تركيا تتودد وأوروبا تتوعد.. أردوغان بمصيدة العقوبات
سياسات تركيا العدائية، وتحديدا في منطقة شرقي البحر المتوسط، على أجندة القمة الأوروبية التي تنطلق غدا الخميس.
عشية قمة الاتحاد الأوروبي، المقرر عقدها غدا الخميس، توددت تركيا على لسان وزير خارجيتها إلى دول أوروبا التي توعدتها بـ" أقسى عقوبات" جراء سلوكها الاستفزازي شرق البحر المتوسط ومناكفة اليونان.
وتتصدر سياسات تركيا العدائية، وتحديدا في منطقة شرقي البحر المتوسط، أجندة القمة الأوروبية التي تنطلق غدا الخميس على مدار يومين في بروكسل.
وتأتي القمة في ظل دعوات بفرض عقوبات على تركيا التي استبقت هذا الحدث بإجراء مناورات تضمنت تدريبات بالذخيرة الحية، في منطقة قريبة من جزيرتي رودس وكاستيلوريزو اليونانيتين.
وبالإضافة إلى الوضع في شرق المتوسط والعلاقات مع تركيا، سيبحث القادة الأوروبيون في قمتهم ملفات دبلوماسية عديدة أبرزها المعارك المستعرة في إقليم ناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان، والمتّهمة تركيا بالتدخّل فيه سياسياً وعسكرياً.
وتدهورت العلاقات بين اليونان وقبرص وبين تركيا في الأشهر الأخيرة بسبب أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والنزاع حول أنشطة التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط.
تودد تركي بائس
والعقوبات التي تخشاها تركيا المنهار اقتصادها في الأصل، جراء السياسات الخاطئة لنظام أردوغان، علاوة على الخسائر الفادحة اقتصاديا واجتماعيا بالداخل التركي جراء كورونا، حاول أردوغان الالتفاف عليها عبر وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، اليوم الأربعاء.
وفي لغة تراجع، تودد جاويش أوغلو، إلى قادة أوروبا، وذكر أن أنقرة تتوقع أن تسفر قمة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع عن "خطوات إيجابية".
وزعم جاويش أوغلو في تصريحات صحيفة، نقلتها وسائل الإعلام التركية، أن :" تركيا الآن لديها حوار أفضل مع الاتحاد الأوروبي. ينبغي على الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات ملموسة بدرجة أكبر في هذا المناخ الإيجابي".
وزاد في التفافه وتودده إلى القادة الأوروبيون الذين سيبحثون في الأصل سياسات بلاده العدائية في المنطقة وتجاه اليونان، قائلا:"تلك هي توقعاتنا من القمة".
وعلى حال وزير خارجيته استبق أردوغان نفسه، في خطوة تعد تراجعا مهنيا له بعد تصريحاته العنترية حول أحقية بلاده في ثروات المتوسط، القمة الأوروبية بتودد آخر.
وقال الرئيس التركي، في خطاب لزعماء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، إنه:"أود أن أؤكد مرة أخرى أننا مستعدون لحوار مع اليونان بدون أي شروط مسبقة".
واقتربت اليونان وتركيا، الجارتان والعضوان في حلف شمال الأطلسي( الناتو) من شفا مواجهة عسكرية في الأسابيع الأخيرة بعد أن بدأت تركيا التنقيب عن النفط والغاز في منطقة بحرية، تطالب اليونان بأحقيتها في السيطرة عليها.
حيلة تركية فاشلة
الحيلة البائسة والفاشلة لأردوغان وقبله وزير خارجيته للالتفاف على القرار الأوروبي، لم تنطي هذه المرة على قادة الدول الأوروبية أو رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
فرئيس المجلس الأوروبي، حذر تركيا من أنّ "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" للدفاع عن مصالح التكتّل إن هي لم تسلك نهجاً "بنّاءً" في حلّ النزاعات الراهنة في شرق البحر المتوسط.
وفي رسالة الدعوة إلى هذه القمة، أوضح رئيس المجلس الأوروبي، لقادة الدول والحكومات، مساء أمس الثلاثاء، أنّ العشاء الذي سيجمعهم مساء غدا الخميس سيخصّص حصراً لبحث الوضع في شرق البحر المتوسط والعلاقات مع تركيا.
وقال ميشال "هدفنا ضمان الاحترام الكامل لسيادة جميع الدول الأعضاء وحقوقها السيادية"، في إشارة إلى اليونان وكذلك أيضاً إلى قبرص.
وحذّر رئيس المجلس الأوروبي من أنّ "هذا لن يكون ممكناً إلا إذا التزمت تركيا بشكل بنّاء.. جميع الخيارات مطروحة على الطاولة للدفاع عن المصالح المشروعة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء".
تركيا بأزمة اليونان بجانب صراع القوقاز
وعلاوة على الأزمة القائمة مع اليونان، أدخل أردوغان بلاده في صراع تاريخي آخر بين أرمينيا وأذربيجان، الدولتين السوفيتيتين السابقتين الواقعتين في منطقة القوقاز، بهدف إشعال المنطقة وطمعا في ثروات أذربيجان.
وعلى إثر ذلك هاجمت فرنسا وبشدة، السياسات العدائية لتركيا، اليوم الأربعاء، على خلفية الأزمة المشتعلة بين أرمينيا وأذربيجان حيث اتهمتها بإذكاء التوتر بين الطرفين عبر خطابها "المولع بالحرب".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون بمؤتمر صحفي في لاتفيا إن "الخطاب التركي المولع بالحرب يشجع أذربيجان على إعادة عملياتها القتالية" في إقليم ناغورني قره باغ.
وأضاف: "علمت بالإعلانات التركية المؤيدة للحرب، والتي أعتقد أنها متهورة وخطيرة"، مضيفا أن بلاده لا تزال "تشعر بقلق بالغ من الرسائل المولعة بالحرب التي بعثت بها تركيا في الساعات الماضية"، وتابع: "لن نقبل هذا".
وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي مشابهة لموقفه تجاه الأعمال الاستفزازية والعدائية التركية ضد اليونان في منطقة شرق المتوسط وهي الأزمة التي لا زالت تلقى صدى واسعا دوليا في ظل انتقادات عنيفة توجه لأنقرة.
وطلب ماكرون، الأسبوع الماضي، من نظيره التركي رجب طيّب أردوغان الالتزام "بشكل لا لبس فيه" بوقف تصعيد التوتّرات مع اليونان وقبرص.
أما إيطاليا فأعربت، بدورها اليوم الأربعاء، عن موقفها الداعم لليونان وقبرص في الخلاف مع تركيا، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنها تؤيد الحوار البناء مع أنقرة.
وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: "نقف متضامنين مع اليونان وقبرص".
أما اليونان فدعت على لسان وزير خارجيتها نيكوس دندياس، الاتحاد الأوروبي خلال قمته غدًا الخميس إلى إجراء مراجعة شاملة للعلاقات الأوروبية التركية.
وقال وزير الخارجية اليوناني إن "تركيا تخرق القانون الدولي بشكل مستمر ولا يمكن أن ننسى تصرفاتها غير القانونية في منطقتنا الاقتصادية الخالصة".
وأضاف نيكوس دندياس،مخاطبا القادة الأوروبيين، قائلا:" من الضروري أن نظل منفتحين على احتمالية فرض عقوبات اقتصادية على تركيا جراء سلوكها"، لافتاً إلى أن أنقرة تواصل سلوكها الاستفزازي على نحو يدفع باتجاه تصعيد التوتر في أنحاءعدة بالمنطقة.
كما طالب وزير الخارجية اليوناني، تركيا بالامتناع عن التدخل لتصعيد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان.
بادين يدعو إلى الضغط على أردوغان
صدى الاستفزازات التركية لم يقف عند حد القارة الأوروبية العجوز، بل تجاوز الحدود حتى وصل إلى المرشح الأمريكي جو بايدن.
وطالب جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إدارة الرئيس دونالد ترامب بدعوة دول مثل تركيا إلى عدم التدخل في الصراع القائم بين أذربيجان وأرمينيا بمنطقة قرة باغ الجبلية.
وعبر تويتر نشر بايدن تغريدة قال خلالها، إنه :" ينبغي على إدارة ترامب مطالبة تركيا بعدم التدخل في هذا الصراع القائم".
وأثار اكتشاف احتياطيات من الغاز والنفط قبالة قبرص "لعاب أردوغان" الذي يحتل جيشه الثلث الشمالي من هذه الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي.
وعمدت أنقرة، التي تعارض حقّ قبرص في استكشاف موارد الطاقة واستغلالها، إلى استعراض قوة في الأشهر الأخيرة بإرسالها سفن تنقيب إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص على الرّغم من تحذيرات وجّهها إليها كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
واليونان، العضو في الاتحاد الأوروبي، وتركيا، شريكتها في حلف شمال الأطلسي، تتنازعان السيادة حالياً على مناطق في شرق البحر الأبيض المتوسط قد تكون غنية بالغاز الطبيعي. وتصاعد التوتر بين البلدين في نهاية أغسطس عندما أجرى كلّ منهما مناورات عسكرية.
كما حظيت اليونان وقبرص بدعم أوروبي وأمريكي قوي في مَواجهة تركيا على إثر الخلافات في شرق المتوسط.
ورفعت واشنطن حظر التسليح المفروض على قبرص منذ أكثر من ثلاثين عاما، فيما فعلت فرنسا اتفاقيتها الأمنية مع قبرص.
بينما اضطرت تركيا لأخذ خطوة إلى الوراء في أزمة شرق المتوسط وسحبت سفينة التنقيب "أوروتش رئيس" بعدما أصرت اليونان على أنها لن تجلس للتفاوض مع تركيا قبل سحب سفن التنقيب ووقف الاستفزازات في المتوسط.
وكانت الحكومة اليونانية أكدت على ضرورة أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعدا لتوقيع عقوبات على تركيا، حتى وإن تم التوصل لاتفاق بين البلدين بشأن بدء المفاوضات الاستكشافية مرة أخرى.