مخطط تركي- إيراني لتقاسم النفوذ في العراق وسوريا
أردوغان في بغداد الشهر المقبل لإنشاء تحالف ثلاثي بين العراق وإيران وتركيا.
تزامناً مع التقارب التركي الإيراني تسعى أنقرة إلى توسيع تحالفها العسكري الثلاثي مع بغداد وطهران ليشمل مجالات الطاقة والتجارة في إطار تقاسم النفوذ بين تركيا وإيران في العراق وسوريا ومساعدة النظام الإيراني للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
وكشف السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، في مقابلة متلفزة مع إحدى القنوات العراقية المحلية، عن أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المقررة إلى بغداد الشهر المقبل، تهدف إلى إنشاء تحالف ثلاثي بين العراق وإيران وتركيا، الهدف منه منع ما أسماه بتدخل جهة أخرى في شؤون المنطقة في إشارة إلى الدور الأمريكي.
تحالف عسكري
وتسعى تركيا إلى مساعدة إيران للالتفاف على العقوبات الأمريكية المشددة التي بدأت واشنطن بفرضها على النظام الإيراني منذ أغسطس/آب الماضي، مقابل تقاسم الأدوار مع الإيرانيين في العراق.
فالأطماع التركية الإيرانية للسيطرة على العراق واضحة، ففي الوقت الذي تعمل أنقرة من أجل السيطرة على الموصل وكركوك والمناطق العربية السنية، تسعى طهران لترسيخ نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق، خصوصاً في بغداد ومدن الجنوب والمدن الكردية المحاذية لكردستان إيران في إقليم كردستان العراق كمدينتي السليمانية وحلبجة، الأمر الذي يجعل الدولتين في تسابق مستمر لتنفيذ مخططاتهما في العراق.
ونشأت فكرة إنشاء تحالف عسكري بين الدول الثلاث خلال الزيارة التي أجراها رئيس أركان جيش النظام الإيراني الجنرال محمد حسين باقري إلى أنقرة على رأس وفد كبير، منتصف أغسطس/آب من عام ٢٠١٧، ولقاءاته مع القادة الأتراك ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكانت زيارة باقري هي الأولى من نوعها لأحد أكبر القادة العسكريين في إيران إلى تركيا، وأعقبت زيارته زيارة لرئيس الأركان التركي الجنرال خلوصي آكار إلى طهران، ثم زيارة أردوغان نفسه، وبعد أيام قليلة من زيارة باقري إلى أنقرة، وصل نظيره العراقي الفريق الأول ركن عثمان الغانمي إلى طهران، لمناقشة دور بغداد في مشروع التحالف الثلاثي أو ما يدعى بالمثلث العسكري.
ووقّعت الأطراف الثلاثة خلال تلك الاجتماعات وبحسب مصادر عراقية مطلعة العديد من الاتفاقيات في مجال التدريبات العسكرية المشتركة وبيع إيران لعدة أنواع من الأسلحة للعراق وتركيا إلى جانب اتفاقيات أخرى وقعت بحضور الجنرال محرابي القيادي في مليشيات الحرس الثوري الإيرانية الإرهابية المسؤول عن قاعدة خاتم الأنبياء العسكرية، التي تدير القسم الاقتصادي في الحرس الثوري، أي أن التحالف نشأ على أساس مساعدة إيران لمواجهة العقوبات الأمريكية التي لم تكن مفروضة على طهران في حينها لكن الإدارة الأمريكية كانت تستعد لفرضها على إيران، للحد من إرهابها في الشرق الأوسط.
أردوغان لا يريد دولة عراقية ذات سيادة
واعتبر الخبير الاستراتيجي العراقي علاء النشوع، التقارب التركي الإيراني ومحاولات إنشاء حلف ثلاثي مع العراقي، تسابقاً من قبل أنقرة وطهران للسيطرة على السياسة والاقتصاد والجانب العسكري للعراق، مبيناً أن هذه المحاولات تحمل الكثير من الأهداف التوسعية للبلدين.
وقال النشوع، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "أردوغان لا يريد مصلحة العراقيين ولا يريد دولة عراقية ذات سيادة، وكذلك إيران أضعفت العراق ودمرته وما يجرى اليوم في العراق هو جزء من عملية تقاسم الكعكة في الشرق الأوسط بين أنقرة وطهران، فشمال العراق يخضع لتركيا وجنوبه لإيران، وسيؤدي التحالف التركي الإيراني العراقي إلى وصول توغل الدولتين إلى وسط العراق وما تبقى من المدن العربية السنية".
ولفت إلى أن العراق يشكل أكبر مصدر وقوة اقتصادية لإيران وتركيا والسيطرة عليه ستساعد الدولتين المنهكتين اقتصادياً إلى الخروج من أزماتهما، إضافة إلى محاولتهما للسيطرة على المياه المشتركة مع العراق واستخدامها كسلاح ضد العراقيين.
وبرز الدور التركي في العراق إلى جانب دور قطر وإيران واضحاً خلال الانتخابات التشريعية الماضية التي شهدها العراق في مايو/أيار الماضي، ومن ثم تشكيل الحكومة العراقية من خلال دعم كتلة البناء التي احتضنت مليشيات الحشد الشعبي والأحزاب التابعة لإيران إلى جانب الكتل العربية السنية التابعة لقطر وتركيا، وتمخضت عنها تشكيل حكومة تمتلك فيها إيران وتركيا وقطر الغالبية.
ومهدت الدول الثلاث لجر العراق إلى محورها المعروف بمحور الشر خلال الأعوام الماضية، فالجانب التركي كان يشدد طيلة زياراته ولقاءاته مع الحكومة العراقية السابقة على تشكيل تحالف بينه وبين العراق وإيران وسوريا وقطر، وقد استقبل المقترح التركي بترحيب من الحكومة العراقية السابقة بقيادة حيدر العبادي الذي زار أنقرة عدة مرات واجتمع مع أردوغان لإحياء اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الجانبين الذي يعتبر هو الآخر أساساً من أسس التحالف الموسع المزمع إعلانه بين بغداد وأنقرة وطهران بعد الزيارتين المرتقبتين للرئيسين الإيراني والتركي إلى بغداد خلال الأسابيع المقبلة.
الالتفاف على العقوبات الأمريكية
المراقبون يعتبرون هذا التحالف دعماً تركياً لتوغل إيراني أكبر في العراق ومساعدة النظام الايراني في الالتفاف على العقوبات الأمريكية مقابل دعم إيراني لتركيا في سوريا، خصوصاً أن أنقرة تستعد لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في شرق الفرات (شمال وشرق سوريا) ضد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب اتفاقيات اقتصادية بين الجانبين ستحصل خلالها تركيا على امتيازات اقتصادية كبيرة من العراق بأوامر من إيران في مجال النفط والغاز واستثناءات للقوات التركية بتوسيع وجودها العسكري في العراق.
وأكد الخبير السياسي عبدالغني علي يحيى، لـ"العين الإخبارية" أنه لن يكتب للتحالف التركي الإيراني العراقي النجاح، فتركيا ترتبط بحلف الشمال الأطلسي ومع الغرب بعلاقات وهذه العلاقات تتناقض مع هذا التحالف المزمع عقده بين الدول الثلاث، خصوصاً أن العالم يستعد لتحجيم دور إيران وإنهاء نظام ولي الفقيه الذي يسيطر على الحكم منذ ٤٠ عاماً".
وأشار إلى أن العلاقات بين بغداد وأنقرة طيلة العقود الماضية ألحقت خسائر فادحة بالعراق، لأن تركيا تمارس سياسة مائية تعسفية ضد العراقيين وتشن حرباً اقتصادية ضدهم، وفي المقابل الشارع العراقي غاضب ومنزعج من الدور التركي والإيراني في العراق، مشدداً "للأسباب التي ذكرتها من الصعب أن يستقيم هكذا تحالف بين العراق وهاتين الدولتين".
وازدادت تدخلات السفيرين الإيراني إيرج مسجدي والتركي فاتح يلدز خلال السنوات الماضية في الشأن العراقي حتى شملت التدخل في تفاصيل إدارة المؤسسات الحكومية في بغداد والمحافظات، وكثف الاثنان من اجتماعاتهما مع الفئات الاجتماعية العراقية خصوصاً مع رؤساء العشائر العربية بهدف استمالة الشارع العراقي إلى جانب البلدين، استعداداً لاحتلال العراق وتقسيمه بينهما.
ولا تخفي أنقرة أطماعها في الاستيلاء على الموصل وكركوك وتلعفر وسنجار وصولاً إلى محافظة صلاح الدين، معتبرة تلك المدن جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي يحلم أردوغان بإحيائها وتنصيب نفسه سلطاناً عليها، بينما تؤكد إيران أنها تسيطر على مدن جنوب العراق وجزء من كردستان العراق في شماله وعلى بغداد في ظل هدف إيراني مشابه للهدف التركي، وهو إحياء الإمبراطورية الفارسية التي تعتبر العراق جزءاً من إرثها، وبين أطماع الدولتين يسعى الشارع العراقي إلى التخلص من هيمنة الجانبين اللذين أنهكا بنفوذهما العراقيين خلال السنوات الماضية.
aXA6IDE4LjExOS4xMDcuMTU5IA== جزيرة ام اند امز