معاهدة السلام الإمارتية الإسرائيلية شكلت لحظة تاريخية قد يصعب على الكثير استيعابها بأبعادها الاستراتيجية.
هذه اللحظة التاريخية التي شهدت توقيع معاهدة سلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل، قد شكلت في الحقيقة انفتاحا مستحدثا وجديدا في العلاقات العربية الإسرائيلية، ولو استرشدنا بالتاريخ لوجدنا فيه لحظات تاريخية مثل هذه تفرض نفسها، وتسهم في تبنى نهج جديد يغيّر في الفضاء المحيط ويمنحه فسحة زمنية جديدة للفهم.
معاهدة السلام الإمارتية الإسرائيلية شكلت لحظة تاريخية قد يصعب على الكثير استيعابها بأبعادها الاستراتيجية، فاللحظات التاريخية لحظات حاسمة وجريئة وفاعلة، وقد يتطلب الأمر وقتا طويلا لكي يدرك الجميع أن لحظات التاريخ ليست عادية يسهل فهمها واستيعاب مدلولاتها بسرعة من الكل، فالمنطقة اليوم بل والعالم كله أصبح شيئا مختلفا، ولم تعد القضايا والمصالح والاستراتيجيات الحاسمة تناقش بنفس الطرق التقليدية، وهذا مافرض البحث عن مسارات مختلفة تحقق التوازن والاستقرار في المحيط الذي تعيش فيه دول العالم.
لقد أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة إحساسا عميقا بالنضج السياسي، وليس على مستوى المنطقة فقط عندما تبنت هذه الخطوة مع إسرائيل، وفي المقابل وقع الكثيرون ممن لم يستطيعوا فهم هذه المرحلة في لغط شديد بين اللحظات التاريخية الحاسمة، وبين مواقفهم وتصوراتهم للنتائج التي تقف فعليا خلف هذه المعاهدة.
دولة الإمارات العربية تدرك بعمق شديد كيف ستؤدي هذه المعاهدة إلى تشكيل فرصة تاريخية من أجل المنطقة بأكملها، وخاصة القضية الفلسطينية التي تنظر إليها دولة الإمارات ومنذ عهد الشيخ زايد - رحمه الله - كقضية محورية في السياسة الإماراتية، وقد حملت هذه المعاهدة بين طياتها مصالح القضية وبنفس التوازن حمل هذا الاتفاق مصالح دولة الإماراتية، ومن يطّلع على بنود الاتفاق يدرك أن الإمارات وضعت القضية الفلسطينية كعنوان بارز لهذه المعاهدة ونجاحها.
عبر التاريخ حدثت الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات العربية الإسرائيلية، الرسمية منها تجاوز عمرها الآن الأربعة عقود، لذلك فإن ما نراه اليوم يقع في ذات السياق التاريخي لمشهد العلاقة العربية الإسرائيلية، بل هي فرصة مؤاتية لتطوير مسارات جديدة لفهم الدولة الإسرائيلية بشكل سياسي وثقافي واجتماعي، والحقيقة أن بين ثنايا هذه المعاهدة مشهد سياسي مختلف يحدث للمرة الأولى على مستوى العلاقات مع دولة إسرائيل، فهذا الاتفاق يعالج مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كل بمسار منفرد.
منذ منتصف القرن الماضي وحتى قيام دولة إسرائيل لم تكن هناك فرصة تاريخية كتلك التي تحدث اليوم، والتي للشعوب العربية والشعب الإسرائيلي التواصل الثقافي والاجتماعي بعيداً عن التواصل السياسي أو النزاع العسكري الحاد، وخاصة أن هناك ما يقارب من مليون ونصف المليون عربي يحملون الجنسية الإسرائيلية ويقيمون داخل إسرائيل، وفي هذا المسار تجربة مختلفة للبحث عن طرق ووسائل مستجدة لفهم قضية العلاقات العربية الإسرائيلية، وهي فرصة تاريخية للتأثير الأكبر على مسارات القضية العربية الأهم.
في الإطار السياسي يعتبر ما حققته دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادتها السياسية إنجازاً تاريخيا، خاصة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، فقد ساهم هذا الاتفاق في إنقاذ القضية الفلسطينية من مشروع سياسي كانت آثاره سوف تكون كارثية فيما لو لم يأت هذا الاتفاق، وبهذه الصورة سيمنح هذا الاتفاق التاريخي وبشكل تدريجي الاطمئنان للجميع، ويبني قناعة أن التفكير التقليدي في القضايا الوجودية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يتحول إلى تفكير مختلف يسعى إلى البحث عن حلول التعايش والاستقرار والسلام والفهم المشترك بين شعوب المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة