يبدو المشهد الاقتصادي التركي الآني هو بداية النهاية، ولهذا يعاند أردوغان القدر، من خلال محاولة تفعيل القوة الغاشمة.
تبدو تركيا ماضية إلى نهاية حقبة "الأردوغانية"، بعد أن أصبحت شهوة قلب السلطان المتوهم أردوغان، السيادة والسيطرة، من غير سند قانوني أو حق تاريخي، لا سيما في مياه البحر الأبيض المتوسط، الأمر الكفيل بأن يفتح عليه أبواب مواجهات قاسية وقاصمة، قد تصل إلى حد الحرب .
نهار الأحد الماضي، كانت تركيا تجدد تهديداتها لجيرانها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة قبرص واليونان، وذلك من خلال إعلانها الخاص بتوسيع نطاق عملياتها لاستكشاف حقول الغاز في المنطقة المتنازع عليها شرقي المتوسط، وتأكيدها على مواصلة سفينة التنقيب التركية "ياووز" أعمالها، خلال الفترة الممتدة من 18أغسطس آب الجاري، وحتى نهاية سبتمبر أيلول المقبل .
الإعلان التركي جاء بعد تصريحات أردوغان التي أكد فيها أن بلاده ستستأنف عمليات التنقيب والبحث عن مصادر الطاقة قبالة جزر يونانية، ووعد بعدم التراجع عن توغل بلاده في شرق المتوسط، زاعما أن تركيا "على حق تماما " في المنطقة المتنازع عليها مع اليونان .
علامة الاستفهام هنا إلى أين يمضي أردوغان، وهل هروبه إلى الأمام جهة المتوسط سيجنبه النهاية الحتمية لجنون الحقبة “الأردوغانية” التي عاشتها بلاده ودفعت وستدفع أكلافها عالية وغالية ؟
أضحى أردوغان كما يقال في الأساطير اليونانية " ميثان تروب "، أي "عدو البشر"، فقد تكاثرت عداواته من داخل بلاده وبين مواطنيه، إلى خارجهما، إذ دخل في خلاف مع جميع الدول المحيطة بتركيا، حتى أصبح الإقليم برمته ضده، فيما أوروبا متمثلة في فرنسا تحرك قطعها الحربية إلى المتوسط، وواشنطن تفتر علاقتها به، وحلف جديد يتشكل في رحم المنطقة لملاقاته، والتي تبدو قدرا مقدورا في زمن منظور.
والشاهد أن القول بنهاية “الأردوغانية” أمر لا تهويل فيه، بل هو حقيقة مؤكدة، ذلك أن الإمبراطوريات الكبيرة والحضارات العظيمة، وليست تركيا أردوغان، إنما تفسد وتنهار ثم تضمحل من داخلها، وما محاولة بناء دولة خلافة تركية من جديد، إلا أوهام مضادة لحركة التاريخ .
يبدو المشهد الاقتصادي التركي الآني هو بداية النهاية، ولهذا يعاند أردوغان القدر، من خلال محاولة تفعيل القوة الغاشمة، في مياه المتوسط للحصول على حصة من كعكة الغاز والنفط ليست له .
ولعل المتابع للأوضاع الاقتصادية في الداخل التركي، يدرك حال ومآل تدهور الليرة التركية، على الرغم من المحاولات المضنية التي بذلتها الدولة هناك لإنقاذها، ففي غضون بضعة أشهر أنفقوا حوالي نصف احتياطاتهم من العملات الأجنبية، وكان حجمها الإجمالي مضحكا لمثل هذا الاقتصاد الكبير .
في الوقت نفسه لا يستبعد المحللون أن تستنفذ أموال تركيا بحلول نهاية الصيف، وفي هذه الحالة لن يكون أمام أنقرة سوى تخفيض كامل لقيمة العملة عشرات أو ربما مئات المرات، ما سيؤدي حتما إلى انهيار حاد في الطلب وتسريع الركود الاقتصادي .
تجاوز المشهد التركي الانهيار الاقتصادي، إلى احتمالات الدخول في مواجهات عسكرية مع الأوروبيين، أو العرب الشرق أوسطيين ...كيف ؟
البداية من عند فرنسا العدو السابق تاريخيا للعثمانيين، ورأس الحرب في معركة "ليبانت " الشهيرة عام 1571، تلك التي ظلت باقية في أذهان الأتراك، تمثل جرحا غائرا في قلوبهم وعقولهم وذاكرتهم .
طويلا جدد تذلل أردوغان من أجل أن تقبل عضويته في الاتحاد الأوروبي، ولم يجد إلا الصد والرد من الأوروبيين، فما من عاقل في القارة العجوز يأمن شر التركي، والتجربة عبر التاريخ مريرة .
ينتصب الرئيس الفرنسي ماكرون هذه الأيام في مواجهة أردوغان وسياساته وأطماعه التوسعية، فقد ندد الرئيس الفرنسي ب" انتهاك " تركيا لسيادة اليونان وقبرص وطالب برد أوروبي على ما وصفها ب " الاستفزازات " في شرق المتوسط من جهة، وبتهديد بل تقويض فرص السلام في ليبيا من جهة ثانية .
المتابع للتحركات الفرنسية يجد أنها تجاوزت ردات الفعل الدبلوماسية، ويتبدى من المشهد الآني أنها تستعد لاحتمالات المواجهة مع تركيا، من خلال نشر طائرات رافال وإرسال فرقاطة بحرية إلى موضع التشارع والتنازع .
لا يثق الفرنسيون في الأتراك بالمرة، وقد ازدادت الشكوك في شهر يونيو الماضي بعدما فتحت سفينة تركية الرادار على الفرقاطه الفرنسية " لو كور بيه "، الأمر الذي يعني الاستعداد لإطلاق النيران عليها والدخول في مواجهة عسكرية .
ما الذي تسعى إليه فرنسا في مواجهة تركيا ؟
الجواب نجده عند رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، الجنرال " فرانسوا لوكونترا "، في صحيفة لوموند الفرنسة نهار الخامس عشر من يوليو تموز الماضي .
المسؤول الفرنسي الكبير يكشف عما تسعى إليه بلاده، وهو من جهة " وضع أعضاء الحلف الأطلسي أمام مسؤولياتهم في الرد على تركيا . ومن جهة ثانية "دفع الأوروبيين لتكوين جبهة موحدة " لدفع الحلف لموقف " لا غموض فيه "، وأيضا "إفهام الأتراك " حزم الجانب الأوربي ودفع " أنقرة " لاستخلاص النتائج .
هل أتت الجهود الفرنسية أكلها أوروبيا أول الأمر ؟
من المعروف أن فرنسا هي عقل أوروبا السياسي النابض، فيما ألمانيا هي قوتها الاقتصادية، والتي لن يطول بها المقام لتتحول ومن جديد إلى قوة عسكرية ضاربة، لا سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار أحلام الرايخ الرابع القادم .
خلال زيارة لأثينا دعا وزير الخارجية الألماني "هايكوس ماس " تركيا لوقف " الاستفزازات "، في إشارة إلى التنقيب التركي عن الغاز في شرق المتوسط، والذي يعتبره الاتحاد الأوروبي غير شرعي .
جاء حديث "هايكو ماس" لا تنقصه الصراحة، وعنده أن على تركيا احترام القانون الدولي، وأن التنقيب التركي أمام سواحل قبرص يجب أن يتوقف .
نهار الخميس الماضي الثالث عشر من أغسطس آب الجاري، كانت قوات يونانية وفرنسية تجريان مناورات عسكرية قبالة جزيرة كريت الجنوبية، الأمر الذي يدلل على أن التزام الرئيس الفرنسي ماكرون بتعزيز وجود بلاده في شرق المتوسط جدي إلى أبعد حد ومد .
نهاية “الأردوغانية” ربما تأتي على يد تحالف دولي إقليمي، قد يتحول إلى حلف عسكري في القريب العاجل، للقضاء على أوهام السلطان الذي لم يعد له صاحب أو صديق.
تركيا – أردوغان تجد نفسها اليوم في مواجهة فرنسا ومصر وإسرائيل واليونان وقبرص، هؤلاء في العلن، وهناك من وراءهم دول أخرى حكما، فقد أدت سياسات أردوغان العدائية على كل الجبهات إلى جذب لاعبين آخرين للتحالف المضاد لأطماعه، والمؤكد أن هولاء سيتزايد عددهم.
ماذا عن أردوغان وترامب ؟
من ترامب إلى بقية المؤسسات الأمريكية الرئيسة كالبنتاغون والخارجية، هناك منحدر عميق للعلاقات مع تركيا – أدروغان ..ما الذي يعنيه ذلك وانعكاساته وتبعاته على أنقرة المأزومة ؟
إلى قراءة قادمة بإذن الله .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة