تتذرع تركيا بأن المقاتلين يواصلون الهجمات ضد قواتها، عبر إطلاق القذائف وتفجير السيارات المفخخة من خارج ما تُسميه «المنطقة الآمنة»
لم تتوقف تركيا عن إطلاق التهديدات والتلويح بسيناريوهات بديلة في سوريا، على الرغم من كل الاتفاقات التي وقعت معها، وعلى الرغم من اعترافها بأنها تمكنت من «تطهير» ما تُسميه بـ«المنطقة الآمنة» التي أنشأتها شمال شرقي البلاد من المقاتلين الأكراد الذين تصفهم بـ«الإرهابيين»؛ بذريعة الدفاع عن أمنها.
في سوريا يظهر مأزق تركيا الحقيقي في عدم قدرتها على ترجمة أهدافها المعلنة في الحصول على دعم دولي لتمويل «المنطقة الآمنة»
ولكن ما الذي يدفع تركيا إلى إطلاق هذه التهديدات، وكأن الشمال السوري برمته هو جزء من أراضيها، تتصرف به كيفما تشاء، على الرغم من أن وجودها في الأراضي السورية أصلاً يمثل تدخلاً غير شرعي، وانتهاكاً لكل المواثيق والشرائع والقوانين الدولية، وهل هي قادرة فعلاً على ترجمة أقوالها إلى أفعال، والقيام بالمزيد من الاعتداءات؛ لتأمين مصالحها وأطماعها التاريخية في الأراضي السورية؟
تتذرع تركيا بأن المقاتلين يواصلون الهجمات ضد قواتها؛ عبر إطلاق القذائف والعمليات الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة من خارج ما تُسميه «المنطقة الآمنة»، وتتهم القوات الحكومية في الجهة المقابلة على جبهة إدلب بمواصلة انتهاك وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه مع موسكو مؤخراً، انطلاقاً من رغبتها في فرض الاستسلام التام على المقاتلين الأكراد، وفي الجهة المقابلة منح الفرصة الكافية لـ«جبهة النصرة» والفصائل الأخرى الموالية لإعادة تنظيم صفوفها، واستئناف الهجمات على الجيش السوري شمال غربي البلاد، لكن بات من الواضح أن تركيا تتخبط، خصوصاً بعدما نقلت الآلاف من مرتزقتها في سوريا لدعم مليشيات حكومة الوفاق في ليبيا، فهي تريد أن تحارب على كل الجبهات، سعياً لتحقيق رؤيتها الواردة فيما يُسمى «الميثاق الملي»، الذي صدر في القرن الماضي، ويحدد حدودها مع دول الجوار، بما يتيح لها إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية تحت يافطة ما يُسمى بـ«العثمانية الجديدة»، وتدخل ليبيا وشمالي سوريا والعراق ضمن هذه الحدود. ولعل هذا «الميثاق» هو التعبير الأبرز عن أطماع تركيا التاريخية والتوسعية، وقد يكون منشأ هذا التخبط هو عدم قدرتها على تحقيقه. فليبيا، على سبيل المثال، تحولت إلى بؤرة صراع دولي أكثر مما هي مجرد صراع داخلي بين القوى المحلية، والعالم لن يسمح لتركيا باحتلالها ونهب ثرواتها، وفي سوريا يظهر مأزق تركيا الحقيقي في عدم قدرتها على ترجمة أهدافها المعلنة في الحصول على دعم دولي لتمويل «المنطقة الآمنة» بما يسمح لها إعادة توطين ملايين اللاجئين في شمال شرقي البلاد، وإحداث التغيير الديموغرافي الذي تسعى إليه على حساب الأكراد السوريين، أما في شمال غربي البلاد فيظهر العجز التركي واضحاً، من خلال التلطي خلف وقف إطلاق النار، سعياً لإنقاذ حلفائها من الفصائل المسلحة.
وما يعزز هذا القول هو اللقاء الأمني الذي رعته موسكو بين الجانبين السوري والتركي، والذي يراه البعض ثمرة للجهود الروسية في إحداث تقارب بين أنقرة ودمشق، لكنه في الحقيقة ليس سوى مناورة تركية تعبر عن تخبط أنقرة التي تحاول الاحتفاظ بقدرتها على لعب دور في كل الجبهات.
نقلاً عن " الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة