اتصال غامض وابتزاز وتجنيد.. صحفي يمني في شباك "مافيا" أردوغان
تفاصيل صادمة تستعرض ما تعرض له صحفي يمني من ابتزاز وقمع من قبل النظام التركي في "إرهاب دولة" تعتمد الترهيب لتحقيق أهداف خبيثة.
حادثة جديدة تؤكد نهج النظام التركي أساليب استخباراتية بممارسات إرهابية، كان بطلها أو بالأحرى ضحيتها، صحفيا يمنيا يعمل في قناة فضائية يمنية تبث من إسطنبول.
واقعة بتفاصيل شبيهة بالأفلام تكشف تماهي تنظيم الإخوان وقنواته الفضائية الخاصة مع السلطات الاستخباراتية التركية، وتسخيرها لمراقبة ورصد ومتابعة الصحفيين اليمنيين، وتوظيف العاملين فيها كأدوات للنظام القمعي التركي.
الصحفي اليمني، عدنان الراجحي، كشف مؤخرًا عبر منشور على صفحته بموقع فيسبوك، رصدته "العين الإخبارية"، تعرضه للتهديد والاعتقال والتعذيب على أيدي رجال المخابرات التركية، في محاولة منهم لتجنيده والعمل لصالحهم.
عدنان فضح أيضا قيام السلطات التركية المتصلة برأس هرم الحكم في البلاد، وبإيعاز منها، باستجوابات وتحقيقات خارجة عن القانون، مستخدمةً أساليب الترهيب والتهديد والابتزاز.
اتصال غامض
يقول عدنان: "أثناء مزاولتي لعملي في مقر قناة إخوانية بتركيا قبل عامين، تلقيت اتصالاً هاتفياً من رقم ثابت، عرّف بنفسه أنه 'قسم القلم الخاص'، وطلب مقابلتي".
اعتقد الصحفي أن السلطات التركية تريد بحث إقامته أو مشكلة ما في تجديد جواز سفره أو ما شابه، وأبلغ زملاءه في القناة الذين راحوا يمازحونه.
أحد الزملاء همس في أذنيه: "هذا جهاز مخابرات، على مَن كنت تكتب وتتحدث؟".. وهو ما أثار استغراب عدنان.
وفي اليوم التالي، ذهب عدنان إلى المكان الذي حددوه له، وطلبوا منه الحضور إليه إجباريًا، فوجد ثلاثة أشخاص، محققَين اثنين ومترجما، وطرحوا عليه في البداية أسئلةً شخصية، قبل أن يستفسروا منه عن صحفيين موالين لقطر وتركيا، ومعارضين لدول التحالف العربي.
ابتزاز وقمع
ويضيف عدنان: "طال الحديث مع المحققين، وبدأت أفهم من تلميحاتهم أنهم يريدونني العمل لديهم ضد صحفيين وناشطين ومسؤولين حكوميين يمنيين داخل وخارج تركيا، وكان هذا بمثابة عرض مقدم لي".
رفضتُ ذلك، فقالوا لي "فكّر بالموضوع حتى بعد عيد الفطر، وطلبوا مني عدم الإفصاح بذلك حتى لجهة العمل، وكان طلبهم بلهجة التهديد"، يتابع.
وبعد عيد الفطر، تواصل اثنان من المحققين مع عدنان والتقياه، لكن ليس في نفس المكان، بل في إحدى الغرف المغلقة والمعزولة في دور أرضي بأحد الفنادق بمنطقة "بيشكتاش" المطلة على مضيق البوسفور.
يقول: "حين تمسكتُ بموقفي الرافض، أعطوني ظرفًا وبداخله مبلغ مالي، كهدية منهم"، ويؤكد: "رفضت أن آخذه، وحاولوا معي خلال ثلاث ساعات، وتكررت نفس الأسئلة عن صحفيين في تركيا ومصر والخليج".
استمرت الاتصالات وطلب اللقاءات من السلطات الاستخباراتية، والتي كانت حدتها وأساليبها تتصاعد كلما أبدى عدنان موقفًا ثابتًا في رفض طلباتهم، حتى وصلت لدرجة "البلطجة" بحسب وصف الصحفي.
بلغ بهم الأمر حد تهديده بالتصفية إن هو أبلغ عمله أو أحدًا من معارفه بأمر الاستجوابات، وطلبوا منه أن يكون طبيعيًا، وألا يعرف أحد بما يدور بينهم، كما استخدموا الكلاب البوليسية الضخمة لترويعه وترهيبه أثناء التحقيقات.
ومع الوقت، اتسم أسلوب التعامل معه حدةً متصاعدة، يتابع، "وبعد استمرار رفضي توفير معلومات عن زملاء صحفيين من اليمن، كالوا لي التهم بـ'الإرهاب والتخابر'، وأصبحوا يحققون معي والشرر يتطاير من أعينهم، مع ألفاظ مليئة تهديدات بالتصفية".
ويشير إلى أن هذه التهم هي نفسها التي تعرض لها الكثير من الزملاء والصحفيين اليمنيين والعرب المقيمين في تركيا، بحسب أحاديثهم معه.
التجسس والحوثي
في منشوره، قال عدنان أيضا إنهم طلبوا منه مراقبة ورصد زملاء له، يعملون كصحفيين في تركيا، أغلبهم يمنيون، غير أنه رفض ذلك باعتبار ذلك تجسسًا على إخوة وزملاء.
وأضاف أنهم طلبوا منه أيضًا استدراج أشخاص وزملاء، تحفظ عدنان على ذكر أسمائهم في منشوره، لأنه لم يحصل على إذن مسبق منهم، حسب قوله، ويدعوهم لقضاء العطلة في إسطنبول.
ويضيف: "رفضت وراوغتهم وقدمتُ لهم عشرات الأعذار بعدم تمكني من التواصل معهم، في محاولة لتخفيف الضغوط عليّ، والتخفيف من حدة التهديدات التي بلغت مستوى الإخفاء القسري والقتل".
استجوابات يؤكد عدنان أنها موثقة بالصوت والصورة، بينها "أنهم قالوا لي سنعطيك صور أشخاص للتعرف عليهم، وكان من بينهم زملاء في العمل وأشخاص آخرون لا أعرفهم".
ويواصل عدنان سرد ما تعرض له على يد المخابرات التركية، ليكشف علاقتها بمليشيات الحوثي، وقدرتها على ترحيله إلى صنعاء ليقع في قبضتهم.
يُكمل: "حين رفضت الإفصاح عن طبيعة عمل زملائي وتوجهاتهم السياسية، هددوني بنقلي إلى صنعاء، وهذا التهديد أرعبني كثيرًا، وجعلني أبحث عن طريق للخروج من تركيا بأي طريقة، وقررتُ تقديم بلاغات مكتوبة لقنصليات أوروبية. لكنني واجهتُ مشكلتين".
الأولى، يوضح، "منعي من قبل الأمن في تلك القنصليات، والمشكلة الثانية أن تسليم أي أوراق يحتاج إلى حجز موعد إلكتروني، وهذا قد يؤدي إلى انكشافي، كونهم يراقبون كل تحركاتي، ومنعوني من السفر".
ولفت إلى منعه في فترة من فترات الاستجوابات من الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة انتقاد أشخاص وقيادات تتبع حزب الإصلاح اليمني؛ ذراع إخوان هذا البلد، وخاصة من يقيم في تركيا، وكذلك عدم انتقاد مليشيات الحوثي.
وفي هذه الإشارة تلميح إلى العلاقة الوثيقة بين حزب الإصلاح اليمني الذي كان ينتقده عدنان الراجحي ومليشيات الحوثي، بإشراف وتنسيق تركي، وقد يكون هذا سبب اعتقاله واستجوابه.
إرهاب دولة
لفت الصحفي إلى ممارسة ما وصفه "الإرهاب النفسي" تجاهه، من خلال منعه من السفر أو التحدث عما يتعرض له لأي شخص، ومراقبة حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائله الإلكترونية.
وأضاف أن آخر استجواب له كان "مهيئًا بعناية"، حيث تمنى الموت، بعد أن مورست بحقه تهديدات مباشرة بالتصفية، وتحول المحققون إلى عصابات جسدت "إرهاب الدولة".
فطلبوا منه بالقوة وتحت تهديد السلاح والكلاب البوليسية بالاعتراف زورًا من خلال كلام مكتوب بأنه يتجسس على تنظيم الإخوان (فرع اليمن)، كما طلبوا منه أن يتهم نفسه بالتجسس على مكان عمله ومؤسسات تتبع الإخوان لصالح دول أخرى.
وحين رفض، هددوه بنقله إلى صنعاء، فقلت لهم "أقل شيء لو متُ فسأموت في بلدي، إلا أن أحد المحققين رفع مسدسه ووضعه على رأسه وأعقبه دخول شخص بصحبة كلب بوليسي كبير لتهديدي إن لم أفعل ذلك".
حيثيات تستبطن بشكل واضح الممارسات الإرهابية لأجهزة المخابرات التركية تجاه اليمنيين والعرب، وبتوجيهات رئاسية من أعلى سلطة في تركيا، بحسب إشارات عدنان الراجحي، الذي لفت إلى ارتباط المحققين الذي استجوبوه مباشرةً بالرئيس التركي.
منشور عدنان كشف تأثره نفسيًا نتيجة كل هذا الكم الهائل من الإرهاب النفسي، كما ألمح إلى تورط زملاء له في القناة الإخوانية بمراقبته والتجسس عليه وإبلاغ السلطات التركية ضده.
كما يشير إلى استغلال القنوات الفضائية اليمنية الموالية للإخوان والمتواجدة في تركيا لاتهام اليمنيين المقيمين هناك جزافًا، واستخدام العاملين فيها كمرتزقة يمارسون الابتزاز ويوزعون صكوك الغفران والوطنية للآخرين.
واستغرب عدنان من اتهامه بالإرهاب في ظل تجديد إقامته من قبل السلطات التركية، وتركه يسرح ويمرح في البلاد دون اعتقاله كل تلك المدة، لافتًا إلى تلفيقات من قبل بعض الإخوان المتواجدين في تركيا وداخل القناة التي يعمل فيها، هم من تسببوا بما تعرض له.
مختتما "الضرر لحقني من أبناء جلدتي الذين تم تجنيدهم كمخبرين داخل القنوات اليمنية هناك وفي الاتحادات الطلابية والمنظمات ومقار الشركات التجارية لليمنيين، وحتى مدارس الأطفال اليمنية".