تأسيس الدولة.. "حلم" كردي و"كابوس" تركي
من هم الأكراد، ولماذا الخلاف مع تركيا، تاريخ طويل من الصراع من أجل منع تركيا لحلم الأكراد في إنشاء دولة مستقلة.
تبقى إقامة الدولة المستقلة بمثابة حلم كردي منذ عقود طويلة، وهو الحلم الذي يمثل كابوسا لتركيا.
فلا تتوقف المناوشات والجدل بين تركيا والأكراد، والتي تمتد خارج الحدود، وآخرها ما أقدم عليه نواب سويديون بتقديم دعوى ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتهمونه بارتكاب "أعمال إبادة" في المناطق الكردية، منذ عودة المعارك بين الطرفين في عام 2015.
وقالت النائبة عن حزب "الخضر"، أنيكا ليلمتس، في مؤتمر صحفي: إن 5 نواب قدموا دعوى أمام الغرفة الدولية لدى النيابة العامة في ستوكهولم، تتهم أردوغان بارتكاب "أعمال إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب".
وفي ظل تلك الاتهامات، يوجد شد وجذب وتوتر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وكلمة السر "الأكراد"، من هم؟ ولماذا الخلاف؟.
من هم الأكراد؟
يسكن الأكراد المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا، وتعتمد حياتهم على الرعي في السهول، وفي المناطق الجبلية المرتفعة، ويتراوح عددهم ما بين 20 و30 مليونا، وتعتبر تركيا من أكبر الدول التي يعيشون فيها.
حاول الأكراد على مدار عقود تأسيس دولة مستقلة لهم؛ ففي مطلع القرن الـ20 وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون تصورا لدولة مستقلة تجمع الأكراد وتم توقيع معاهدة سيفر عام 1920.
إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد 3 سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت حدود دولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية، وانتهى الحلم الكردي بتأسيس دولة مستقلة، وعلى مدار السنوات التي تلت، سحقت تركيا أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة، إلا أن الأكراد في الجانب العراقي اقتربوا من تحقيق هذا الحلم من خلال استفتاء شعبي من المقرر أن يعقد في نهاية شهر سبتمبر/أيلول القادم.
كما ظهر تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية، ولعبوا دورا مهما في الصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي.
لماذا الخلاف؟
صراع متأصل ومستمر بين تركيا والأكراد، الذين يمثلون نحو 15 أو 20 في المئة من سكان تركيا؛ حيث عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية، نتيجة لحركات التمرد التي قامت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
وعملت تركيا على إنهاء أي مظهر أو ثقافة كردية، حيث أعيد توطينهم، ومنع الكثير من الأسماء والأزياء الكردية، كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للأكراد باسم "أتراك الجبال".
عام 1978، أسس عبدالله أوجلان حزب "العمال الكردستاني" الذي سعى إلى تحقيق حلم الأكراد وتأسيس دولة مستقلة في تركيا، إلا أن الرد التركي كان قاسيًا حيث قتل أكثر من 40 ألف شخصًا وأعيد توطين مئات الآلاف.
تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطلب الاستقلال نتيجة رد الفعل التركي العنيف تجاههم، وطالب فقط بالمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي.
16 فبراير 1999، تم اعتقال عبدالله أوجلان وتقديمه للمحاكمة، وفي عام 2009 طرحت حكومة أردوغان مبادرة الانفتاح الديمقراطي حيال الأكراد.
عام 2012 بدأت حكومة العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، في محادثات مع أوجلان، وسرعان ما أخذ منحنى العلاقة في التراجع، احتجاجاً على بناء جدار في الحدود مع سوريا بمدينة نصيبين جنوب شرق البلاد، الأمر الذي وصفه الأكراد بأنه خطوة تهدف لمنع المجتمعات الكردية من تعزيز الروابط فيما بينها عبر الحدود.
واشنطن وأنقرة والفزاعة الكردية
مطلع فبراير/ شباط عام 2013، قررت الولايات المتحدة إرسال 50 مجندًا من قواتها الخاصة إلى سوريا، وأعلنت الإدارة الأمريكية آنذاك أن هؤلاء الجنود سيتمركزون في شمال سوريا حيث المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية.
وظل الوضع حتى نجح الأكراد من خلال المساعدات الأمريكية في تحقيق انتصارات وانتزاع عشرات المدن السورية من يد تنظيم داعش الإرهابي، وكان أشهرها جزيرة العرب كوباني، ذلك الانتصار الذي تم بتنسيق مباشر بين القيادات الكردية والأمريكية في العمليات الجوية والأرضية.
مطلع عام 2016، أعلن حينها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، رفض بلاده بشكل قاطع الأكراد حول طاولة المفاوضات في جنيف 3، وتزامنًا مع انعقاد تلك المحادثات، زار بريت ماغيرك، ممثل الرئيس الأمريكي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، عدة بلدات كردية في شمال سوريا، وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي بهذا المستوى إلى سوريا منذ أن غادر سفير واشنطن روبرت فورد دمشق عام 2012.
بدأ الخطاب التركي في التصيعد تجاه واشنطن، ووصل الحد إلى قول أردوغان: "على السلطات الأمريكية الاختيار إذا ما كنت أنا شريكها، أم أن إرهابيي كوباني هم شركاؤها".
تجاهلت واشنطن تصريحات أردوغان، وفي فبراير من العام نفسه، وصل 20 عسكريًّا أمريكيًّا بطائرة مروحية إلى كوباني للإشراف على "خطة هجوم مقرر لقوات سوريا الديمقراطية على مدينة منبج شمال حلب، الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش”.
وفي مايو 2017، قررت واشنطن تسليح المقاتلين الأكراد لمحاربة تنظيم "داعش" شمال سوريا، تحضيرا لمعركة الرقة "عاصمة" التنظيم الإرهابي، في خطوة أثارت غضب تركيا وخوفها من استخدام هذه الأسلحة من قبل الأكراد لاحقا ضدها.
وقال المتحدث باسم البنتاجون، أدريان رانكين-جالواي: "بدأنا تسليم أسلحة خفيفة وآليات إلى العناصر الأكراد" في قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم قوات كردية بشكل أساسي وأخرى عربية تحارب تنظيم داعش الإرهابي، ومن بين الأسلحة التي تسلمها المقاتلون الأكراد بنادق كلاشنيكوف ورشاشات من أعيرة صغيرة، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أذن للبنتاجون بتسليم أسلحة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية.
على الفور، خرج أردوغان ليعلن رفضه لتلك الخطوة، قائلاً: "سيتم حل نقاط خلاف مع واشنطن إلى حد كبير خلال زيارتي إلى أمريكا"، ولكن الزيارة التي تمت لم توقف دعم واشنطن للأكراد، بل خلقت مزيدا من التوتر بين أنقرة وواشنطن.
aXA6IDMuMTIuMTIzLjQxIA== جزيرة ام اند امز