بالدلائل والبراهين.. الجيش التركي بقطر عنصر عدم استقرار
تركيا أسهمت في تعميق الأزمة القطرية وعقدت حلها، وهو ما ظهر جليا في رفضها إغلاق قاعدتها العسكرية بقطر، بل وتوسيع تواجدها.
دلائل كثيرة تؤكد تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور بن محمد قرقاش، بأن وجود "الجيش التركي في قطر عنصر عدم استقرار" بالمنطقة.
وتكذب الدلائل في الوقت نفسه تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارته للدوحة، الأربعاء الماضي، والتي زعم فيها أن الوجود العسكري لبلاده في قطر يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج.
أبرز تلك الدلائل أن تركيا أسهمت في تعميق الأزمة القطرية ومحاولة تعقيد حلها، لاستعادة حلمها القديم، باسترجاع الإرث العثماني في المنطقة، وهو ما ظهر جليا في رفضها إغلاق قاعدتها العسكرية بقطر، بل وتوسيع تواجدها العسكري بالدوحة عقب الأزمة.
وتكشف البنود السرية في الاتفاق العسكري بين قطر وتركيا كيف ينتهك هذا الاتفاق سيادة الدوحة ويهدد الأمن القومي الخليجي والعربي.
- قرقاش: الجيش التركي في قطر عنصر عدم استقرار بمنطقتنا
- مؤلف "أوراق قطر": الدوحة تدعم إخوان أوروبا بملايين اليوروهات
الدليل الثاني هو قيام تركيا باستغلال تواجدها العسكري لاستنزاف ثروات القطريين، حتى أضحى الأتراك أنفسهم يتحدثون عن أن زيارت رئيسهم للدوحة ترتبط بطلب أموال جديدة، وكان آخرها الزيارة التي تمت لقطر قبل عدة أيام، وما تزال تثير جدلا واسعا بأنقرة.
الدليل الثالث، هي قاعدة أضحت واضحة للعالم كله، ومفادها أينما حل أردوغان وجيشه حل الخراب والدمار وعدم الاستقرار، وخير شاهد على ذلك تدخلاته في سوريا وليبيا واعتداءاته المتكررة على العراق إضافة إلى تدخلاته في الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجيان بشأن إقليم نارغوني قره باغ المتنازع عليه.
ويمكن فهم تلك الدلائل بشكل أعمق إذا استعرضنا كيف استغلت تركيا أزمتي قطر 2014 و2017 لإيجاد قواعد عسكرية لها في المنطقة، ومحاولة تعميق الأزمة القطرية وزيادة الاستقطاب السلبي في المنطقة.
تركيا واستغلال قطر
بدأت أزمة قطر الأولى في 5 مارس/آذار 2014 بإعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من الدوحة، وذلك لعدم التزام قطر باتفاق مبرم في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بالعاصمة السعودية الرياض، وانتهت الأزمة في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بتوقيع قطر اتفاقاً جديداً في اليوم نفسه، وتعهدها بالالتزام بكلا الاتفاقين.
وأبرز بنود الاتفاقين التي وقع أمير قطر تميم بن حمد على الالتزام بها: وقف دعم تنظيم الإخوان الإرهابي، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، وعدم تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو مع الدول المحيطة.
وبعد شهر واحد من الاتفاق تم الإعلان عن التوقيع على اتفاقية تعاون عسكري بين قطر وتركيا في الـ19 من ديسمبر/ كانون الأول 2014، وهو ما يعني أن المباحثات حول الاتفاق جرت خلال فترة أزمة الدوحة الأولى.
أي أن تركيا استغلت الأزمة لعقد اتفاق مع قطر ينص على إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الخليج، تحقيقاً لحلمها بالتغلغل العسكري في الشرق الأوسط، واستعادة حلمها القديم، باسترجاع الإرث الاستعماري في المنطقة.
ومن جهة أخرى، كانت الإمارة الصغيرة تدرك جيداً أن مقاطعتها من قبل الدول الداعية لمكافحة الإرهاب أمر قادم لا محالة، لأنها لن تلتزم بما تعهدت به.
وتلاقت مصالح البلدين على التعجيل بتنفيذ اتفاق التعاون العسكري "الإطار" الذي وقعه البلدان في 19 ديسمبر/كانون الأول 2014، فقام البلدان في 28 أبريل/نيسان 2016 بتوقيع اتفاقية بشأن تمركز قوات تركية في قطر حملت اسم "اتفاقية التنفيذ" تتضمن تفاصيل حول ما يأمل البلدان في تحقيقه بمنطقة الخليج، وهي الاتفاقية التي كشف موقع "نورديك مونيتور" السويدي في يناير/كانون الثاني 2019 بنودها السرية.
ومن بين الشروط والأحكام التي تتضمنها الاتفاقية العسكرية السرية بين الدوحة وأنقرة "تمكين أردوغان من استخدام الأجواء والأراضي والقطع البحرية القطرية في عملية الترويج لأيديولوجيته وأفكاره في منطقة الخليج، إضافة إلى تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية، بجانب استخدام جيشه في المنطقة".
وبحسب التقرير الذي نشره الموقع السويدي، فإن الاتفاقية العسكرية السرية "تنطوي على مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تصعيد مشاركة تركيا في صراعات محتملة قد لا تكون لها علاقة بحماية المصالح القومية التركية"، وهو ما يؤكد أن البنود الغامضة في الاتفاقية تم وضعها بشكل متعمد من أجل تمكين الرئيس أردوغان من الاستفادة منها وبشكل ممنهج.
وإزاء استمرار قطر في سياساتها الداعمة للإرهاب، أعلنت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية، والإمارات، ومصر، والبحرين)، قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، في الـ5 من يونيو/حزيران 2017.
وبعد يومين فقط من بدء المقاطعة صوّت البرلمان التركي في الـ7 من يونيو/حزيران 2017 على مشروعي قرار، يتعلق الأول بتدريب وتأهيل قوات الدرك القطرية، والثاني بتطوير اتفاقية التعاون العسكري المبرمة مسبقاً بين البلدين، بما يعني تسريع إنشاء القاعدة التركية.
ويظهر تكالب أنقرة على الدوحة بعد يومين فقط من قرارا المقاطعة بشكل واضح نية تركيا المبيتة استغلال الأزمة مجدداً لصالحها.
ويشير الموقع السويدي في هذا الصدد إلى أن "هناك تعديلات جرت على نص الاتفاقية عند تمريرها في البرلمان في يونيو/حزيران 2017، من بينها عدم تحديد المدة الزمنية المتعلقة بمهمة القوات التركية في قطر، ولا كم من الوقت ستبقى هناك.
حيث تنص المادة الأولى من الاتفاق على "الوجود طويل الأمد، والوجود المؤقت وأنشطة القوات المسلحة التركية"، دون أي تحديد للمدد الزمنية، ولا تعريف ما هو "المدى الطويل" ولا من يُحدد مدة الالتزام للقوات التركية.
ونشرت أنقرة في يونيو/حزيران 2018 مئات من جنودها في قطر بطلب من الدوحة، وسط غضب شعبي بسبب تجاوزات جنود أردوغان بحق القطريين.
عملياً، تركيا استغلت الأزمة وسارعت بتحقيق أهدافها، مساهمة في تعقيد الوضع والأزمة، بدلاً من أن تسهم في حلحلته كما تدعي، لأنها أحد أبرز المستفيدين من تغريد قطر خارج سرب أشقائها في مجلس التعاون الخليجي.
انتهاك السيادة القطرية
كما انتهكت تركيا السيادة القطرية كثيرة بتحويلها أراضي قطر إلى ساحة خلفية لنظام أردوغان، بعد أن سمح "تنظيم الحمدين" باستغلال أراضي البلاد لتجريب أنظمة تسليح تركية جديدة.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، أجرت شركة "أسيلسان" التركية المتخصصة في الصناعات العسكرية والإلكترونية، تجربة على الأراضي القطرية، لاختبار أحدث أسلحتها محلية الصنع، سلاح "صرب – ظفر"، وتكرر هذا الأمر مرات عديدة مع اختلاف نوعية الأسلحة التي تم تجريبها.
كما سبق أن كشفت تصريحات للسفير التركي السابق في قطر فكرت أوزر، أن اتفاقية 2014 الموقعة بين البلدين تتضمن التعاون بين قطر وتركيا برا وبحرا وجوا، وهو ما يعني أنها تتيح إنشاء قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية متى قرر البلدين ذلك.
وبالنظر إلى تلك التصريحات، و البنود السرية للاتفاقية العسكرية واحتمالية إنشاء قواعد أخرى، يتكشف حجم الخطر بشكل أكبر، ويتعزز الاحتلال المقنع لقطر، وخصوصا أن الاتفاق يعد بمثابة وثيقة تنازل من الدوحة عن سيادتها بالسماح للقوات التركية التصرف بحرية دون استئذانها، ما يتنافى مع مفهوم "سيادة الدول" وهو أمر يعرض أمن المنطقة للخطر.
ويمكن فهم خطورة التوسع العسكري التركي في قطر بشكل أكبر على الأمن القومي الخليجي والعربي، في ظل التوافق الأيديولوجي والفكري بين الدولتين في رعاية الفوضى ودعم جماعة الإخوان الإرهابية.
استنزاف وانتهاك سيادة
أيضا بدأت تركيا – ومازالت - في استنزاف ثروات الشعب القطري تحت غطاء تعاون عسكري واقتصادي حصلت فيه على عقود بمليارات الدولارات.
وأضحت عقود التسليح والمشاريع الاستراتيجية تذهب لأنقرة، بعقود مليارية، رغم عدم حاجة الإمارة الصغير لتلك الأسلحة، وكان آخرها حصول قطر قبل يومين على سفينة تدريب صنعتها أنقرة، تقول الدوحة إنها من أكبر سفن التدريب في العالم، لجيش يعد من أصغر جيوش العالم.
أيضا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا وانهيار سعر الليرة مقابل الدولار الأمريكي، ابتزت تركيا قطر لتدعمها، كان آخرها زيارة أردوغان للدوحة الأربعاء الماضي.
وتعد هذه ثاني زيارة يجريها الرئيس التركي للدوحة في 3 أشهر، وتأتي بعد أيام قليلة من تدخل أنقرة في الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجيان بشأن إقليم نارغوني قره باغ المتنازع عليه، عبر دعم باكو بالسلاح والمرتزقة.
ومن الواضح أن الهدف الأبرز من زيارة أردوغان يكمن في طلب تمويل قطري لتدخلاته الجديدة بالصراع الدائر جنوب القوقاز، إذ لم يعد بمقدور تركيا تمويل حروبه الخارجية في ظل الأزمة الاقتصادية المحلية الخانقة.
وبحسب تقرير لصحيفة "جمهورييت"، السبت، فإن فائق أوزتراق، الناطق باسم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أكد أن "الغرض من الزيارة هو طلب المال" من نظام الحمدين.
وأضاف المعارض التركي: "كلما سجل الدولار أرقاما قياسية أمام الليرة التركية، هرع أردوغان إلى قطر على وجه السرعة. لكن لا بد أن يعلم أن الذي يتلقى أموالا من الخارج يتعود على تلقي الأوامر أيضا".
جاءت زيارة أردوغان بالتزامن مع انحدار العملة المحلية إلى مستوى 7.9 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو أسوأ رقم تحققه العملة التركية.
وتواصل حكومة أردوغان استنزاف قطر اقتصادياً، من خلال استغلال ثرواتها ومقدّراتها لإنقاذ أنقرة من أزمتها الاقتصادية التي تعصف بها منذ أكثر من عامين، من خلال دفع الدوحة لضخّ مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد التركي المتعثّر من زاوية الاتفاقيات الثنائية التجارية والمالية، وعلى الصعيد العسكري كذلك.
اقتصاديا، تمكنت تركيا من إغواء قطر لضخ استمارات على أراضيها، إذ أعلنت الدوحة في 2018 عن استثمارات في السوق التركية بقيمة 15 مليار دولار أمريكي، سيجري تمريرها إلى الأسواق المالية والبنوك.
كذلك، استحوذت تركيا على عديد الواردات القطرية، مقابل الوجود العسكري التركي على أراضيها.
وهرعت تركيا لحليف الشر "قطر" في محاولة لإدارة أزمة شح النقد الأجنبي في السوق المحلية، من خلال البحث عن قنوات تبادل تجاري بعملات غير الدولار الأمريكي، في وقت تعيش فيه الأسواق المحلية تراجعا حادا في سعر صرف الليرة التركية.
وفي شهر مايو/ آيار الماضي، قال البنك المركزي التركي إنه قام بزيادة حجم اتفاق مبادلة عملة مع قطر لثلاثة أمثاله، إلى ما يعادل 15 مليار دولار من 5 مليارات دولار سابقا، في اتفاق يوفر سيولة أجنبية تشتد الحاجة إليها داخل السوق التركية.
ابتزاز متواصل
ودائما ما يحرص أردوغان خلال زياراته للدوحة على التأكيد أن أنقرة وقفت معها في أزمتها التي لا تزال مستمرة، في تهديد مبطن يستهدف ضمان الاستنزاف الدائم، وهو ما تكرر في زيارته الأربعاء الماضي.
ولم يكتف بذلك بل زعم أن الوجود العسكري لبلاده في دولة قطر يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج.
لذلك جاء رد الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية قويا واضحا لوضع حد لأكاذيب أردوغان.
وقال قرقاش في تغريدة له بـ"تويتر": "تصريح الرئيس التركي خلال زيارته إلى قطر والذي يشير فيه إلى أن جيشه يعمل على استقرار دول الخليج برمتها لا يتسق مع الدور الإقليمي التركي، والشواهد عديدة".
وتابع: "التصريح يحاول إبعاد النظر عن الأسباب الاقتصادية للزيارة، ولنكن واضحين، الجيش التركي في قطر عنصر عدم استقرار في منطقتنا".
وأردف في تغريدة أخرى: "الوجود العسكري التركي في الخليج العربي طارئ، ويساهم في الاستقطاب السلبي في المنطقة، هو قرار نخب حاكمة في البلدين يعزز سياسة الاستقطاب والمحاور ولا يراعي سيادة الدول ومصالح الخليج وشعوبه، فمنطقتنا لا تحتاج الحاميات الإقليمية وإعادة إنتاج علاقات استعمارية تعود لعهد سابق".