليجيين، متجاهلة ما ينجم عن هذا الاختراق الواهي أصلاً.
وإنه لمن غير المنطقي خوضها الأدوار التصعيدية ودون أن تدرك حجمها الطبيعي في المنطقة وما تؤول إليه نتائجها المتطرفة وأغراضها الاستراتيجية التي أضحت معروفة لديها، وقد حان الوقت لإجراء مراجعة شاملة لكل ما بنته من أوهام، بدءاً من مساعيها كما تتصور وتزعم، لأن تكون محور العمل العربي ولأن تكون ذات دور خلاق، وهي بالأساس متناقضة في كل أدوارها بائسة في صراعاتها ولا طائل مما تنفذه من مشاريع مآلها حتماً إلى زوال.
حسب تقرير لصحيفة دي فيلت الألمانية أن من بين كل تغريدتين في قطر كانت إحداهما تحمل موقفاً داعماً ومؤيداً لتنظيم داعش، أي بمعنى أن خمسين بالمائة من تغريدات قطر تدعم داعش، وبذلك تقف قطر على رأس قائمة الدول الحاضنة لحسابات تويتر المؤيدة لداعش .
البروفيسور كريستيان كوتي أوريكسن زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، وصاحب المؤلفات المختلفة حول دول الخليج العربي، يوضح في كتابه الأخير "قطر والربيع العربي"، حيث يشير إلى انهيار الدور القطري في الشرق الأوسط، بعد أن كانت الدوحة هي النجم الصاعد في سماء المنطقة، وبعد عام 2011م أظهرت التطورات التي حدثت في ربيع عام 2013م مدى تراجع النفوذ القطري، ليس في سوريا وحسب بل أيضاً في أرجاء الشرق الأوسط كافة.
ففي الدوامة الناجمة عن الصدام بين سلطة النظام القديم الراسخة، وبين العديد من المجموعات الجديدة الناشئة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، أصبح واضحاً أن ما من لاعبٍ واحد يستطيع أن يتحكم بوتيرة الأحداث أو باتجاهها، كما كشفت الصراعات السياسية المطولة والمعقّدة التي طبعت مشهد ما بعد الربيع العربي، عن حدود القدرات القطرية.
دعم النظام القطري القوى الإرهابية في المنطقة بما فيها تنظيم داعش وجبهة النصرة، وهناك العديد من الفضائح المتلاحقة التي اتضحت وقائعها، ألا وهي احتضانها لجيش داعش الإلكتروني الذي يعتبر منصة الترويج لهذا التنظيم وأفكاره المتطرفة؛ وإحدى أبرز وسائل عمليات التجنيد وتخريب العقول وغسل أدمغة الشباب وتشويه الدين الإسلامي، وتدمير الثقافة العربية والإسلامية من خلال حرق المكتبات العلمية والدينية والثقافية، كما حصل في مكتبات الموصل والأنبار في العراق وفي بعض مكتبات المدن السورية.
وعملت الأجهزة الاستخباراتية على مراقبة حسابات هذا التنظيم وأنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر" و"فيسبوك"، وكانت نتيجة المتابعة والتقصي الاستخباراتي لفضاء داعش الإلكتروني هي أن النظام القطري أكبر حاضن وداعم لحسابات التنظيم الداعشي الإرهابي في العالم العربي والإسلامي.
وأظهرت حسابات تويتر باللغة العربية، حسب تقرير لصحيفة دي فيلت الألمانية، أن من بين كل تغريدتين في قطر كانت إحداهما تحمل موقفاً داعماً ومؤيداً لتنظيم داعش، أي بمعنى أن خمسين بالمائة من تغريدات قطر تدعم داعش، وبذلك تقف قطر على رأس قائمة الدول الحاضنة لحسابات تويتر المؤيدة لداعش، وقد تفوقت على باكستان التي تصل نسبة التغريدات المؤيدة للتنظيم الإرهابي الداعشي فيها بحدود 35 بالمائة لتحتل المركز الثاني.
ثمة دلائل عديدة على تورط قطر في مخططات داعشية بهدف القيام بعمليات إرهابية تفجيرية في الأراضي المصرية والسعودية وفي دول عربية أخرى.
ومن بين المواقع التي تم الكشف عنها سابقاً المخطط الداعشي القيام بعمليات تفجيرية في مبنى وزارة الدفاع السعودية، وذلك بعد أيام معدودة من بيان التنظيم الذي وصف فيه الدول المقاطعة لقطر بدول "الكفر"، وأعلن فيه مساندته للدوحة، تحت عنوان "نصرة إخواننا المسلمين في قطر".
وجاء البيان الصادر عما تعرف بـولاية خراسان، عقب كشف دول الرباعي العربي عن وجود ارتباط بين قطر وجماعات إرهابية متطرفة في سوريا، وقيام الدوحة بجمع تبرعات مالية لشراء أسلحة للإرهابيين وتأمين رواتبهم.
وبما أن التنظيم يساند قطر، ويرى الدول المقاطعة لها "كافرة"، فمن الطبيعي أن يخطط لتنفيذ عمليات عدوانية تستهدف مواقع استراتيجية والقيام أيضاً بعمليات انتحارية تهز استقرار دول المنطقة، وكل ذلك يجري بتنسيق ودعم قطري.
وبعد اندحار قوات داعش واختفاء معظم التشكيلات المسلحة التابعة للتنظيم، من مساحات واسعة في العراق وسوريا، أين يكون انتشارها مجدداً، الحسابات واضحة وقد تكون الهيمنة في شمال أفريقيا وأجزاء من القارة الأفريقية وفي أواسط آسيا لتثبيت وجودها في بعض المواقع التي تنتشر فيها مجموعات داعشية في ليبيا وسيناء، وهذا التنظيم مغول العصر.. لا يعبأ بما أصيب به من خيبات الأمل وضياع ما كان يحلم به وما كان يزعمه من تحقيق مجد الأمة الإسلامية.
وسبق أن حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن الخطر الداهم الذي يمثله هؤلاء إذا تمكنوا من التسلل إلى ليبيا وسيناء، وأن بلاده تخشى من تسرب عناصر داعش من سوريا والعراق إلى ليبيا ومنها إلى الصحراء الغربية وسيناء.
وعبّر الرئيس السيسي عن قلقه من انتقال عناصر داعش إلى مصر عبر الأراضي الليبية بعد الهزائم التي مُنِي بها التنظيم في كل من سوريا والعراق، وقال في مقابلة مع قناة فرانس 24 إن النجاح الذي تحقق في مواجهة داعش الإرهابي في سوريا والعراق، سيترتب عليه انتقال لبعض العناصر من هذه العصابات إلى ليبيا ومصر وسيناء وغرب أفريقيا. ودمرت القوات المصرية منذ ثلاث سنوات حتى الآن 1200 سيارة محملة بالذخائر والإرهابيين، جاءت من حدود مصر الغربية مع ليبيا، وأن مصر تواجه مشكلة في تأمين حدودها مع ليبيا، إذ لا أحد، حسب تعبيره، يستطيع تأمين حدود تمتد لمسافة 1200 كيلومتر في مناطق صحراوية.
ذلك ما يجعلنا نستذكر ما أشار إليه مؤخراً مركز صوفان الاستشاري الأمريكي للشؤون الأمنية، في تقريرٍ له، من أن عودة ما لا يقل عن 5600 داعشي من العراق وسوريا إلى دولهم، وهؤلاء المتطرفون بالأساس من 33 دولة عادوا إلى بلدانهم ذلك ما يشكل تحدياً هائلاً للأمن الأوروبي ولعمل أجهزة الأمن في بلدانهم.
وكشف التقرير عن أن أكثر من 40 ألف أجنبي قدموا من 110 دول للانضمام إلى داعش قبل وبعد إعلان تشكيل نواته الأولى في حزيران عام 2014م إذ يبقى بعضهم متمسكاً بشكل من أشكال الجهاد العنيف الذي يدعو إليه تنظيما داعش والقاعدة، ولأن من يريد الاستمرار في القتال يجد طريقة للقيام بذلك، وأن ما لا يقل عما نسبته 30 بالمائة من قرابة 5 آلاف مواطن من دول الاتحاد الأوروبي الذين ذهبوا إلى العراق وسوريا ثم عادوا إلى بلدانهم التي تعتمد معهم سياسة السجن بشكلٍ عام.
ومهما تلاعبت قطر مع القوى الإرهابية المتطرفة، ونسقت مع الشخصيات الدينية الداعمة للإرهاب والمحرِّضة على شق الصف العربي لن يُكتب لها النجاح والاستمرار في غيها طالما أن مبتغاها إلحاق الضرر بالعرب والمسلمين، ونواياها تتنافى مع كل ما ورثناه من حضارة عربية مشرقة، فالقرضاوي الذي نسّقت معه قطر كانت له مهمة واحدة ومحددة ألا وهي التطاول على كل الأنظمة العربية دون استثناء وتنفيذ أوامر الغرب وإسرائيل من خلال مواقفه الرعناء وفتاواه الخارجة عن روح العروبة والإسلام، وقطر تمسكت به كونه يشغل منصباً في رابطة العالم الإسلامي، ويعمل معها في المخطط الصهيوأمريكي المتفق عليه، حتى أن طليقة القرضاوي أسماء بنت قاده التي تحمل الجنسية الجزائرية، أوردت أنها طلقته وسبب انفصالها عنه لعلاقته الوثيقة بدولة إسرائيل والموساد وزياراته إلى تل أبيب، مما جعل قطر تحتفظ به لتنسج خيوطها المأساوية بحق الأنظمة العربية.
فهل تدرك قطر حجمها المحدود وصفحات تاريخها البائس وقدراتها الواهية والزائلة؟! وختاماً أستذكر في هذا السياق حكاية البعوضة التي حطت على شجرة نخيل كبيرة ضاربة جذورها في عمق الأرض، ولمّا همّت البعوضة الصغيرة بالطيران صاحت بأعلى صوتها أختي شجرة النخيل: أحذرك بأني أنوي أن أطير، فقالت لها شجرة النخيل، أيتها البعوضة ما شعرت بهبوطك حتى أشعر بإقلاعك وطيرانك!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة