الطامة الكبرى في هذه القضية هي الدور المشبوه الذي قامت به بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي تخلت عن دورها في نقل الحقيقة.
لم أكن أرغب بالخوض في قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل أن تعلن السلطات الرسمية المختصة موقفها من القضية، لأنها وفقا للأعراف قضية جنائية تتعلق باختفاء مواطن من دولة ما في دولة أخرى، أكثر مما هي سياسية، لأن خاشقجي لم يكن يوما من الأيام معارضا رسميا لحكومة بلده، بل كان مستشارا مقربا من الأمراء وتقلد مناصب كبيرة في الإعلام، ولا تشكل مواقفه الأخيرة التي ظهرت عبر كتاباته إلا محاولة للتعبير عن رأيه الحر فيما يتعلق بالتغييرات السياسية في بلاده، حتى أنه شخصيا لا يحلو له تسمية "معارض"، وفقا لأقرب أصدقائه؟!
الإعلام الحقيقي كان ينظر لمصداقية الخبر قبل إهتمامه بالسبق الصحفي أو إسقاط الدوافع السياسية على حقيقة الأحداث وتحريفها، بينما الإعلام اليوم لمن يفبرك أكثر ويمارس دورا مشبوها فيه ألف علامة إستفهام من أجل النيل من هذه الدولة أو تلك.
ما دفعني لكتابة هذا الكم الهائل من المعلومات والتسريبات والتلفيقات والتنبؤات التي صاحبت ظهور قضيته لوسائل الإعلام العربي والعالمي.. كل منها يبث أخبارا وتقارير وفقا لموقفه السياسي من المملكة العربية السعودية لا أكثر؟! دون الاكتراث بالجانب الإنساني الذي يتمثل في قلق عائلته عليه في السعودية، ولا أقصد "خطيبته" التي ظهرت فجأة لتعلن عن علاقتها به بالتزامن مع إعلانها عن اختفائه؟!
الطامة الكبرى في هذه القضية هو الدور المشبوه الذي قامت به بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي تخلت عن دورها في نقل الحقيقة لتلعب دور المدعي العام، وأصدرت إدانتها للسعودية وفقا لمصادر مجهولة أعلنت مقتله.. مرة المنشار حديدي، ومرة أخرى بجرعة زائدة، بل ذهبت وسائل إعلام أخرى لأبعد من ذلك عندما نقلت عن شاهد عيان تركي مزعوم أنه شاهد خاشقجي قتيلا تغطي عباءته البيضاء الدماء! بينما لم يكن يرتدي العباءة العربية أساسا عند دخوله القنصلية!!
ونشرت وسائل إعلام أخرى أن السلطات التركية تعلم في أي غرفة داخل القنصلية (قُتِل)! والغريب أن وسائل الاعلام كالجزيرة وأخواتها لديها معلومات أكثر مما تعلمه السلطات الأمنية التركية حتى الآن.. وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام إضافية.
أما إعلان صحيفة الواشنطن بوست أن الاستخبارات الأمريكية رصدت مكالمات لمسؤولين سعوديين كانت تبحث عن وسيلة لاعتقال خاشقجي فكانت تمثل أكبر إدانة للاستخبارات لو صدقت! فكيف تعلم أنه في خطر ولم تحذره؟ وماذا وراء سكوتها إن كانت فعلا تملك معلومات كهذه؟! مع أني لا أنسى أن الاستخبارات الأمريكية ذاتها التي أخطأت بإعلانها امتلاك معلومات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي على أساسها صدر قرار غزو العراق واتضح لاحقا زيف تلك المعلومات!
ما يهمني في هذا المقال الإشارة إلى الدور السلبي لوسائل الإعلام التي استبقت الأجهزة المختصة بإعلان مقتل الرجل و"تقطيع أوصاله"!! دون أن تستند لأي مصدر أمني حقيقي، وكذلك سقوط وكالات إعلامية كبرى مثل رويترز في فخ التسريبات التي يقف ورائها دوافع سياسية مكشوفة!
الإعلام الحقيقي كان ينظر لمصداقية الخبر قبل اهتمامه بالسبق الصحفي أو إسقاط الدوافع السياسية على حقيقة الأحداث وتحريفها، بينما الإعلام اليوم لمن يفبرك أكثر، ويمارس دورا مشبوها فيه ألف علامة استفهام من أجل النيل من هذه الدولة أو تلك.
وبعيدا عن أولئك المسيسين الذي يصفقون للدعايات المضادة التي تصدر عن الإعلام المحرض، فإن الاغلبية تبحث عن الحقيقة، ووضعها في نصابها ومواقعها دون تحريف أو تزييف؟! ومن المؤسف أن تسقط وسائل الإعلام في هاوية الخداع وتلفيق الأحداث دون أن يكون لها مصدر يسندها!! أو تتحول للعب دور المدعي العام في قضية ما زالت في إطارها الجنائي وليس السياسي، طالما أن السلطات التركية ذاتها لم تتوصل لأي نتيجة حتى الآن!
وبينما نتمنى أن تظهر لنا أخبار إيجابية تدحض إشاعات مقتل خاشقجي؛ هناك من يمني النفس بثبوت مقتله لكي يثبت للعالم أنه على حق !!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة