بلغة الشطرنج سوف يتعرض اللاعب القطري أو التركي إلى حالة «كش ملك» ويفقد الدور كيفما حاول الحركة
أكثر الأطراف القلقة من اندلاع صراع بين الولايات المتحدة وإيران هو تحالف قطر وتركيا.
لماذا؟
لأن أي صراع يحدث منذ بدء التاريخ يضع الأطراف غير المتداخلة في الصراع أمام 3 خيارات:
1- إما تأييد الطرف الأول.
2- أو تأييد الطرف المضاد.
3- الوقوف على الحياد.
بدأت العلاقات الثنائية بين دولتي قطر وتركيا عام 1972.
وزاد التقارب والحوار بين حزب العدالة والتنمية وأقطابه من ناحية والعائلة الحاكمة في قطر في عام 2010.
وزاد التفاهم والتنسيق بين الأمير الوالد ورجب طيب أردوغان عام 2011 عقب أحداث يناير في مصر ودعمهما المشترك حكم الإخوان في مصر، ثم جمعهما «الغضب والرغبة في الانتقام الاستراتيجي» ضد ثورة 2013 ضد حكم الإخوان.
هناك سلسلة من الاتفاقات التجارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين قطر وتركيا.
في 19 يناير 2015 تم تأسيس ما يعرف بمجلس التعاون الاستراتيجي بين قطر وتركيا، وهو مجلس رفيع المستوى «يدير ويخطط» للعلاقات بين البلدين.
في ذات التوقيت أعلن رجب طيب أردوغان وهو على الأراضي القطرية تصريحاً لم يلتفت إليه البعض قال فيه: «يجب أن يعلم الجميع أننا معاً في قطر وتركيا نقف دائماً مع الشعوب المضطهدة في العالم».
وصل أوج التعاون بين البلدين في 3 مواقف أساسية:
بلغة الشطرنج سوف يتعرض اللاعب القطري أو التركي إلى حالة «كش ملك» ويفقد الدور كيفما حاول الحركة، فهو لا يستطيع أن يكون مع أو ضد أو على الحياد أو الوسط
الأول بعد إلغاء روسيا إمدادات الغاز الممنوحة لتركيا عقاباً لأنقرة على إسقاطها طائرة مقاتلة روسية على الحدود السورية-التركية، فما كان من قطر إلا أن قامت على الفور بتعويض أنقرة بكل ما يلزمها.
الثاني عقب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ضد نظام أردوغان لم يكن غريباً أن يكون الأمير تميم هو أول المتصلين هاتفياً للاطمئنان على الرئيس أردوغان وسلامة نظامه.
وكان سمو الأمير تميم أول الزائرين لتركيا عقب محاولة الانقلاب، وقام بالإعلان عن اتفاقات مالية وتجارية بـ15 مليار دولار أمريكي لدعم الليرة التركية التي تراجعت وقتها بشكل غير مسبوق.
الموقف الثالث هو وصول قوات نخبة عسكرية وأمنية تركية لحماية المراكز الأساسية في الدوحة عقب اندلاع الخلاف بين قطر وأشقائها في مجلس التعاون وشعور الدوحة بمخاوف متزايدة من أن يحدث غزو أو محاولة انقلاب ضد النظام القطري.
وجاءت قوات نخبة مما يعرف بفرقة طارق بن زياد التركية برفقة مدرعاتهم وتسليحهم الكامل، وتمركزت في أهداف مختارة في الدوحة.
وتم تفعيل اتفاق وقع عام 2014 بوجود قاعدة عسكرية تركية في قطر تستوعب 3000 جندي وضابط.
يحدث ذلك في وقت اصطفت فيه الصفوف الاستراتيجية بشكل واضح وحسمت فيه الخيارات والرهانات.
يحدث ذلك وتقف السعودية والإمارات ومصر والبحرين والأردن ضد الإرهاب التكفيري، وضد أي مشروعات توسعية أو امتدادات إيرانية في المنطقة.
هذا الموقف يتفق مع الرؤية الأمريكية ومخاوف إسرائيلية-أوروبية من توسع دور إيران في المنطقة.
هذا الموقف يقابله شبكة مصالح إيرانية تركية قطرية لها امتدادات إقليمية من اليمن إلى غزة إلى سوريا والعراق وليبيا.
في حال الصراع الأمريكي-الإيراني عسكرياً فإن الدوحة وأنقرة سوف تصبحان في موقف مأزوم للغاية.
التحالف القطري التركي لا يستطيع أن يقف صراحة مع واشنطن ضد طهران.
والتحالف القطري التركي لا يستطيع أن يقف صراحة مع طهران ضد واشنطن.
وهذا التحالف لا يستطيع في حال اندلاع صراع مسلح أن يقف موقف الحياد.
هنا نسأل لماذا؟
تركيا ترتبط مع طهران باتفاقيات تجارية وأمنية عام 2014، وبضاعتها هي الأكثر رواجاً داخل الأسواق الإيرانية.
تحصل تركيا على مواردها الأساسية من النفط والغاز من إيران.
تدخل تركيا في علاقات قمة تنسيقية تضم روسيا وإيران على مستوى الزعامات (بوتين-روحاني-أردوغان) تنسق أدوار ومصالح الدول الثلاث في سوريا والعراق.
ترتبط تركيا بعلاقات تاريخية مع المؤسسات الأمنية الأمريكية، وتحديداً تلك العلاقة الاستراتيجية بين رئاسة الأركان التركية والبنتاجون الأمريكي، وتحديداً جهاز الاستخبارات العسكرية.
وصلت هذه العلاقة في قوتها إلى وجود قاعدة «إنجيلريك» الكبرى والاستراتيجية التي تدار أمريكياً على الأراضي التركية دون الرجوع إلى أي سلطة تركية.
في قطر فإن الأزمة أكبر والحرج الاستراتيجي أشد لعدة أسباب:
- ترتبط قطر باتفاقات أمنية واستراتيجية مع أطراف متضادة مع بعضها البعض في المصالح، منها وجود قاعدة «العديد» في قطر التي تضم 15 ألف جندي وضابط أمريكي مع 8 مدرجات طيران و500 دبابة وألف عربة مجنزرة ومخازن ذخيرة وأجهزة مراقبة واستطلاع لكل منطقة الخليج.
ووفق اتفاق تأسيس قاعدة «العديد» فإن الطائرات والمقاتلات والقاذفات الأمريكية لها مطلق الحرية في القيام بعملياتها في الوقت الذي تختاره أو ضد الأهداف التي تحددها، دون إخطار مسبق للسلطات القطرية ودون أي استئذان أو تنسيق معها.
في ذات الوقت هناك اتفاقات أمنية بين قطر وإيران للدفاع المشترك والتدريب والحماية وعدم الاعتداء، وقعت في أكتوبر 2015 تحت عنوان اتفاقية «مكافحة الإرهاب».
ذلك يضع قطر في مأزق، وهو كيف يكون عدو الحليف الأمريكي هو ذاته عدو الحليف الإيراني، بمعنى إذا تصادم الأمريكي والإيراني اللذان يرتبطان باتفاقات أمنية بينهما أين يمكن أن يقف القطري؟
في ذات الوقت غزت البضائع الإيرانية الأسواق القطرية عقب العقوبات الأخيرة التي فرضت على قطر، وهناك تنسيق رفيع المستوى بين البلدين، على أساس أن قطر وإيران تشتركان في لائحة أهم 3 منتجين للغاز في العالم مع روسيا، وتشترك قطر وإيران معاً في ملكية أكبر بئر غاز في العالم تمتلك قطر 13% منه.
يحدث ذلك في وقت تشعر فيه كل من الدوحة وأنقرة بقلق شديد من اعتزام إدارة الرئيس ترامب إصدار تشريع يعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، مما سوف يشكل ضغطاً وإحراجاً لتركيا وقطر اللتين تضمان داخل أركان ومفاصل نظاميهما قوى وعناصر ومصالح وأدوات تسويق وترويج ومعسكرات تدريب إخوانية.
الفكرة الوحيدة المتداولة الآن بين أنقرة والدوحة التي يمكن أن ترفع حرج «ضرورة الاختيار واستحالة الانحياز» في حال اندلاع الصراع العسكري بين إيران والولايات المتحدة هي أن تلعب تركيا وقطر دور «ساعي البريد أو القناة الخلفية السرية المأمونة» أو الوسيط الموثوق فيه بين واشنطن وطهران لمنع الصدام وتخفيف منسوب التوتر.
هذا الدور تواجهه صعوبات كبرى، أهمها عدم ثقة أي من واشنطن أو طهران الكاملة في الدوحة وأنقرة، خاصة عقب الخلاف الأخير بين الأمريكان والأتراك في مسألة صفقة صواريخ «إس 400» الروسية التي تعاقدت عليها تركيا.
ومما يصعب دور الوساطة دخول الرئيس السويسري على هذا الخط، لكونه يمثل الدولة راعية المصالح الدبلوماسية بين واشنطن وطهران.
وزاد الأمر تعقيداً عند وصول مبعوث ألماني رفيع المستوى «أمس الأول الخميس» إلى طهران لطرح أفكار ألمانية تم تبنيها من قبل دول الاتحاد الأوروبي لتهدئة التوتر وبدء مرحلة جديدة من التفاوض بين طهران وواشنطن.
الآن.. والآن فقط تشعر قطر وتركيا بخطورة سياسة إمساك العصا من كل الاتجاهات، في حال اندلاع صراع إقليمي.
لا يمكن أن تكون مع الجميع ضد الجميع.
لا يمكن أن تكون مع السعودية وإيران وحكم الأسد والمعارضة، والأمريكان والروس وإسرائيل وحماس والحكومة الشرعية في كابول وحركة الطالبان في آن واحد.
في حال اندلاع صدام عسكري لا تمتلك قطر أن تسمح أو لا تسمح للأمريكان بأعمال ضد إيران.
وفي حال اندلاع ذات الأعمال العسكرية لا تمتلك أنقرة أن تسمح أو لا تسمح للأمريكان بعمليات ضد إيران.
وبالطبع لا تستطيع أنقرة والدوحة تقديم أي مساعدات علنية أو سرية لإيران أو حلفائها لدعمهم في حربهم ضد الأمريكيين.
بلغة الشطرنج سوف يتعرض اللاعب القطري أو التركي إلى حالة «كش ملك» ويفقد الدور كيفما حاول الحركة، فهو لا يستطيع أن يكون مع أو ضد أو على الحياد أو الوسط.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة