الأيام المقبلة كاشفة لعدم دقة حسابات «أنقرة» وغطرسة سياسات «أردوغان»
الصراع بين الكبار يتجلى فى أعلى درجاته ومراتبه فى مسألة التسليح!
أى نظام أو عقيدة قتال تستخدم أى نوعية مقاتلات؟ أى نظام دفاع صاروخى؟ أى قطع بحرية؟ تلك هى مقاييس رضا الكبار عن الأدنى، لأنها فى حقيقة الأمر علاقة بائع بمشترٍ، أو منتج لسلعة مع زبون مستهلك!
هذا المنهج يعبر عن شعور مفرط بالقوة الزائدة والحسابات القائمة. «إنه مهما تجاوزت تركيا الخطوط الحمر مع الأمريكان فإن واشنطن سوف تغفر لها لأنه لا يمكن لها أن تستغنى عن الدور التركى فى المنطقة وتحديداً فى سوريا والعراق».
ولأن السلاح سلعة استراتيجية نادرة وهى فى حقيقة الأمر تستخدم إما للدفاع والحماية وإما الردع تجاه الأعداء، أو أداة هجوم وضربات استباقية فإن قيمتها عالية للغاية، وسعرها مرتفع بشكل جنونى، وأرباحها خيالية، وقرار الموافقة على البيع أو الامتناع عن التوريد هو إحدى أدوات الكبار ضد الصغار بالسالب أو الموجب.
واستقراء نتائج عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية سوف يرشدنا إلى أن صناعة السلاح من «واشنطن» إلى «موسكو» ومن «لندن» إلى «باريس» ومن «بكين» إلى «برلين» هى أداة ضغط، ومصدر ربح ومعيار قوة استراتيجية.
وكما أن الحروب تدار بالسلاح، فإن العالم شهد حروباً حول مشتريات السلاح مما عرف وشاع بسباق التسلح.
وتدل الأرقام على أن أكبر 6 مشترين للسلاح فى العالم الآن يقعون فى منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا يصبح سكانها هم الزبون، ويصبح الكبار هم البائع.
السلاح يضع القرار السياسى فى المنطقة تحت رحمة بائعى السلاح.
من هنا كان لا بد من تنويع مصادر الشراء حتى لا تقع أى دولة فريسة للتحكم فى سيادتها ومحاولات التأثير السلبى على مصالحها من قبَل البائعين.
من هنا أيضاً يمكن فهم قرار الزعيم العظيم أنور السادات بطرد الخبراء السوفيت والانفتاح على أسواق العالم في مصادر التسليح وتغيير عقيدة تسليح الجيش المصري، ويمكن فهم الزعيم السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز في عقد الصفقة السرية للصواريخ الصينية لحماية الحدود والأجواء السعودية، ويمكن فهم ما قام به الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أن كان وزيراً للدفاع حتى يومنا هذا بالدخول في صفقات نوعية استراتيجية مع الروس والفرنسيين والصينيين والألمان، بالإضافة إلى الأمريكيين، ما أحدث قفزة عظيمة في الميزان العسكري المصري الذى أوصل مصر إلى الترتيب التاسع في مؤشرات التسلح والقوة لجيوش العالم.
الآن، نجد أن هذه المعركة التي أدارها الرئيس السيسي بمهارة في تنويع مصادر السلاح يقع في عيوبها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أوقعته في أزمة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
قرر «أردوغان» من قبيل «الكيد السياسي» للمصالح الأمريكية ومن قبيل الرشوة السياسية للمصالح الروسية التي يحتاجها بقوة الآن في تحديد مستقبل النفوذ التركي في سوريا، أن يشترى «درة التاج» في صناعات السلاح الروسية، وهي نظام الدفاع الصاروخي «إس 400».
عرفت القوات الروسية نظام «إس 400» عام 1999 وهو أيضاً نفس النظام الذي يستخدمه الجيش الشعبي الصيني، وهو نظام ملاحقة يعمل بالقصور الذاتي والتوجيه بالأوامر.
ويعتبر نظام (إس 400) نظام ترقية لعائلة (إس 300) التي دخلت الخدمة بقوة منذ العام 2007 وهو يستخدم في ذات النظام أربعة صواريخ بعدة مدايات 400 كم، و250 كم، و120 كم، و40 كم، حسب بُعد الهدف، ويعرف هذا النظام بأنه من أفضل الأنظمة الدفاعية في العالم، وتم اختباره بكفاءة شديدة في الحرب السورية مؤخراً.
من هنا اعتبرت «واشنطن» أن القرار التركي بشراء هذا النظام هو عمل مضاد لمصالحها، ما دفع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، شارلز سامرز، أن يهدد صراحة بأن «تركيا قد تواجه عواقب خطيرة في حال اشترت المنظومة الروسية».
وأضاف «سامرز»: «إنه إذا تمت هذه الصفقة فإنه لن يكون بمقدور الأتراك الحصول على طائرات إف 35 وصواريخ باتريوت».
والمتوقع أن يبدأ تركيب هذه الصواريخ بعد فترة لا تزيد على خمسة أشهر مقبلة في تركيا.
هنا لا يصبح الصراع بين «واشنطن» و«موسكو» على نفط أو حدود أو موانئ أو نفوذ سياسي فحسب، لكنه يتجلى في أعلى درجاته في صراع تنافسي بين بائعين للسلاح الأول يبيع (إس 400) والثاني يبيع «باتريوت» خلف كل نظام منهما خبراء، وأجهزة، وأبحاث، وبنوك، وصناعات عسكرية، ومصالح شرسة، لن يسمح بدخول الآخر إلى منطقة نفوذه أو مصالحه.
ويؤمن «أردوغان» بأنه يستطيع أن يشتري السلاح الروسي دون أن يخسر السياسة الأمريكية!
هذا المنهج يعبر عن شعور مفرط بالقوة الزائدة والحسابات القائمة، «إنه مهما تجاوزت تركيا الخطوط الحمر مع الأمريكان فإن واشنطن سوف تغفر لها لأنه لا يمكن لها أن تستغنى عن الدور التركي في المنطقة وتحديداً في سوريا والعراق».
الأيام المقبلة كاشفة لعدم دقة حسابات «أنقرة» وغطرسة سياسات «أردوغان».
نقلاً عن "الوطن" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة