لا أحد يتوقع من نظام أردوغان أن يعترف بأنه يرتكب انتهاكات وجرائم ضد حقوق الإنسان
تقريران عن أوضاع حقوق الإنسان في تركيا صدرا خلال الأيام القليلة الماضية؛ الأول عن وزارة الخارجية الأمريكية في إطار تقارير أعدتها الوزارة عن أحوال حقوق الإنسان في 190 دولة. والثاني عن منظمة العفو الدولية.
لا أحد يتوقع من نظام أردوغان أن يعترف بأنه يرتكب انتهاكات وجرائم ضد حقوق الإنسان مع أنه يدعي ليل نهار الدفاع عن حقوق المظلومين من الروهينجا إلى الصومال، ولكن في الوقت نفسه لم يعد باستطاعة هذا النظام إخفاء حجم هذه الانتهاكات والجرائم
الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها لدى الاطلاع على التقريرين، هي التوافق الكبير في المعلومات والمعطيات بشأن أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، من حيث حملات الاعتقال التي طالت نحو سبعين ألف شخص، والفصل التعسفي من العمل لأكثر من 130 ألف شخص، وإغلاق 3500 جمعية ومنظمة مدنية، وسجن واعتقال عشرات الصحفيين، وإغلاق نحو 170 وسيلة إعلامية، وعزل رؤساء عشرات البلديات المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد وتعيين أعضاء من حزب العدالة والتنمية الحاكم بدلا منهم، فضلا عن عمليات قتل واغتيال غامضة، وتدخل كبير للسلطة في القضاء وعمل المحاكم، وغير ذلك من الانتهاكات التي جعلت من تركيا دولة قمعية بامتياز، والحجة دوما هي مكافحة الإرهاب، حيث بات هذا الشعار عنوانا يتم من خلاله استهداف جماعة فتح الله غولن وأنصار الحركة الكردية، فضلا عن المطالبين بإيجاد حل سلمي للقضية الكردية في تركيا.
في الحقيقة، إذا كان التوافق بين ما جاء في التقريرين يضفي عليهما المصداقية، فإن ما يميز تقرير الخارجية الأمريكية، إشارته الصريحة إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2018 والتي فاز بها أردوغان، وكذلك الانتخابات البلدية التي جرت في عام 2019، إذ يتحدث التقرير عن تجاوزات وإجراءات قسرية، لا سيما في مجال الإعلام، وهو ما يعد بمثابة تشكيك صريح في شرعية هذه الانتخابات وفوز أردوغان، ولعل هذا ما يفسر الرد التركي الغاضب على التقرير الأمريكي، الذي يتلخص في أن التقرير مسيس، ويتضمن ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وبعيد كل البعد عن الموضوعية، حسب بيان للخارجية التركية.
في الواقع، من يدقق في الرد التركي لا بد أن يرى أنه ليس سوى تعبير عن موقف سياسي مسبق يفتقر إلى المعقولية وحتى منطق الرد، إذ إنه لم يتضمن أي معلومة أو تصحيح أو توضيح يمكن الاعتماد عليه في تفنيد ما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية، وفي الأساس فإن الرد التركي ليست له مصداقية أو قيمة أمام حجم الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان في البلاد، فحجم القمع فاق الحدود ليس بشهادة التقرير الأمريكي أو تقارير المنظمات الدولية المعنية بالحقوق والحريات فحسب، بل بشهادة المسؤولين الحكوميين الأتراك أنفسهم الذين باتوا يتحدثون بشكل شبه يومي منذ المحاولة الانقلابية المزعومة عام 2016 عن اعتقال العشرات يوميا، وفصل تعسفي بالجملة من الوظيفة، وسجن ناشطين وسياسيين إلى درجة أن السلطات أطلقت خطة لبناء سلسلة سجون جديدة بعد أن باتت السجون والمعتقلات السابقة غير كافية، كما أن حجم القمع والانتهاكات دفع بعشرات المنظمات الدولية إلى مطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيق بملف حقوق الإنسان في تركيا، كما دفع بالعديد من المنظمات إلى عقد مؤتمرات لبحث هذا الموضوع، ولعل آخر هذه المؤتمرات كان في نهاية الشهر الماضي في بروكسل بدعوة من مركز بروكسل الدولي للدراسات تحت عنوان "تدهور عميق لحقوق الإنسان في تركيا: من حالة الطوارئ إلى الاستمرارية في القمع الجسدي".
في الواقع، لا أحد يتوقع من نظام أردوغان أن يعترف بأنه يرتكب انتهاكات وجرائم ضد حقوق الإنسان، مع أنه يدعي ليل نهار بالدفاع عن حقوق المظلومين من الروهينجا إلى الصومال، ولكن في الوقت نفسه لم يعد باستطاعة هذا النظام إخفاء حجم هذه الانتهاكات والجرائم، وعبارة تركيا باتت أكبر سجن للصحفيين في العالم لم تأتِ من العبث بل من آلة القمع التي تحولت إلى كابوس حقيقي جاثم فوق صدور الأتراك، ولعل الأخطر هنا، هو تحول هذا النظام إلى مفرخ للجماعات الإرهابية التي ترتكب جرائم بالجملة، كما حال الجماعات التي ترتكب جرائم فظيعة في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا في شمال سوريا وشرقها، لا سيما في مدينة عفرين حيث عمليات تهجير وقتل وخطف وتغيير ديمغرافي واستيلاء على منازل وممتلكات الكرد السوريين، والأمر نفسه ينطبق على الدعم التركي للجماعات الإرهابية في ليبيا وسيناء المصرية والصومال وغيرها من المناطق التي انتشر فيها الإرهاب، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى سيتم وضع هذا الملف على طاولة المحافل والمؤسسات الدولية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة