المعاهدة ستضع حدا لاستغلال تركيا للشعوب العربية باسم القضية الفلسطينية، بعد أن تاجرت بهذه القضية طويلا، من خلال مواقف استعراضية.
من سخرية الأقدار أن يخرج أردوغان بتصريحات مفضوحة في معرض نقده للاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، وتهديده بتعليق العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، فلو صدر هذا التصريح عن رئيس دولة غير تركيا، لربما نظر إليه البعض بعين الاختلاف والنقد والحوار والاحترام، أما أن يصدر عن رئيس تركيا التي كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل بعد أشهر من إعلان تأسيسها، ومن ثم ترتبط معها بسلسلة اتفاقيات عسكرية واقتصادية وتجارية وأمنية وصلت إلى حد التحالف معها في محطات كثيرة، فهذا أمر يثير السخرية والقرف والسذاجة معا، ولعل من محاسن الأمور، أن أصغر طفل بات يدرك مدى نفاق أردوغان وسياسته بخصوص القضية الفلسطينية والمتاجرة بها.
ككاتب وباحث متابع ومهتم بالشأن التركي منذ أكثر من ربع قرن، عندما استمعت لتصريح أردوغان، وضعت منشورا على صفحتي للتواصل الاجتماعي "فيس بوك"، طرحت فيه السؤال التالي: لماذا كل هذا الجنون التركي من الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي رغم أن تركيا أكثر دولة لها علاقة ممتازة مع إسرائيل ؟، خلال دقائق وجدت نفسي أمام مسألتين. الأولى: حجم الردود والتعليقات الكثيرة حيث لم استطع الرد عليها نظرا لكثرتها. والثانية: نوعية إجابات المعلقين والتي اتسمت بالوعي لطبيعة الدور التخريبي لتركيا، وخلفيات الهجوم التركي على الموقف الإماراتي وأبعاده، والتي يمكن أن أجملها في نقاط كثيرة، لعل أهمها :
1- أن الرد المتوتر لأردوغان على الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، نابع من إحساسه العميق بأن خسارة عميقة ستلحق به لجهة علاقته التاريخية والحيوية بإسرائيل، لصالح الدول العربية.
2- لأن المعاهدة ستضع حدا لاستغلال تركيا للشعوب العربية باسم القضية الفلسطينية، بعد أن تاجرت بهذه القضية طويلا، من خلال مواقف استعراضية، وتصريحات وخطابات أيديولوجية رنانة، عكس جوهر علاقته العميقة بإسرائيل، والتي سخرها لصالح سياساته.
3- لأن تركيا لا تريد شريكا أو منافسا من المنطقة، يكون على علاقة جيدة بإسرائيل، خوفا من تراجع مكانتها وقدرتها على التلاعب بقضايا المنطقة.
4- لأن الإمارات العربية المتحدة نجحت بهذه الخطوة في توجيه ضربة قوية للتحالف التركي القطري الإخواني، وسحب البساط من تحت دعايتهم الأيديولوجية، واستغلالهم للقضية الفلسطينية إعلاميا وسياسيا بحثا عن شرعية سياسية لمشروعهم.
5- لأن الاتفاق يؤسس لدور خليجي مصري إسرائيلي بغطاء أمريكي ودولي، ومثل هذا الدور يؤسس لنظام إقليمي جديد في المنطقة، في مواجهة الأجندة التركية والإيرانية الهادفة إلى وضع اليد على المنطقة.
6- لأن الاتفاق يضعف من قاعدة الاعتماد الأمريكي على تركيا في الكثير من القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط، إذ أن الواقع الجديد في مرحلة ما بعد الاتفاق الثلاثي يؤسس لتعاون مختلف يصب في صالح الدول العربية الخليجية، لجهة جلب الاستقرار الإقليمي وحل المشكلات، ومثل هذا الأمر يسحب البساط من تحت السياسة التركية، ويفقد تركيا أوراقا كثيرة استخدمتها ضد الدول العربية.
7- إجماع على أن الهجوم التركي على معاهدة السلام، هو دعاية مفضوحة ومكشوفة لا قيمة لها، وسببه إحساس أردوغان بالخسارة التي ستحلق به، وأن لجوءه إلى المزايدة لكسب استعطاف العرب والمسلمين، والقول إن تركيا هي الوحيدة التي تقف مع القضية الفلسطينية، مع أن كل سياسته في هذا المجال كانت في إطار المتاجرة المكشوفة والتي باتت معروفة للجميع.
8- إن السبب الرئيسي للجنون التركي، هو إحساس أردوغان بأن الاتفاق يؤسس لهزيمة مشروعه السياسي مع جماعات الإسلام السياسي، وتحديدا الإخوان المسلمين في العالم العربي، وهو المشروع الذي يرى أردوغان من خلاله أن كل قضية تخص مستقبل العالم العربي يجب أن تكون من خلال سياسة تركيا، بوصفها تمثل سياسة الباب العالي، وذلك في إطار عقليته العثمانية، ونظرته الاستعلائية تجاه العالم العربي.
في الواقع، من الواضح أن الموقف التركي المتوتر، نابع من الإحساس بمرارة الخسارة، والغريب أن أردوغان الذي يدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس، بدلا من أن يهدد بقطع علاقات بلاده مع إسرائيل، يهدد بإغلاق سفارة بلاده في أبوظبي، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة. يا له من إحساس مر بخسارة كبيرة، وتعبير عن الانفصام الشخصي قبل السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة