الداخل التركي عبّر من خلال المعارضة أنّه لن يسمح للرئيس الحالي رجب أردوغان وفريقه الاقتصادي المضي بالبلاد إلى الهاوية
لا مصلحة لأحد من العرب ولا الحكومات العربية بأن تكون تركيا بعيدة عن الاستفادة من قطاعها السياحي، خاصة أنّ هذا القطاع يعود على الشعب التركي بالكثير من الفائدة ويسهم إلى حد كبير في تقليص نسبة البطالة وينعش المواطنين الأتراك الذين تجمعهم بالشعوب العربية الكثير من المشتركات.
استفاد المتطرفون والإرهابيون من حالة التساهل الأمني التركي تجاه تنقلاتهم وخبروا البلاد طولاً وعرضاً، وباتوا اليوم الأشد خطراً على تركيا التي لم يحسب مسؤولوها حساباً لهذه المسألة، وهذا ما يشكل خطراً ليس على الشعب التركي فحسب بل السياح الذين كانت تركيا وجهتهم الأولى للتمتع بإجازة الصيف.
ولكن أن يتسلط حزب العدالة والتنمية ويرسم سياسة تركيا وفق أهوائه وتطلعاته الأيدلوجية فهذا حتماً ستكون له ردات فعل داخلية أولاً وخارجية ثانياً وبالذات لناحية توافد السائح على هذا البلد.
الداخل التركي عبّر من خلال المعارضة أنّه لن يسمح للرئيس الحالي رجب أردوغان وفريقه الاقتصادي المضي بالبلاد إلى الهاوية، والتاريخ يثبت فعالية تحرك الشارع حين انتفض على الحكومة السابقة واستبدلها بقيادة جديدة عندما عانت البلاد أزمات اقتصادية فيما مضى.
في واقع الأمر ما تشهده تركيا في الآونة الأخيرة من عمليات سرقة ونهب وتعامل عنصري مع السائحين العرب وغيرهم، لا يمكن التغاضي عنه والتنبيه لمنعكساته في ظل وجود النسبة الأكبر للسياح من العرب، لذلك تحتاج حكومة أردوغان إلى إعادة النظر في منهجيتها القائمة على استعداء الدول العربية بتدخلاتها سواء في مصر أو سوريا أو العراق أو غيرها.
عداء السلطة الحالية لبعض الدول العربية نتج عنه بالضرورة عداء من محازبيها ومؤيديها للعنصر العربي الزائر تركيا، لذلك شهدت الآونة الأخيرة نسبة اعتداء على العرب لا يُستهان بها وللإنصاف لا يمثل المعتدون الشعب التركي على الإطلاق ولكنهم جزء من منظومة تعادي مصر مثلاً والسعودية والإمارات وغيرها لأسباب مرتبطة بأيدلوجية فكر الإخوان المنبوذ في هذه الدول.
وعندما يكون السياح الميدان الذي يثب فيه بعض الحزبيين عن طريق استفزازهم تارة ونهبهم أخرى والتعامل معهم بفوقية، فهذا سيكون له تبعات لا على السياح الذين يزورون بلداً كعابري سبيل، بل على أبناء البلد أنفسهم إذ سيدفعون ثمن صمت حكومتهم على هكذا تصرفات خاصة مع تضاعف مدخول القطاع مرة ونصف خلال العشر سنوات الماضية ووصوله إلى 32.3 مليار دولار وهذا رقم، وهو رقم كبير بالنسبة لتركيا التي عانت أزمة اقتصادية خانقة عام 2001 وفقدانه يعني الرجوع مائة خطوة إلى الوراء.
إنّ ما تمتلكه تركيا من طبيعية جغرافية ساحرة ومناطق جبلية ومدن تقع على امتداد البحر يجعل منها وجهة مهمة للسياح العرب وغيرهم ولكن ثمة أمرين أسهما إلى حد كبير في تراجع قطاع السياحة في تركيا.
الأول: يكمن بوجود الكثير من عناصر داعش في تركيا، حيث بات من الواضح للعيان رؤية هؤلاء المتطرفين بعلم الحكومة أو من غيره، ولكنهم بالنتيجة ذئاب منفردة تجوب الشوارع التركية، وهو ما يزرع الخوف حتماً في قلوب الزائرين لتركيا، وليس خافياً على أحد حجم المساعدة والدعم الذي قدمته حكومة الرئيس أردوغان للعناصر المتطرفة القادمة من أصقاع الأرض للدخول في الحرب السورية كل حسب أيدولوجيته، ثمّة من انخرط في "جبهة النصرة" وآخرون في "تنظيم القاعدة" والكثير الآخر تحت عباءة "تنظيم داعش" وجميعها متطرفة، واستفاد المتطرفون والإرهابيون من حالة التساهل الأمني التركي تجاه تنقلاتهم وخبروا البلاد طولاً وعرضاً، وباتوا اليوم الأشد خطراً على تركيا التي لم يحسب مسؤولوها حساباً لهذه المسألة، وهذا ما يشكل خطراً ليس على الشعب التركي فحسب بل السياح الذين كانت تركيا وجهتهم الأولى للتمتع بإجازة الصيف.
الأمر الثاني: هو الاضطرابات الأمنية لناحية تعامل الحكومة مع ملف الأكراد على وجه التحديد، فهؤلاء لم يسكتوا في السابق عن تجاوزات أنقرة بحقهم ولا عن التدخلات الجديدة في الشمال السوري على وجه التحديد في مدينة عفرين السورية، إذ يرون أن ثمة تغييراً ديمغرافياً يستهدفهم، وأنّ المواجهة باتت مكشوفة مع السلطات التركية، مما يتسبب في حالة انفلات على شاكلة ما حدث في ديار بكر وغيرها من المدن التركية ذات الغالبية الكردية منذ عام 1991 وحتى الآن، وهذا ما يدفع قطاع السياحة للتراجع أكثر.
العاملان المذكوران يشكلان الركيزة الرئيسة لتراجع السياحة في تركيا، ولكن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تتحمل المسؤولية الأكبر بانتهاجها سلوكاً عدائياً مع المحيط العربي لا يرى سوى مصلحة الحزب الحاكم ويقدمها في كثير من على مصلحة الشعب التركي الذي لا يتشارك في كليته مع ما تنتهجه نظريات حزب العدالة والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة