العالم حتى الآن يتبع سياسة "انتظر وراقب" إلى حين تأدية الرئيس القسم الدستورية يوم الإثنين القادم
تبدو تركيا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية -التي جرت قبل أسبوع- كما لو أنها على موعد مع موجة كبيرة من الاضطرابات في سياستها الخارجية، سواء مع دول الجوار الجغرافي أو مع باقي دول العالم، خاصة مع دول الاتحاد الأوروبي، ولاسيما النمسا، التي تسلمت رئاسة الاتحاد أمس الأول، حيث أبدت تلك الدول قلقها من سيطرة السلطة التنفيذية وتحولها إلى النظام الرئاسي الذي يعني تفرد شخص بالقرار السياسي.
هناك العديد من الأمثلة التي تدلل على تقلبات السياسة الخارجية التركية، خاصة منذ بداية ما كان يعرف بـ"الربيع العربي"، وما نتج عنه من تداعيات على المستوى الإقليمي والعالمي، وعلى الرغم من أنه يصعب على المراقب الجزم إلى أين تتجه هذه السياسة مع جوارها الجغرافي الشرقي والغربي؛ فإنه من المتوقع أنها ستتبع سياسة مزدوجة تميل حسب مصالح "الحزب" وليس الدولة التركية؛ لأن السياسات التي اتبعها الرئيس رجب طيب أردوغان كانت تعطي الأولوية لحزب العدالة والتنمية أكثر مما تسير عليه الدولة التركية عادة، ما سبب له مشاكل مع القوى السياسية في الداخل.
كمراقبين للوضع التركي لا نستطيع أن نتجاهل القرائن المتوفرة عن توجه السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، والتي تدل على أنه بدأ يخسر رصيده السياسي في الداخل والخارج، ما يعني صياغة جديدة للسياسة الخارجية التركية.
هناك شبه إجماع بأن تركيا تتغير، وهذا ما بدا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في 2002 ، وإن كانت في البداية قد اتبعت سياسة عرفت بسياسة "صفر مشاكل" التي هندسها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو. ولكن يبدو أن تلك السياسة حدث فيها تغيرات تشير إلى أن تركيا تسير نحو سياسة جديدة، سواء مع عمقها الاستراتيجي الممتد في القارتين أو حتى مع الدول البعيدة مثل الولايات المتحدة وأفريقيا نحو "صفر علاقات"؛ بسبب استفزازات الرئيس أردوغان للمجتمع الدولي.
العالم حتى الآن يتبع سياسة "انتظر وراقب" إلى حين تأدية الرئيس القسم الدستورية يوم الإثنين القادم باستلام مهام رئيس الوزراء، وبذلك يتحول إلى نظام رئاسي، ومع ذلك فإن هناك ملفات لا تزال عالقة بين تركيا والدول الأخرى.
فعلى المستوى الإقليمي لا تزال علاقة تركيا مع العرب يشوبها القلق بسبب دعم تيار الإخوان المسلمين الذي يسعى إلى زعزعة الاستقرار، وعلى المستوى الإقليمي فإن علاقتها مع العراق وإيران ليست بذلك الهدوء، وخاصة في طريقة التعامل مع الملف الكردي. والأمر لا يختلف كثيراً مع روسيا وكيفية إدارة الأزمة السورية؛ فعلى الرغم من الحديث عن أن ثمة اتفاقاً بينهما فإن الحقيقة تقول إن تركيا تتلاعب وتراوغ بين الموقف الأمريكي والروسي فيها.
يبقى الملف الأوروبي هو الأكثر قلقاً، ليس فقط لأن تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي يخالف شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وليس بسبب قضية الهجرة إلى أوروبا التي تسببت في وصول الإرهاب إلى عمقها نظراً لتساهل تركيا كما تعتقد أوروبا. ولكنّ هناك قضيتين مهمتين، القضية الأولى أن الأوروبيين من أصول تركية يدافعون عن توجهات أردوغان وطموحاته السياسية في مجتمعاتهم الجديدة التي تبدو من خلال الممارسات أنها تسير نحو إحياء الدولة العثمانية؛ وما تحمله من إرث سياسي غير مقبول أوروبياً.
والقضية الثانية هي تدخل أردوغان في بعض سياسات الدول الأوروبية التي تتخذها لا سيما في موضوع الحد من التطرف والإرهاب مثل إغلاق المساجد وتوقيف بعض الأئمة آخرها النمسا، وقد ذكّر الرئيس أردوغان بعودة حرب الهلال والصليب، إشارة إلى توسعات الدولة العثمانية في أوروبا.
إن هذا الطرح ليس هو الأول فيما يخص تناول موضوع انتهاء اللحظة المثالية في تاريخ الدبلوماسية التركية التي كانت تتمناها كل دول العالم على اختلاف سياساتها وأحجامها، بل إنها كانت محل إبهار وإعجاب من الكثيرين، حتى اعتقد صانع القرار التركي أن دور بلاده بات حاسماً في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالملفات الصعبة والمعقدة، لكن الجديد هو أن تتحول تركيا الدولة المهمة في المنطقة إلى مصدر قلق وإزعاج للجميع بسبب سياسات الرئيس أردوغان "الشعبوية" والحماسية، ما يعني أننا أمام معارك جديدة في المنطقة.
قد يكون من المبكر جداً، وربما ليس من الموضوعية، أن نعتقد بأن هناك مشكلات وأزمات قادمة لتركيا بعد مضي أقل من أسبوع فقط على إعلان النتائج الانتخابية، لكننا كمراقبين للوضع التركي لا نستطيع أن نتجاهل القرائن المتوفرة عن توجه السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، والتي تدل على أنه بدأ يخسر رصيده السياسي في الداخل والخارج، ما يعني صياغة جديدة للسياسة الخارجية التركية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة