حينما كان الزعماء السعوديون يطوفون العالم للحديث عن القضايا الإسلامية كانت تركيا ترسم حدودها مع الاحتلال الإنجليزي
يظن الكثيرون أن أول قمة إسلامية عقدت لمناقشة قضايا "العالم الإسلامي" هي قمة الرباط التي التأمت عام 1969 إثر اجتماع طارئ للزعماء المسلمين بعد حريق المسجد الأقصى، وطرح وقتها مبادئ عامة للعمل الإسلامي، كان من أهمها إنشاء منظمة للمؤتمر الإسلامي بعدما اعترضت دول إسلامية، منها تركيا، على إنشاء تكتل إسلامي والاكتفاء بمؤتمر متى دعت الحاجة.
هذا جزء يسير جدا من قصة السعودية مع خدمة فضائها الإسلامي، وإعلاء شأنه حتى لو جاء ذلك على مصالحها، العمل الإسلامي ليس شعارا وليس قمة سباعية، بل تاريخ طويل من بذل الرياض، وإيمان سعودي حقيقي -رسمي وشعبي- يقدم مصالح الأمة على ما سواها
جاءت قمة الرباط محطة في تاريخ العمل الإسلامي، لكنها بالتأكيد لم تكن الأولى، إذ إن السعودية وعلى يدي الملك عبدالعزيز دعت إلى أول قمة في التاريخ الإسلامي انتظمت بمكة المكرمة في 25 ذي القعدة 1344هـ، 6 يونيو/حزيران 1926، تحت اسم "المؤتمر الإسلامي العام"، أي قبل قمة الرباط بما يزيد على أربعين عاما، حضرها قادة وعلماء من كل أقطار العالم الإسلامي.
لقد مر على قمة "مكة" ما يزيد على 94 عاما سبقت فيها السعودية الجميع بالاهتمام بالشأن الإسلامي وقرنته بعقيدتها كدولة وكنظام سياسي، قادت العالم الإسلامي ودعمت الأقليات ونشرت التعليم الإسلامي واللغة العربية وبنت المساجد وافتتحت المراكز الإسلامية، ومرسلة ملايين النسخ المجانية من القرآن الكريم، وبذلت وما زالت أغلى ما تملك من أموال وإمكانات لخدمة الحرمين الشريفين.
إنها الرياض التي قطعت صادراتها النفطية -لقمة عيشها الوحيدة- عن الغرب عقابا له على دعمه لإسرائيل، ومن سلمت مقعدها في الأمم المتحدة لأبي التونسيين وقائد استقلالهم "الحبيب بو رقيبة" ليستطيع التحدث للعالم مطالبا باستقلال بلاده بعدما طاردته فرنسا في كل مكان، وهي من مد الفلسطينيين والجزائريين بالمال والسلاح لدعم كفاحهم ضد المحتل، ومن عينت رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "أحمد الشقيري" ممثلا لها في الأمم المتحدة ومنحته جنسيتها ليدافع عن قضيته مباشرة ويبلغ العالم بمأساة فلسطين، وهي الدولة الوحيدة التي استضافت مئات الآلاف من الأقليات المسلمة من الروهينجا وتركستان الشرقية منذ نشوء تلك المأساة منتصف الخمسينات.
وفي الوقت الذي كان فيه الزعماء السعوديون يطوفون العالم للحديث عن القضايا الإسلامية، وتطالب باستقلال ماليزيا وباكستان وإندونيسيا من الاحتلال البريطاني، ولا تستطيع حماية نفسها قبل أن تسهم في خدمة المصالح الإسلامية، كانت تركيا ترسم حدودها مع الاحتلال الإنجليزي للعراق وتبيعه للبريطانيين، كما باعت ليبيا للإيطاليين، لكن أنقرة كما هي دائما تعلي مصالحها الخاصة الضيقة على ما سواها، وبدلاً من رفض ترسيم الحدود مع العراق المحتل دعمت وجود الانتداب الإنجليزي لبلد إسلامي مجاور.
اليوم تدعو تركيا عبر محور عجمي يمر بطهران وربما لا ينتهي في كوالالمبور جامعا الدول الفاشلة والصغيرة إلى قمة هي أقرب ما تكون إلى "حلف للفجار" أو تجمع ضرار، الهدف منه تقويض العالم الإسلامي وتحويله إلى فسطاطين "عجم وعرب"، سيؤدي لا محالة إلى انهيار للعالم الإسلامي، أما ذلك الاهتمام -المزعوم- الذي تريد أنقرة سرقته والمزايدة عليه فما هو إلا شعارات ترفعها لتقايض مصالحها مع العالم الغربي بمصالح المسلمين وهموهم.
السؤال الذي يطرح على أنقرة باعتبارها مصنع السم الذي تريد نثره في الجسد الإسلامي: أين التضامن الإسلامي من زيارة أردوغان لقبر مؤسس إسرائيل ووضع إكليل من الزهور عليه؟ وأين التضامن من قتل وتشريد المسلمين الأكراد في شمال سوريا؟ وأين مصالح المسلمين في التصنيع المشترك للسلاح الهجومي مع تل أبيب الذي يقتل به جيش إسرائيل الفلسطينيين؟ وأين التجارة الإسلامية وحجم التبادل مع تل أبيب يفوق حجم تجارتها مع أي دولة مسلمة؟
هذا جزء يسير جدا من قصة السعودية مع خدمة فضائها الإسلامي، وإعلاء شأنه حتى لو جاء ذلك على مصالحها، العمل الإسلامي ليس شعارا وليس قمة سباعية بل تاريخ طويل من بذل الرياض، وإيمان سعودي حقيقي -رسمي وشعبي- يقدم مصالح الأمة على ما سواها.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة