أوروبا وعدوان تركيا على سوريا.. شبح داعش يرعب القارة العجوز
اختبارات جدية تقف أمامها أوروبا اليوم وتضعها أمام خيارين وفق خبراء، فإما أن تختار مساومة تركيا ماليا وإما بخلق جبهة دولية مناوئة لتركيا
مخاوف أوروبا من تداعيات العدوان التركي على الشمال السوري على أمنها تجاوزت مرحلة التنديد والاستنكار، لتمر هذه المرة إلى تعليق بعض بلدانها جميع مبيعات الأسلحة لأنقرة.
قرارات تبدو منسجمة مع التداعيات المحتملة للعملية العسكرية، خصوصا من حيث إعادة إحياء تنظيم "داعش" الإرهابي وتصديره إلى أوروبا، ما يعني إفشال جميع الجهود التي بذلت للقضاء على التنظيم.
والسبت، أعلنت باريس تعليق مبيعات الأسلحة إلى تركيا، محذرة أنقرة من أن هجومها على شمالي سوريا يهدد الأمن الأوروبي، لتنضم بذلك إلى كل من النرويج وهولندا وألمانيا.
ضغوط أوروبية ترمي إلى إجبار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وقف الحرب التي فجرت موجة جديدة من النزوح واللجوء، ودمرت البنية التحتية وقتلت وشردت مدنيين من الجانبين السوري والتركي.
تدفق مهاجرين وإرهاب جديد
أكثر ما تخشاه أوروبا التي تراقب عن كثب تطورات العدوان التركي شمالي سوريا هو موجة النزوح واللجوء الجديدة الناجمة عن القصف والعمليات العسكرية، في وقت تبدو فيه القارة العجوز عاجزة عن استيعاب المزيد من الفارين من الحروب والأزمات.
فأوروبا متأكدة من أن تأثير العملية العسكرية التركية في سوريا لن يقتصر على الشرق الأوسط فحسب، بل إن تداعياتها السلبية ستطالها، وهذا ما ترجمته المواقف الرسمية لكل من باريس وبرلين تجاه العدوان التركي.
والمؤكد أيضا أن العملية الجديدة ستكون اختبارا جديدا للعلاقات التركية الأوروبية، المهتزة في معظم الأحيان بسبب ملفات الانضمام للتكتل والمهاجرين والتنقيب شرق المتوسط وغيرها، لتتعقد العلاقات بشكل أكبر، خصوصا مع إصرار أردوغان على شن العدوان رغم تحذيرات شركائه في حلف شمالي الأطلسي "الناتو".
وعلاوة على ما تقدم، فإن أكثر ما تخشاه أوروبا هو أن يسهم العدوان التركي في إعادة إنتاج "داعش"، من خلال استهداف أكبر صمام أمان بالمنطقة ضد التنظيم الإرهابي، ألا وهي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشكل ركيزة التحالف الدولي للقضاء على التنظيم، وهذا ما أعرب عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحذيره من زعزعة استقرار للمنطقة قد يؤدي إلى ظهور التنظيم الإرهابي مرة أخرى.
كما حذر المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، من أن الصمت الأوروبي سيؤدي إلى زحف مقاتلي داعش إلى أوروبا، خصوصا أن هذه القوات تحتجز الآلاف من المقاتلين وأقاربهم، ممن أعلنت تركيا في وقت سابق عزمها إرسال الأجانب منهم إلى بلدانهم الأصلية، ما قد يشكل خطرا أمنيا داخليا في الاتحاد الأوروبي.
ألمانيا.. أكبر الخاسرين
التوقعات تشير إلى أن اللاجئين الفارين من جحيم العدوان التركي شمالي سوريا سيتوجهون إما إلى شمال العراق أو إلى أوروبا مع ترجيح أكبر للوجهة الأخيرة.
لكن وفي ضوء انشغال بريطانيا بقضية الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وهيمنة فرنسا على مجلس الأمن من خلال الدعم الكبير الذي باتت مشاريع قراراتها تحظى به، تخشى ألمانيا أن تكون "الخاسر الأكبر" ضمن حرب أردوغان بسوريا.
مخاوف أعرب عنها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، والذي حذر من كارثة إنسانية أخرى، قد تسهم في موجة نزوح جديدة، خصوصا عقب إعلان الأمم المتحدة فرار 140 ألف شخص من مناطق المعارك شمالي شرق سوريا.
في الأثناء، تتوجه أنظار أوروبا إلى اتفاقية اللاجئين التي وقعتها في 2016 مع تركيا، آملة أن تشكل بر أمان لها، مع أنها تظل الورقة التي يبتز بها أردوغان دول القارة العجوز كلما أبدوا استياء من قراراتها، حيث يشهرها مهددا بفتح الأبواب أمام تدفق اللاجئين نحو أوروبا، وهذا أكثر ما تخشاه الأخيرة في ضوء تفاقم مشاكلها الاقتصادية ومخاوفها من تغير النمط المجتمعي.
اليمين المتطرف والجاليات
صعود اليمين المتطرف في العديد من البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا وهولندا يفسر قرار البلدين تعليق صادراتهما من الأسلحة لأنقرة.
فهذه الدول ما زالت تعاني آثار صعود التيار المتطرف عقب موجة اللاجئين التي اجتاحت أوروبا في 2015، واهتزاز مفاهيم الاستقرار والهوية الأوروبية بمجتمعاتها، وهذا ما يفسر حدة ردود الأفعال الراهنة النابعة من فقدان أوروبا ورقة ضغط حقيقية على أنقرة عقب تلاشي رغبة الأخيرة في الانضمام للتكتل القاري للقارة العجوز.
كما أن تركز المهاجرين الأتراك، ومعظمهم من المؤيدين لحزب أردوغان، بشكل لافت في ألمانيا، يفاقم من مشاعر الخوف لدى برلين من تأثر الحياة الاجتماعية بالبلاد بالمشاعر الوطنية لنحو ثلاثة ملايين تركي على أراضيها.
أيضا خروج مهاجرين ولاجئين أكراد في العديد من المدن الألمانية يطالبون بوقف العدوان شمالي سوريا، يفجر ذات المخاوف من تعبئة محتملة لحزب العمال الكردستاني المحظور بالبلد الأوروبي بتعبئة مناصريه، أملا في الضغط على الاتحاد الأوروبي لتوفير الحماية للأكراد في سوريا.
اختبارات جدية تقف أمامها أوروبا اليوم، وتضعها أمام خيارين وفق خبراء، فإما أن تختار مساومة تركيا ماليا، بتنفيذ التزاماتها تجاه أنقرة بموجب اتفاقية اللاجئين، واستغلال تدهور الليرة التركية، وإما بخلق جبهة دولية مناوئة لتركيا تعمل على الضغط باتجاه جعل العدوان على الشمال السوري محدودا للغاية.
aXA6IDUyLjE1LjIzOC4yMjEg جزيرة ام اند امز