العدوان التركي على سوريا.. دوافع ومسارات محتملة لتأجيج ليبيا
أنقرة تسعى بشكل حثيث خلال الفترة الأخيرة إلى فرض نفسها كورقة مهمة في الصراع الليبي، عبر كل الأدوات غير المشروعة
مع إعلان تركيا إطلاق عدوانها على الأراضي السورية في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ظهرت عدة مخاوف إقليمية ودولية من إمكانية قيام أنقرة بنقل مقاتلي تنظيم داعش المسجونين لدى الأكراد إلى ليبيا.
وهناك شواهد متعددة على قيام أنقرة بنقل بعض المقاتلين من إدلب السورية إلى طرابلس في مرحلة سابقة، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر في يوليو/تموز الماضي من تدفُّق المسلحين من محافظة إدلب إلى ليبيا، كما حذر من تدهور الأوضاع في ليبيا، في إشارة إلى رفض قيام أنقرة بـ"سورنة ليبيا".
هذا وقد أعلن الجيش الوطني الليبي عن رفضه العدوان التركي على أراضي سوريا، في حين أعلنت حكومة الوفاق عن دعمها الكامل لذلك، حيث أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة الإخواني خالد المشري عن تفهمه الكامل لعملية "نبع السلام" التركية شمال شرق سوريا.
وأكد في الوقت نفسه دعم المجلس لأنقرة في محاربتها الإرهاب، متهما مجلس جامعة الدول العربية بأن بياناته وقراراته بات "رهينة حسابات وأجندة دول عربية بعينها"، عقب رفض الجامعة العدوان التركي ومطالبة الدول العربية بخفض التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة.
حيث تجلّى التقارب الكبير بين أنقرة والوفاق في رفض الأخيرة قرارات جامعة الدول العربية بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، حيث أعلنت وزارة خارجية الوفاق في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عقب صدور البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب، عن رفضها دعوة الجامعة العربية لوقف التعاون مع تركيا ومراجعة مستوى العلاقات الدبلوماسية معها، وهو ما يعكس اصطفاف حكومة الوفاق إلى جانب أنقرة واختراق التوافق العربي ضد العدوان التركي على أراض عربية.
تحذيرات الجيش الوطني الليبي
تزامنا مع بدء العدوان التركي أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري أن هناك تخوفات من قيام أنقرة بنقل آلاف الإرهابيين من تنظيم داعش إلى ليبيا، خاصة أن الخلايا النائمة للتنظيم الإرهابي أصبحوا في يد الأتراك ويسعون لنقلهم لمأوى آمن.
واعتبر أن ذلك العدوان التركي من شأنه هروب عناصر داعش من السجون التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وقد تكون ليبيا وجهة مفضلة للدواعش في ظل الفراغ الأمني في بعض المناطق بها مثل مصراتة وطرابلس (غرب).
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كشف الجيش الوطني عن الطريقة التي تقوم بها أنقرة بتهريب المقاتلين والإرهابيين إلى ليبيا، حيث ذكر العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش، أن النظام التركي يستخدم عدة وسائل من ضمنها الطائرات المدنية والسفن لنقل الإرهابيين عبر مطاراتها ومنافذها الحدودية إلى الداخل الليبي، وهو ما يجعل أنقرة متورطة رئيسية في دعم الإرهاب.
دوافع أنقرة
تسعى أنقرة بشكل حثيث خلال الفترة الأخيرة إلى فرض نفسها كورقة مهمة في الصراع الليبي، عبر كل الأدوات غير المشروعة، بما في ذلك توظيف مقاتلي داعش، وذلك لعدة أسباب:
- دعم حكومة الوفاق: تحاول أنقرة بكل قوتها دعمها من أجل عدم سقوط طرابلس في يد الجيش الوطني الليبي، حيث تعتبر العاصمة هي المعقل الأخير والأهم للمليشيات المسلحة التي كانت سبباً رئيسياً في حال عدم الاستقرار السياسي والأمني الممتد في ليبيا خلال السنوات الأخيرة.
وتشير التقديرات إلى أن الأكراد يحتجزون نحو 70 ألف داعشي بعائلاتهم، ومن ثم فإن إخراجهم من الحدود القريبة لتركيا هو هدف استراتيجي لأنقرة، في ظل طموحاتها بتدشين المنطقة الآمنة على حدودها مع سوريا، لذا فإن محاولة التنظيم إعادة التموضع من جديد في مناطق أقل أمناً، يجعل من ليبيا حلا مثاليا بالنسبة لأنقرة من أجل إضعاف الجيش الوطني الليبي، ومحاولة إدخال هؤلاء الإرهابيين إلى طرابلس لدعم مليشيات الوفاق، وكذلك إدخالهم إلى الجنوب الليبي من أجل محاولة تأجيج الوضع الأمني به.
- تهديد الجوار الليبي: تعتبر مصر حاضرة بقوة في مخططات أردوغان المشبوهة، ومن ثم فإن إمكانية تموضع تنظيم داعش في ليبيا بهذه الأعداد الضخمة من شأنه أن يُشكّل نقطة انطلاق من أجل تنفيذ عمليات إرهابية في بعض دول الجوار على رأسها مصر.
ومن جانب آخر، فإن وجود التنظيم في ليبيا من شأنه تحفيز بعض المتطرفين من دول الجوار على الانضمام إليه، وبالتحديد من تونس التي تعد هي الأولى عالمياً في أعداد الإرهابيين الأجانب في مناطق الصراع بالشرق الأوسط، خاصة في ظل القرب الجغرافي بين البلدين وسهولة التنقُّل عبر الحدود بينهما.
- إنقاذ هيبة التسليح التركي: نجح الجيش الوطني خلال الأشهر القليلة الماضية في تدمير الطائرات المُسيَّرة التركية، والتي كانت تتباهى بها أنقرة، وبقدراتها على الردع في ظل صعوبة استهدافها، حيث نجح الجيش في إسقاط تلك الطائرات بشكل شبه يوميّ، علاوةً على ضرب قواعد الإطلاق الخاصة بها.
حتى أن غرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني أعلنت في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن تدمير غرفة تحكم للطيران التركي المُسيَّر في غارة جوية، استهدفت موقعاً عسكرياً في العاصمة طرابلس، كما أدت الغارة إلى قتل اثنين من المهندسين الأتراك، وهو ما يعكس حجم الانكشاف التركي أمام سلاح الجو التابع للجيش الوطني الليبي.
- التوافق مع المخطط الداعشي: جاءت مطالبات زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي من أتباعه في أواخر أبريل/نيسان الماضي بالتركيز على ليبيا، واستنزاف الأعداء (الجيش الوطني) فيها في جميع مقدراتهم البشرية والعسكرية والاقتصادية واللوجستية، ليؤكد تلاقي رغبات أنقرة مع التنظيم، وهو ما استتبعه قيام تنظيم داعش في مايو/أيار الماضي بتبنّي مسؤولية الهجوم على مقر تدريب تابع للجيش الوطني في مدينة سبها جنوب البلاد، ثم تنفيذ بعض العمليات المتتالية التي كانت موجهة بالأساس ضد الجيش الوطني.
مسارات محتملة
لا شك أن ضخ آلاف الإرهابيين إلى الصراع الليبي المحتدم بالأساس خلال الفترة الأخيرة من شأنه تعميق الأزمة، خاصة أن أغلب هؤلاء العناصر لديهم خبرات قتالية وميدانية واسعة.
كذلك فإن نجاح هؤلاء الإرهابيين في الانتشار في المناطق الآمنة، خاصة في الشرق الليبي وحتى في الغرب، من شأنه أن يشتت جهود الجيش الوطني نحو القضاء على المليشيات المسلحة في طرابلس.
أنقرة وحكومة الوفاق تدركان أن مؤتمر برلين المزمع عقده قبل نهاية العام الجاري قد تُفضي مخرجاته إلى وقف إطلاق النار وإلزام طرفيّ الصراع بالتفاوض، وهو وضع في صالح الجيش الوطني الليبي المسيطر على غالبية الأراضي الليبية في الوقت الحالي، إلى جانب نجاحه في تحقيق انتصارات جيدة على محاور العاصمة طرابلس.
لذا فإن الهدف الرئيسي لأردوغان والسراج هو محاولة إرغام الجيش الوطني على العودة إلى الخلف بعض الخطوات التي تسمح لهامش مناورة ميدانية وسياسية لحكومة الوفاق في أي تفاوض محتمل.
ومن جانب آخر، فقد نجح الجيش الوطني خلال الآونة الأخيرة في توجيه ضربات قوية ضد تنظيم داعش في ليبيا، حيث أعلن الجيش في أواخر يوليو/تموز الماضي القبض على قيادي بتنظيم داعش في مدينة درنة (شرق)، يُدعى عطية الله الشلوي.
ووفق بيان للجيش فإن "الشلوي" كان مسؤولاً بديوان الحسبة التابع لتنظيم داعش، وجاء ذلك بعد أيام من قيام التنظيم بنشر مقطع مُصوَّر يتضمن مبايعة علَنية لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي من عشرات المسلحين الملثمين، في جنوب ليبيا، وقد توعّد المبايعون الجيش الوطني الليبي بعمليات انتقامية وهدّدوا بشنّ مزيد من الهجمات الإرهابية ضده.
ومن ثم فإن هناك توافقا ثلاثيا يجمع أنقرة والوفاق وداعش، على ضرورة تحجيم الجيش الوطني الليبي واستهداف المناطق الآمنة التي نجح في طرد المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية منها، وهي رغبة تتطلب نقل المزيد من مقاتلي داعش من سوريا إلى ليبيا، من أجل تعزيز الموقف التفاوضي للوفاق في مؤتمر برلين أو في أي مخرجات قد تصدر عنه، وكذلك من أجل تعزيز الضغوط على الجيش الوطني وإجباره على إنهاء معركة طوفان الكرامة.
وهي محاولات واضحة من جانب أنقرة خلال الأشهر الأخيرة بمحاولة سورنة ليبيا، وتصعيد الصراع المسلح بها في إطار مشروعها العثماني القائم على تمكين الإخوان والمليشيات من الحكم في الدول العربية لخدمة مشروعها التوسعي.
** أحمد عبدالعليم : باحث متخصص في الأمن الإقليمي
aXA6IDEzLjU4LjIwMC4xNiA= جزيرة ام اند امز