المراقب للظروف غير المستقرة في البلدان العربية يدرك حجم الأخطار التي تتعرض لها الأمة من محيطها إلى خليجها.
المراقب للظروف غير المستقرة في البلدان العربية يدرك حجم الأخطار التي تتعرض لها الأمة من محيطها إلى خليجها.
حالة الفوضى في ليبيا، والانقلاب في اليمن، الحرب المستعرة في سوريا وتفلت العناصر المتطرفة في مصر وعبثها في أمنها واستقرارها، تخبط المشهد السياسي في تونس ورهن البلد في خضم الخلاف الواقع بين الحكومة والرئاسة، وابتعاد لبنان عن الاستقرار في ظل عدم وجود حكومة، كل هذا يضع الشعوب العربية أمام تحديات كبيرة قد لايستطيع الحكام تخليصهم منها إذا وقعت الواقعة وسادت الفوضى أرجاء بلداننا، وهذا ما تعمل عليه بعض الأطراف الإقليمية مستفيدة من ظروف الانقسام والنزاعات بين الدول العربية واستخدمت لذلك أدوات لها داخل المنظومة العربية لتنفيذ أجندتها.
قطر نموذج لهذه الأجندة، فهي السيف المسلول على رقاب أبناء أمتنا، يبتر عروبتها كلما سنحت له الفرصة تنفيذا لمشروعين اثنين لا يختلف أحدهما عن الآخر، المشروعين التركي والإيراني الساعيين لتوسيع نفوذيهما والهيمنة على المنطقة من جديد.
لن يقف المشروعان الإيراني والتركي عند حديهما إلا بنهضة عربية وتحالف يوقف نزيف بلداننا، تكون عمادها مصر، وجناحاها المملكة العربية السعودية وسوريا بعد تسوية وضعها، ورعاته دولة الإمارات والأردن والعراق العائد من حضن إيران حبوا إلى عروبته، عندها فقط نستطيع القول "لا سوار كسرى" و"لا عرش السلطان".
في الواقع لا يريد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان وذهنيته السياسية تصديق الواقع الحالي بأن الدول العربية تخلصت من 400 عام من الجهل والظلم والتخلف والقهر، خلفها الاحتلال العثماني لأوطاننا، لذلك يسعى بمشاركة الحليف الوثيق له إيران، لزعزعة استقرار البلدان العربية ليعود إلى سابق عهد أجداده.
المشروع المشارك أردوغان عداؤه للعرب هو سلوك حكام إيران الساعية دوما لتغيير الواقع العربي بما يخدم نفوذ ساستها، وإلا ماذا يعني أنه من المسلَّمات لدى قادة إيران أنه يجب تغيير طبيعة البلدان المسلمة ومعتقدها؟
كل هذا يدفع المواطن العربي للسؤال كيف يمكن التعايش مع هذين المشروعين الهادفين لابتلاع أوطاننا واحدا تلو الآخر؟
تعمل الدول وفق مصالحها، وهذا لا يعيبها، ولكن من المؤسف تبني هذين المشروعين من "علماء دين" وسياسيين من أبناء جلدتنا، ودفعهم مجتمعاتنا وتقسيمها ضمن هذين الإطارين اللذين فشلا في قيادة الدول؛ ومصر وتونس نموذجين لذلك، وكذلك ففي الوقت الذي يصرخ فيه خطيب جمعة طهران بأنّ إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، يرفع الرئيس التركي صوته عاليا بأن بلاده الأقدر على قيادة العالم الإسلامي ليكمل وزير دفاعة بأنّ وجود القوات التركية في الشمال السوري لن يكون محدود الزمن، ناهيك عن النفوذ الكبير الذي يحظى به حزب العدالة والتنمية لدى حكومة قطر.
يعمل الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان المتسلح بدعم "تنظيم الإخوان"، ونظيره الإيراني حسن روحاني بغطاء من "المرشد" علي خامنئي، على تنفيذ مشروعيهما وباتا يقرران مصير بلدان كانت في الأمس القريب أعمدة الخيمة العربية وظهيرها وسندها ويتفاخران بقوة تأثيرهما في هذه الدول، وبالفعل تحقق لهما ما يريدان، وما زال تصريح الرئيس الإيراني بأنه لا بد من استشارة بلاده في رسم المشهد السياسي بلبنان يتردد صداه في أذن اللبنانيين، ليضيف أحد مسؤوليه بأن رئيس الحكومة العراقية يعيَّن بإشارة من إصبع جنرال إيراني، هذا بالإضافة للصرخة الإيرانية التي تخلت عنها طهران ووسمت عنوة بها أبناء اليمن مهد العروبة ومنبع عزها وكرامتها، ليس هذا فحسب، فالقاصي والداني بات يشاهد ويسمع كيف يتقاسم الطرفان مناطق النفوذ في قلب العروبة سوريا من دون حسيب أو رقيب.
في الواقع هناك من يريد عزلنا عن عروبتنا وإجبار بلداننا على أحد أمرين: إما القبول بعمامة المرشد الإيراني تحت فرضية ولاية الفقيه والانسلاخ التام والتبعية الكاملة للولي الفقيه باعتباره "نائب الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية وإقامة حكم الله على الأرض"، وإما الانصهار في خيوط عمامة ثانية لا تقل خطورة عن الأولى، وهي عمامة "المرشد الأعلى لتنظيم الإخوان"، الذي يسعى من خلاله أردوغان للعودة إلى عرش أجداده الذين لم يوفروا نوعا من التعذيب إلا ومارسوه ضد شبابنا من أرض الحرمين الشريفين حتى مصر.
لن يقف المشروعان الإيراني والتركي عند حديهما إلا بنهضة عربية وتحالف يوقف نزيف بلداننا، تكون عماده مصر وجناحاه المملكة العربية السعودية وسوريا بعد تسوية وضعها، ورُعاته دولة الإمارات والأردن والعراق العائد من حضن إيران حبوا إلى عروبته، عندها فقط نستطيع القول "لا سوار كسرى" و"لا عرش السلطان".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة